مع العام 2020


رقم هذا العام يثير التفاؤل. الكتب والأفلام المستقبلية في السبعينيات والثمانينيات كانت ترسم صورة للعالم في 2020 ملهبة للخيال .. سفر في الفضاء ومستوطنات على كواكب اخرى وحكومة عالمية وحياة في المدن مختلفة تماما. لكن رغم التقدم التقني المذهل خصوصا في تكنولوجيا الاتصالات.والهواتف الذكية والانترنت فما نزال نعيش تقريبا نفس المشاكل والاحتياجات. وعندنا كانت الخطط والاستراتيجيات مطلع الالفية تضع تصورا طموحا جدا للأردن 2020، وها نحن وصلنا الى الموعد البعيد فعلا ونحن على نفس الحال أو أسوأ في بعض المجالات مثل البطالة والفقر والنقل وشح المياه وتدني الانتاجية وتردي الخدمات وغياب العدالة وضعف المؤسسية واستمرار الفساد، ومن حولنا التوترات السياسية والعنف والمشاحنات والحروب الأهلية والاقليمية واللاجئون، ومن كان يتخيل في السبعينيات ان ينشأ شيء مثل داعش في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. واذا فكرنا في التاريخ على نفس القياس يجب ان نتوقع عالما يتقدم علميا وتكنولوجيا لكن لا يحل مشاكل بل يكررها بصور مختلفة واحيانا بأسوأ من أي توقعات.

جردة الحساب ليست لصالح معسكر المتفائلين وأنا منهم وأعترف انني مريض مزمن بالتفاؤل رغم الخيبات المتكررة وافكر دائما ان القادم أفضل وقد علق احد الأصدقاء قبل ايام على مقال لي مدهوشا من تفاؤلي. وها أنا الآن أتكئ على هذا الرقم الجميل 2020 للتفاؤل. ليس هو الاصرار على ترويج الوهم بل رفض القنوط واليأس وبالنسبة لسياسي اصلاحي مثلي فكيف يمكن الاستمرار دون ابقاء الأمل متقدا. والحقيقة ان خيبة الأمل في جزء منها تعود الى ان الناس تميل لمقارنة الواقع بالتوقعات وتتذكر الماضي بأفضل مما كان فعلا فلا تلحظ أو لا تقدر حجم التقدم أو المكتسبات المتحققة.

في فترة العيد حصلت على دفعة لتعزيز مشاعر الرضى ودفع مشاعر الاحباط من ابنتي التي تعمل منذ عامين مع الأمم المتحدة على لاجئي الروهينغا في بنغلادش. عادت بمناسبة الأعياد وكانت سعيدة جدا ليس فقط أنها بين اهلها بل لأنها في مدينتها عمان ذروة التحضر والحداثة وعقدت لنا مقارنات مع مكان عملها هناك.. مستوى المعيشة، وسائل الرفاهية، سلوك الناس، سلوك الموظفين والمسؤولين، تنظيم المدينة، النظام العام، السير، احترام الوقت، نمط المعاملات، مستوى الخدمات، كفاءة الادارة، انتاجية العمال. بل عقدت مقارنة بيننا وبينهم في موضوع اللاجئين وتعامل السلطات معهم وهي عملت لعامين هنا في مخيمي الزعتري والأزرق وشرحت الفارق الهائل في معيشة اللاجئين وايصال وتوزيع الدعم وتوفير الخدمات وبناء المرافق وشفافية الأداء وكفاءة التنظيم والتعاون مع المنظمات الدولية. وقالت حين غادرت الاردن كانت شبكة كهرباء بالطاقة الشمسية تغطي كل الزعتري بينما مصدر الطاقة الوحيد في مخيمات الروهينغا ما يزال الحطب يلمه اللاجئون للطبخ عليه في اكواخ معدمة يتكوم بها العشرات وسط معيقات غير معقولة وتعطيل لا ينتهي وهدر للوقت والجهد في كل خطوة وخطة من اجل اللاجئين.

طبعا الشاب الخريج الذي يبحث عن عمل منذ اربع سنوات دون جدوى لا يشتري هذا الكلام ولا يعنيه ولا يرى الا جحيم العوز والبطالة الذي يعيش فيه ولا يرى المسؤولين الا كذابين فاسدين ولا يصدق الا الأصوات الشاكية المقهورة واحاديث الفساد والاثراء غير المشروع. ما العمل اذن؟! لا يمكن مواجهة التشاؤم والاحباط الا بالشفافية وتجسير الثقة ولن نحققهما بالحكي والادعاءات بل بالتجرؤ على اصلاح سياسي حقيقي. هذا استخلاصنا للمرة المليون، وليس استخلاصنا فقط فلطالما كرره اصحاب القرار دون ان يأخذوا به.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات