من غامض علمه يادولة الرئيس


من غامضِ علمهِ تأتي الأفكار ُ والأحلامُ والهواجسُ،
من غامض علمهِ ترفرفُ الفراشاتُ، وتجني عاملاتُ النحلِ الرحيقَ
، من غامضِ علمهِ تسري الركبانُ، وتمخرُ المراكبُ العبابَ،
من غامض علمه يأتيكَ البشيرُ أو النذير.
من غامضِ علمِهِ تلتقي العيونُ وينبضُ القلبُ ويتفجّرُ أسمى ما في الكون من معانٍ!
من غامضِ علمهِ يبتسمُ الحظُّ أو يعبسُ،
من غامضِ علمهِ تتأتّى المواهبُ فيولدُ الشعراءُ والعلماءُ والفلاسفةُ ويتولون المناصب .
من غامض علمه
من غامض علمه تقفز إلى السطور درر وجواهر، وتحطّ عليها أيضاً ترّهات وهلوسات.
من غامض علمه صرنا نلجأ إلى غامض علمه! فاخترعنا تعبير هُمْ، وصرنا ننسب الأقوال والأفعال والحوادث والأسرار إلهُمْ!
فيبقى هؤلاء الـ هُمْ لغزاً عصيّاً على الفهم والاستيعاب! وعندما تقترب الروايات والكتابات والأعمال الفنية والريبورتاجات والتحقيقات بأنواعها مِنْ هُمْ، فإنّ هُمْ يزدادون غموضاً والتباساً ويبقون هُمْ هُمْ! فإذا حاولَ متفلسفٌ أو باحثٌ أو صحفي أو ...؟ مقاربة إحدى القضايا، والبحث في مسبباتها وآثارها فإنه سيستخدم الـ هُمْ! وإذا أراد أن يجتهد ويفسٍّر ويضيف، فإن القول: وفسّر الماء بعد الجهد بالماء سينطبق على إضافته وعلى تفسيره! لأنه يعود لاستخدام الـهُمْ وسيشرح قائلاً: إنّ هُمْ السبب وراء غلاء الأسعار، إنَّ هُمْ من كانوا وراء إفلاس المعمل الفلاني
وهُمْ الذين اختلسوا الميزانية الفلانية، وليس سوى هُمْ من يتقاضون الرشاوى الكبيرة، وهُمْ من يبيِّضون أموالهم،
هُمْ من يحتالون على اللوائح والأنظمة والقوانين، ويغشون في تقارير اللجان وفي المواصفات وفي التنفيذ، ويتلاعبون بالقسط والقسطاط ويُخْسِرون الميزان.
وهُمْ الذين باعوا البحر، وهُمْ الذين رهنوا الهواء،
وهُمْ الذين حوّلوا الحدائق إلى كراجات وملاهٍ ومحلات تجارية،
وهُمْ الذين يعدُّون علينا أنفاسنا، وهُمْ الذين يزاحموننا حتى في رغيفنا! وهُمْ الذين قبضوا العمولات،
وهُمْ الذين حوّلوا العام إلى خاص، وحوّلوا الخاص إلى الخارج!و هُمْ الذين يحوّلونَ الحقَّ إلى باطل والباطلَ إلى حقّ،
وهُمْ الذين فسدوا وأفسدوا، هُمْ الذين يتعاملون بالمحسوبيات والواسطات والـ هات هات! وهُمْ الذين كذَّبوا على الناس واستعلوا.
هُمْ هُمْ هُمْ! حتى إن أحد السكارى نفخَ في وجهي وقال: الله محييك يا أستاذ! اكتبْ عن هُمْ، افضح هُمْ! ولما سألتُه: ولكنْ مَنْ هُمْ ؟ ابتسمَ بمكرٍ وأجاب: ولَووو .. يا أستاذ إنَّهُمْ هُمْ هُمْ! قلتُ لنفسي بأسى: وَلَكْ حتى السكِّير لا يجرؤ على أن يقول من هُمْ! لماذا يفضّل الجميع استخدام هذا الضمير الغائب المبهم الذي يزيد الغموض والتعقيد؟ لماذا لا أحد يستخدم: أنتمْ، أنتنَّ، أنتَ، أنتِ؟ لماذا لا أحد يستخدم: هذا، هذه، هؤلاء؟ وإذا دقَّقْنا في كل ما يقال وينسب إلى هُمْ، أتساءل هل هُم ْمخلوقات من كوكب آخر؟ هل هُمْ طفيليات وهمية خرافية من صنع الخيال؟
هل هُمْ من معشر الجن؟ هل هُمْ كائنات خارقة فوق الحساب والعقاب والمساءلة، كائنات لا يمكن رصدها ولا يمكن اكتشافها؟ أم أنَّ هُمْ أناس منّا وفينا يعيشون بيننا، ويمارسون انحرافهم وبيروقراطيتهم وصفقاتهم وارتكاباتهم على خيرات البلد وعلينا؟ وَلَكْ شبعنا من الـهَمِّ والـهُمْ! أليسوا أناساً مثلنا يُفترضْ أن يكونوا خاضعين - كما الجميع- للضمير، وللقانون، وللرقابات بأنواعها؟ أم أن هُمْ جاؤوا من طينة أخرى، ودم آخر، ولون آخر؟ أم أنّ هُمْ أطياف لا يستطيع أحد أن يسمعَ هُمْ، ولا أن يرى هُمْ، ولا أن يتكلّمَ عنْ هُمْ، أم أنَّ هُمْ جاؤوا من غامض علمه؟‏‏
pressziad@yahoo,com



تعليقات القراء

نورمان
باعتقادك من المسؤول عن كل هذا اليس الاقليه الصامته والتي التزمت الحياد والتفرج على مايجري نعم كل ماقلتهصح ولسه راح تشوف
25-09-2010 10:43 PM
ساجد
اخ بطاينه والله و عوقب كل مرتشي او مختلس او فاسد او متحايل لماكان هذا حالنا لكن اذا كانت الحكومة نفسها تجاهلت القوانين والدستور واعتمدت على التعليمات بدك تشوف مدينه افلاون هاي الافراز لكل ححكومة فاشله
25-09-2010 10:45 PM
معاذمحمد الهبارنه
الاخ العزيز الكاتب ان الكثير من مشاكلنا ناجمه عن احجام الحكومات عن تطبيق الانظمه زالقوانين والقرارات ومتابعتها بل اعتمدت اسلوب التراخي والتغاضي ووالمجامله وجوائز الترضيه لمن هب ودب باحثن عن شعبية رخيصة بغياب النواب حتى ولو كانو موجودين فهم وقلتهمم كانوا واحد بل كانوا عونا لها على المواطن
هذا الحال اوصلتنا اليه حكوماتنا التي اهملت الوطن والمواطن فكانت النتيجة
25-09-2010 10:49 PM
ام غدير
مقاله مميزة بكل مابها ولها معانيها القيمه مقاله تستحق وقفات طويله وتمعن واعتبارها دروس وتجارب بل خلاصة تجارب وفقك الله
25-09-2010 10:50 PM
ابن البلد
بوركت جراسا وبورك كاتبها وبورك قرائها فوالله قرات المقاله مرات وكل مره تتعلق بي واتعلق فيها كاتب ماشاء الله وصف الحال ياريت حكومتنا تقرا
26-09-2010 12:46 PM
ام رؤوف
الاستاذ البطاينه
الوطن امانه باعناق كل منا الوطن بحاجة للعقول النيرة والزنود المشمره والقلوب الرحيمه ليسامح الله من اخطا بحق الوطن والمواطن وجعلهما بهذا الحال وانت ايها الكاتب جزاك الله خيرا
27-09-2010 11:13 AM
محمود الدهني
ليبارك الله جراسا وكتابها وقرائها فهي فشه غلنا وهذه المقاله فشت غلي
27-09-2010 11:14 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات