بومبيو وجريمة شرعنة المستوطنات الإسرائيلية


وسط مخاطر محدقة تتهدد عملية السلام في الشرق الأوسط وفي إجراء أحادي الجانب غير مسؤول وغير شرعي ومرفوض ومدان وباطل ولا قيمة له ولن يكون واقعا مقبولا من كل النواحي القانونية والسياسية والتاريخية والأخلاقية يشكل انتهاك سافر للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والقانون الإنساني الدولي والقيم الكونية ويعرقل مساعي السلام ويقتل آمال حل الدولتين المدعوم دوليا لحل الصراع وتحقيق ( السلام المرحلي الموقع بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993) و ( الذي صار مستحيلا في زمن الرئيس ترامب ) حيث وصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طريق مسدود بعدما تحولت الخطة الأمريكية للسلام عمليا إلى مجرد لغة أملاءات على الفلسطينيين وانحياز كامل للمحتل ودون تمهيد الطريق لحل سلمي منتظر منذ عقود ( وهي إنهاء كلي لاتفاق أوسلو وإجهاض حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الحدود المحتلة عام 1967 ).

كما ويعمق هذا القرار الطائش حالة الاحتقان والتوتر في المنطقة ويكرس الاحتلال ويضاف إلى سلسلة الإجراءات الاستفزازية التي تقوم بها الإدارة الأميركية التي بدأت بـ ( ادعاء أن القدس عاصمة إسرائيل والهجوم على لاجئي فلسطين ومحاولات إنهاء عمل الأونروا ثم الاعتراف بما يسمى بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتلة ) وبما يثبت بكل وضوح عدم أهلية الإدارة الأمريكية لقيادة ورعاية مسيرة السلام بعدما أظهرت نواياها المعادية وصوتها المحرض ضد الشعب الفلسطيني وأصبحت المشجع لإسرائيل للمضي قدما في الضم غير القانوني لأرضه وهضم حقوقه المشروعة فضلا عن تبريرها للجرائم الإسرائيلية المتواصلة والتمادي بالتوسع ببناء المستوطنات والتهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين وتزايد حملات الاعتقالات التعسفية وهدم المباني والاستيلاء عليها واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.

وبتناقض مع جميع القرارات الدولية القائمة والمجتمع الدولي بأغلبيته الساحقة التي تعتبر المستوطنات غير شرعية وباستخفاف مخزي بمبدأ قانوني مستقر نص عليه القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وبالذات اتفاقية جنيف الرابعة ( والذي يحظر على القوة القائمة بالاحتلال نقل سكانها إلى الأراضي الواقعة تحت احتلالها ) فقد أعلن قبل ايام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مؤتمر صحفي له أن ( بلاده لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي ) مما يعني تغير شامل للموقف القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية الذي كان متبعا منذ 1978 والذي كان يقضي بأن المستوطنات في الأراضي المحتلة " لا تتوافق مع القانون الدولي " مما يضرب ما تبقى لأمريكا من شرعية أخلاقية ويسقط مصداقيتها كقوة عالمية يفترض أن تحترم القانون وأن تعمل على تنفيذه.

فقد تجاهل وزير الخارجية الأمريكي ان مجلس الامن صوت علي قرار تاريخي بشأن الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية اي حدود العام 1967 في 2016 والذي يحمل رقم 2334 وهو القرار الذي سمحت ادارة اوباما انذاك بتمريره لترسم سياسة مستقبلية تفرض على اي ادارة امريكية لاحقة التماشي مع مبدأ حل الدولتين لإرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة وبهذا تجاهل بومبيو ان قرار مجلس الامن اشار بوضوح الى مجمل القرارات التي صدرت منذ تاريخ 1967 واولها 242 حتى العام 2008 وقرار 1850 والتي تؤكد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة والالتزام باتفاقية جنيف المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب واعتبار الأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية والأراضي العربية الاخرى أراض محتلة بموجب القانون الدولي ربما نسي بومبيو الرأي الاستشاري الصادر في تموز 2004 من قبل محكمة العدل الدولية ويبدو ان بومبيو وادارة ترامب لم تفكران بأي حالة غضب عربي او فلسطيني قد تحدث نتيجة تشريع المستوطنات بالضفة واعتبار أكثر من 600 الف مستوطن سكان اسرئيليين.

هذا القرار غير المفاجئ وغير منطقي لا يعدو كونه أكثر من وضع عصا أمريكية إضافية في عجلة السلام المتعثرة أصلا ومن شأنه أن يدفع جحافل المستوطنين الإسرائيليين إلى ممارسة المزيد من العنف والوحشية ضد السكان الفلسطينيين وفرض الاستسلام على الفلسطينيين وابتزازهم سياسيا واقتصاديا من أجل التنازل عن حقوقهم إضافة إلى انه يشكل تساوقا غير مسبوق مع خطط اليمين الصهيوني الحاكم في إسرائيل لتقويض أي فرصة فعلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيا كما يمثل تهديدا خطيرا بإعادة الصراع إلى المربع الأول ويساهم كذلك في إطالة أمد النزاع بدلا من وضع حلول مناسبة تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية.

الإدارة الأمريكية "غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية " ولا يحق لها أن تعطي أية شرعية للاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي اصلا والذي يعتبر العقبة الأساسية التي تحول دون السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وان إعلان بومبيو مرة أخرى باطل ومرفوض ومدان لأنه يتعارض كليا مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن خاصة القرار رقم 2334 المناهض للاستيطان الإسرائيلي وقد سبق بومبيو في ذلك تصريح صدر عن السفير الأمريكي لدى إسرائيل " ديفيد فريدمان " بأن الولايات المتحدة تتفهم رغبة إسرائيل بالاحتفاظ بأجزاء من الضفة الغربية وهي الأقوال التي أيدها المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط جيسون غرينبلات.

ملف الاستيطان يعتبر من أبرز أوجه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وأحد الأسباب الرئيسية لتوقف آخر مفاوضات للسلام بين الجانبين قبل منتصف عام 2014 حيث يقيم نحو نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقد قضت محكمة العدل الأوروبية خلال شهر تشرين الثاني الحالي بإلزام الدول الأعضاء في الاتحاد بوضع ملصق " منتج مستوطنا " وليس " صنع في إسرائيل " على السلع المنتجة في المستوطنات.

هذا القرار الأمريكي سيزيد من الأزمة بين واشنطن والفلسطينيين وسيسعر من التوتر مع الأردن وسيصعب أي تقدم نحو إجراءات تطبيعية مستقبلية بين الدول العربية وإسرائيل كما أكدت عدة قرارات دولية أحدها صدر عن مجلس الأمن في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بإدانة الاستيطان والمطالبة بإنهائه.

ومهما تسابق الزعماء والساسة الأمريكيين قي توصياتهم وقراراتهم المجحفة لإرضاء تل ابيب سيبقى الموقف الثابت والدائم هو دعم القضية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني المستمد من قرارات المرجعيات الشرعية الدولية وفي مقدمتها حل الدولتين وبما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام.

و رفض الإعلان الأخير كغيره من الإعلانات الأميركية السابقة والمنافية للقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة حيث لن تؤثر على الوضع القانوني والسياسي للأرض الفلسطينية بما فيها القدس ولن يضفي أي صفة قانونية للسياسات الاستعمارية فوق ارض فلسطين وأن الاستيطان سيبقى وجه من أوجه الاستعمار وخرق لميثاق الأمم المتحدة وانتهاك لاتفاقية جنيف وجريمة حرب بموجب نظام روما وان هذا كله لن يؤثر إلا على مكانة الولايات المتحدة وصورتها أمام المجتمع الدولي ومن الصعب جدا أن نرى دول أخرى في العالم تتبنى نفس الموقف الأمريكي الجديد المتعلق بمسألة المستوطنات أو أن يغير الموقف الأمريكي الأخير مواقف الاتحاد الأوروبي الراسخة بهذا الخصوص.

أن الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يكمن في الحل الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمتضمن إعادة كل الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والقانون الدولي ومبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها والتي نصت على أن السلام الشامل مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها يجب أن يسبقه إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية وليعلم بومبيدو انه لا يمكنه مهما بلغ جبروته أن يغير القانون الدولي حسب أوهامه ورغباته الطائش وهي خطوة غير مدروسة تاتي في سياق فرض قانون القوة على قوة الحق من قبل الادارة الأمريكية المنحازة للكيان الصهيوني والتي اضحت تنتفي معها صفة الوسيط والراعي لعملية السلام.

وأخيرا فان المرحلة الراهنة ومخاطرها الجسيمة تستدعي وبشكل عاجل التوافق والتحرك الجماعي العربي والإسلامي لدعم الموقف الأردني الرافض لتصريحات الإدارة الأمريكية وممارساتها الرعناء بحيث لا يترك الأردن وحيدا في مواجهة إرهاصات تقلبات السياسة الأمريكية الظالمة وفي المقابل يتوجب على جميع النقابات والفعاليات الوطنية والشعبية والحقوقية دعم موقف جلالة الملك والموقف الرسمي الرافضين لشرعنة المستوطنات الصهيونية والعمل بكل قوة للتصدي لصفقة القرن المشؤومة والتي تهدف في المحصلة الى تفتيت الوطن العربي وإضعافه وإنهاء وجوده.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات