التربية والتعليم واستراتيجية التفكير الناقد


أفلحت وزارة التربية والتعليم الأردنية بمحاولة إدخال استراتيجية التفكير الناقد على منظومة الاستراتيجيات التربوية والتعليمية المعمول بها؛ لأنّ النقد اللاذع الأكبر الذي تمّ توجيهه نحو منظومة التعليم العربية برمتها خلوها من منهجية التفكير الناقد، وأنّ التربية والتعليم في المحيط العربي كلّه تتسم بمنهجية التقليد، والتعليم البنكي الذي يخلو من أسلوب المشاركة والحوار داخل غرفة الصف، مما أدى إلى مخرجات غير سليمة يتضح أثرها في الأجيال والأفواج من الطلبة والشباب العاجزين عن حمل راية الإبداع والابتكار والفكر النافذ، ممّا أدى إلى تراجع المنطقة العربية برمتها على جميع الأصعدة، وجعلها في ذيل قافلة العالم على سلّم التنمية البشرية والنهوض الحضاري الحديث.

لكن من المؤسف أنّ إدخال هذه الاستراتيجية لم يتمّ بشكل منهجي سليم، ويتمّ الاكتفاء بطرح هذا الشعار في بعض الدورات القصيرة وفي مناهج الدراسات العليا لعدد قليل من المعلمين، مما يجعلنا لا نلمس أثر هذه الاستراتيجية بشكل حقيقي في عمليات التدريس التطبيقي في غرفة الصف.

وما يدعو الى الاسف أيضاً أنّ بعض القائمين على رعاية هذه الاستراتيجيات يعاني من القصور عن إدراك هذه الاستراتيجية وأثرها الحقيقي في تنمية عقول التلاميذ، ويعود ذلك غالباً لأنّ هؤلاء يفتقدون لهذه الروح النقدية الشجاعة بحكم أنّهم خريجو المدرسة التلقينية التقليدية التي طبعتهم على رفض النقد، والخوف من الحوار والنقاشات أمام التلاميذ في لمس القضايا المهمة.

وأضرب مثالاً على ما تقدم أنّ أحد مدراء مديريات التربية في الشمال وجّه سؤالاً لمعلمة التربية الإسلامية في إحدى المقابلات الفنية حول استراتيجيات التعليم المتبعة، وعندما تمّ التطرق إلى استراتيجية التفكير الناقد، سأل المعلمة مستغرباً ومندهشاً: هل تتبعين استراتيجية التفكير الناقد في مواضيع التربية الإسلامية؟ فقالت: نعم، ولم لا!! فقال كيف يتمّ ذلك في تدريس القرآن والسنّة، فقالت المعلمة واثقة من إجابتها، ولم لا؟ فلم يدعها تكمل الإجابة وثار غاضباً متهكماً وقطع الحديث بقوله: خلص،خلص... وأكمل الصورة أحد المعاونين لمدير التربية قائلاً: وكيف يتمّ اتباع استراتيجية التفكير الناقد في تعليم (المسح على الخفين)؟، ثمّ انتهت المقابلة بشكل مأساوي، وخرجت المعلمة ، تشكو هذا الأسلوب غير الحضاري في الحوار والمناقشة.

وهنا أود أن أشير بوضوح أنّ التربية الإسلامية تقوم بجوهرها على فلسفة التفكير الناقد، بل تعمد إلى إحداث ثورة فكرية على التقليد الأعمى، وأنّ القرآن الكريم جاء ليرسي معالم هذه الاستراتيجية، ويهدف إلى صياغة المنهج العلمي لدى العقل المسلم.

فالقرآن الكريم يدعو إلى السير في الكون وإعمال النظر والتفكير بحرية }قل سيروا في الأرض، ثمّ انظروا...{، وتهكم القرآن بقوة على الذين يقولون }إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم لمقتدون{.

عمد القرآن إلى فتح حوارات عقلية موضوعية علمية مع المخالفين، فقال :}قل لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لفسدتا{.

وطلب الله عزّ وجل في القرآن استقاء المعلومات بشكل صحيح من مصادر سليمة ووسائل سليمة، فقال:}ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولاً{، ثمّ قال:}إن يتبعون إلاّ الظن، وإنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً{.

وطلب الله عز وجل من كل مدعٍ أن يأتي بالدليل والبرهان، فقال عز وجل: }قل هاتوا برهانكم{.

كما طلب الله عزّ وجل اتباع منهج البحث والفحص والتدقيق والتبين والتثبت من المعلومة، فقال:}يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا{.

وطلب القرآن إجراء الجدال والحوار بالحجة والإقناع وبالتي هي أحسن، }»ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن{.

ثمّ طلب الله عزّ وجل من المكلف أن يعمل عقله بعد جمع المعلومات والأدلة باتبّاع أحسن الخيارات والبدائل، وهي عملية اتخاذ القرار، }الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه{.

وأخيراً طلب من المكلف أن يحزم أمره ويتوكل على الله ولا يتردد ولا يتراجع عم يراه صواباً وحقاً، فقال: }فإذا عزمت فتوكل على الله{.

وهنا أريد أن أقول لمدير التربية هذا الذي يتحمّل مسؤولية تنشئة آلاف التلاميذ، وصياغة عقول الجيل القادم ما قاله الله عزّ وجلّ:}فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{.

فالإسلام يقدس حرية العقل وحرية الرأي وحرية الإرادة وحرية التدين ويحارب العبودية والإكراه والإذلال والجبن.
(الرأي)



تعليقات القراء

معلم أردني من الميدان
أخي الكاتب لا تنخدع بتنظيرات وزارة التربية والتعليم فجميع خططها للنهوض بالعملية التربوية لا تنجح إلا بمكاتب كبار موظفي وزارة التربية والتعليم أما على أرض الواقع فمع كل تطوير جديد تراجع للخلف وخصوصيات بالمخرجات السلوكية
انظر لواقعنا التعليمي يوما بعد يوم مشاكل متزايدة وأمية متفاقمة
إلى متى أخي لا نعترف بالخلل الحقيقي ومنه نبدأ العلاج
متى يكون أصحاب القرار بوزارة التربية جريئون ويعترفوا بالمصائب التي أوجدوها
أخي أتمنى لو ترافقني بزيارات لمعلمين في بيوتهم لتسمع منهم الواقع الحقيقي للدمار الذي ينتظرنا
مدراء تربية ومشرفون وكبار مسؤولين يتفنون بطريقة استعمال لغة الارقام الخداعة والاوصاف الزائفةثة قادمة لا محالة لا قدر الله
حمانا الله من سياسات وزارة التربية الفاشلة 100 بالمائه

إن الحمد لله معظم معلمينا مخلصون لوطنهم لذلك نجدهم يحاولكارون انقاذ ما يمكن انقاذه ولكنهم يتحملون نتائج نفسية وخيمة وهم لا يمكن لهم الاستمرار الى مالا نهاية
إن لم ينتبه الرأي العام ويضغط للاصلاح الحقيقي دون تنظيرات كاذبة فال
08-10-2010 11:30 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات