رئيس وزراء ثان يسقط


استقالة بطعم السقوط قدمها المهدي بعد الحريري. كسابقه اللبناني، رئيس الوزراء العراقي أدرك أنه لن يستطيع الصمود أمام مطالب الجماهير الغاضبة، وأنه لن يستطيع الاعتماد على وصفة ضمان الأمن الطائفية الموعودة لاستعادة الاستقرار. الرئيسان أدركا أنهما ليسا رؤساء وزراء بالمعنى الدستوري والسياسي بقدر ما أنهما شخصيات توافقية بين جملة توازنات وعوامل طائفية وديمغرافية وتاريخية معقدة تطورت واشتد عودها عبر عقود وربما قرون من الزمن. أوامرهم وصلاحياتهم التنفيذية تتحطم أمام نفوذ الطوائف والمذاهب والأعراق والمرجعيات، يقودون وزراء يأتمرون من غيرهم من حواضن سياسية إثنية. مصير الرؤساء وهيبتهم وصلاحياتهم معلقة بيد مرجعيات وزعامات دينية ومجتمعية تعتقد أن لها اليد الطولى على البلاد.

تترافق كل هذه التعقيدات وتشتت الصلاحيات، وتناثر القوة السياسية للحكومات اللبنانية والعراقية، مع مطالب شعبية اقتصادية متصاعدة بفحوى اقتصادي معيشي لا يخلو من الشكوى والتحدي للطائفية بتجلياتها المتباينة. كان لا بد وحالة التكلس تلك أن يستقيل الرؤساء، لأنهم وصلوا لقناعة أنهم ليسوا فقط عاجزين، بل مدارون من قبل معادلات توازن لا قبل لهم بها، وأنهم مجرد واجهة لتقاسم نفوذ طائفي بغيض. 

المشهدان السياسيان في لبنان والعراق مرشحان للذهاب بكافة الاتجاهات أخطرها مواجهات طائفية قد تعيد مشاهد الحروب الاهلية لا قدر الله. مطالب الناس معيشية لكن أعمى من لا يرى صرخات الغضب وعمق التمرد التي تحمّل الطائفية أسباب تردي الحال. هذا يقض مضاجع المرجعيات الدينية ومن والاها فقد اعتقدت أن الطائفية غسيل لعقل الشعوب وضمان أكيد للسيطرة. هذه المرجعيات وأتباعها المؤدلجون سيخوضون أعتى المعارك للدفاع عن النظام الطائفي الذي ترسخ عبر قرون ويعطيها المكاسب والميزات. إيران ستدعمهم وتخوض المعارك قبل أن تسحب من تحت أيديها مناطق النفوذ التي صنعت بالعراق ولبنان. لهذا كله لا يستبعد أن نرى انزلاقاً لمواجهات شعبية دموية تأخذ شكل الحروب الاهلية رأينا بالفعل بعضاً منها في العراق ولبنان.

جغرافيا ما يحدث مهم: لبنان والعراق وإيران. قد يكون ذلك مؤشرا على ضعف القبضة، أو انتهاء صلاحية أساليب إيران الاقليمية، التي تعمد دوماً لتجنيد الدين والاحزاب والطوائف لخلق مناطق نفوذ إقليمية تنفيذاً لسياسة تصدير عدم الاستقرار التي تنتهجها. وقد يكون تجليا لحالة وعي متنامية لدى الشعوب التي عانت من الطائفية وبعضها مدفوعة بثورة التكنولوجيا المعلوماتية التي وفرت عوامل الانفتاح وتعزيز الثقافة. أيا كان الحال، تبقى أحداث لبنان والعراق وايران مفتوحة على كافة الاتجاهات بما في ذلك الحروب الاهلية الطائفية، وسيكون مهما للغاية متابعة ورؤية كيف ستسيطر إيران على الانتفاضات الثلاث، فلا خزائنها تتدفق مالاً لتبتاع ولاء، ولا نهجها في أدلجة العقول وبيع الفساد الطائفي يبدو صالحاً للاستهلاك السياسي من قبل ملايين المحتجين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات