الاميركا فوبيا .. إرهاب متوحش وعنصرية عمياء!


خلال العقدين الماضي استقرت قناعة أصبحت أشبه " بالحكمة التقليدية العمياء " اعتبار أن معظم العمليات الإرهابية في العالم تنفذها الجماعات التي تنسب إلى الإسلام وما بات يعرف في معظم الأوساط الأكاديمية والإعلامية والاستخبارية في العالم بإرهاب " الجماعات الإسلامية "لكن ومع تنامي حقائق الواقع يبدو أنه آن الأوان لمغادرة هذه الحكمة التقليدية غير الدقيقة إلى غير رجعة بعدما تبين بأنّ هناك الكثير من المؤشرات لظهور موجات إرهاب أكثر خطورة وعنف ووحشية من قبل "الجماعات القومية البيضاء المتطرفة" في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا فهل يتخلى صناع القرار داخل أمريكا اليوم عن هذه " الحكمة الاتهامية الشمولية الظالمة".

ومن الإنصاف القول بان العنصرية في امريكا هي ليست نتيجة وجود ترامب في البيت الأبيض وان تزايدت في عهده بشكل واضح فهذه الظاهرة البشعة يعاني منها المجتمع الأميركي منذ عقود طويلة بل يمكن القول ان نشوء الولايات المتحدة كان في جزء كبير منه قائما على العنصرية التي تمثلت بالإبادة الجماعية للسكان الأصليين والتي أودت بحياة الملايين منهم ظلما وعدوان.

ما جرى مؤخرا بولايتي تكساس وأوهايو فى حادثي إطلاق نار قتل فيهما 29 شخصا وجرح العشرات ليست هى المرة الأولى ولن تكون الأخيرة داخل المجتمع الأمريكي وهى حصاد متوقع لتفاقم وازدياد ظاهرة العنف وجرائم القتل وانتشار الأسلحة التى أسهمت فى تصاعد موجة والإرهاب الداخلي التي أصبحت تهدد المجتمع الأمريكي حتى أصبحت بمثابة ثقافة اعتيادية يمارسها أفراد الشعب الأمريكي بشكل شبه يومي وقد ساهمت السينما الأمريكية في انتشارها بشكل واسع من خلال المحاكات والتقليد.

ولا يمكن النظر لهاتين الجريمتين وبالذات جريمة تكساس بمعزل عن أفكار سيد الكراهية والعنصرية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذى نشر الخوف من المهاجرين فى أوساط ناخبيه ومؤيديه من البيض حتى صار يخرج من بينهم من ينقل الأماني إلى حيز التنفيذ العملي باستخدام السلاح من هنا فإننا نرى أن الكراهية التى ينشرها ترامب منذ ظهوره على المسرح السياسي لها أكبر الأثر فى ارتكاب مثل هذه الجرائم وذلك عندما يشعر المهوسون والمتطرفون بأنهم ليسوا وحيدين فى هذا العالم وأن رئيس أكبر بلد في العالم يشاركهم أحلامهم الدموية.

سفاح متجر وولمارت بمدينة إل باسو الأمريكية على الحدود المكسيكية اصدر بياناً قبل ارتكابه للمجزرة عبر فيه عن كراهيته للمهاجرين الذين يرى فيهم أكبر خطر يهدد بلاده وأعلن عن نيته تنفيذ الهجوم فى بيان من أربع صفحات نشره تحت عنوان " الحقيقة المزعجة " وجميع مع قاله كان مستخلص من مفرات وعبارات كررها ترامب إمام جماهيره.

وقد جسد المخرج الأمريكي الكبير أوليفر ستون في رائعته السينمائية "ولدوا ليقتلوا" مأساة المجتمع الأمريكي الغارق في دوامات العنف حتى شعر رأسه حين يشير إلي مشكلة انتشار الأسلحة في الشوارع وبأيدي مراهقين يتحولون مع الوقت إلي قتلة بل إلى مدمنين على القتل في الوقت الذي يمر فيه المجتمع الأمريكي بمراحل خطيرة فهذه الحوادث لم تكن لتقع منذ 20 عامًا ماضية حيث كان الطلبة أكثر عدوانية وشغبا ولم يكن ليفكر أي منهم في إطلاق النار على الطلاب في الفصل المدرسي لكن ذلك أصبح مألوفا وشائعا اليوم حيث نرى العديد من المراهقين الذين يعانون من مشكلات نفسية واجتماعية يعتبرون أن العنف هو الحل حيث انتشرت الظواهر السلبية كالانتحار فهناك طالبا من بين كل 4 طلاب ومعلما بين كل 9 معلمين يتعرضان لهجوم في المدارس سنويا وأن 1-5 من طلبة المدارس العامة يعتقدون أن العنف والمخدرات هما أخطر المشكلات الموجودة في مدارسهم وحتى بيوتهم.

أمريكا صاحبة أعلى معدل جرائم فى العالم كما أنها تحتل المركز الأول فى نسبة جرائم الاغتصاب وهى أكثر دول العالم معاناة من ظاهرة انتشار الأسلحة الشخصية التي فقدت السيطرة على إدارتها واستخداماتها حيث تودي بحياة الآلاف سنوياً وخاصة الشباب والأطفال وانتشار فوضى السلاح في أمريكا هى من القضايا الشائكة والخطيرة التى لم تحسمها الإدارة الأمريكية سواء بالحظر أو تقنين امتلاك الأسلحة في الولايات الأميركية الخمسين وقد فأقم الظاهرة تنامي ثقافة الرجعية والعنصرية في المجتمع الأمريكي فالشخص الذى أطلق النار فى تكساس برر جريمته " بأنه يريد التخلص من الاستعمار الأسبانى" فى إشارة إلى انتشار عدد كبير من الأسبان واللاتين فى الولاية بما يثبت أنه لا ينتمي إلى عصابات إجرامية منظمة أو حركات إرهابية وإنما يعتنق أفكار عرقية وعنصرية اشد خطر وخطورة.

الإحصاءات الرسمية تشير الى أن هناك 84 بندقية أو مسدس لدى كل 100 شخص وان المجتمع الأمريكي يشهد جريمة قتل تقريباً كل 22 دقيقة أما عمليات الاختطاف والاغتصاب للأطفال والنساء فهناك حوالي 100 ألف جريمة اغتصاب يتم الإبلاغ عنها سنوياً طبقاً لتقارير الأمم المتحد بخلاف الجرائم والاعتداءات التي لا يتم الإبلاغ عنها وقد قتل أكثر من 600 شخصا حتى الآن نتيجة 75 عملية قتل جماعى بالرصاص شهدتها امريكا في السنوات الـ 35 الماضية وكانت حوادث إطلاق النار الأسوأ على الإطلاق وقعت فى عام 2012 وأكبر عمليات إطلاق النار تلك قد وقعت في مدرسة نيوتاون بولاية كونيتيكت حيث قتل آدم لانزا " 20 عام " أمه بالرصاص في منزل العائلة قبل أن يتوجه بعد ذلك إلى مدرسة ساندي هوك الابتدائية ويقتل 20 طفلًا وستة بالغين وقام بالانتحار عقب تنفيذ جريمته.

وقد سبق لترامب أن سَخِر من إجراءات قام بها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حينما حاول أن يوجِد تشريعاً لتنظيم حمل السلاح في امريكا واعتبر ذلك ضرباً من تقييد الحريات وها هو اليوم نفسه أمام مشهد لا يحسد عليه فلا تكاد تمرعلى فترة حكمه سنوات حتى قتل العشرات بفعل فاعِل وفي هجوم على مدرسة بساطور اوهجوم على مدرسة برشاش اوهجوم على حفل موسيقي اوهجوم في مركز تجاري تتعدّد الأماكن وتتنوع الأساليب والهدف واحد هو القتل العشوائي المُتعمد مع سبقِ الإصرار هذا القتل الذي بدأ ينمو بقوة في امريكا ويقدّم صورة قاتمة عن الوضع الأمني فيها ويفسر أن الإرهاب غير مقتصِر على المتطرفين الإسلاميين بل هو موجود لدى الأميركيين المسيحيين ولدى البوذيين ولدى الصهاينة المجرمين وغيرهم في العالم فهل يمكن أن يكون كل هؤلاء الذين أطلقوا النار على الأبرياء في أميركا مجانين وامام ترامب اليوم معضلة كبيرة وهو على أبواب انتخابات جديدة إنها الجرائم الجماعية المتكررة في بلاده حيث لم يعد المجتمع الأمريكي محصن ضد الإرهاب الداخلي كما يدعي.

بداية الأحداث في عهد ترامب كانت هجوم " شارلوتسفيل " عام 2017 والذي اخرج ما يعرف باليمين المتطرف وأصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض الى العلن دون اي تبعات او ملاحقات أمنية ما ساهم في إعطاء إحساس الأمان لأصحاب هذه النظرية وحصولهم على الحماية الضمنية والمواقف المؤيدة من ترامب وفريقه حيث تزايدت حوادث العنف بخلفيات عنصرية لا تطال مكونا واحدا بل هي موجهة ضد ذوي البشرة السمراء واللاتينيين والأسيويين والعرب إضافة إلى اعتماد ترامب في الانتخابات على أصوات أنصار اليمين المتطرف بسبب مواقفه المناهضة للأجانب وقراراته التي تستهدف المهاجرين من الدول اللاتينية المجاورة.

في أمريكا اليوم الى طيف واسع من الجماعات المتطرفة على سبيل المثال "الحق البديل" والتي تشمل الجماعات القومية والعنصرية الفاشية والنازية الجديدة ودعاة معاداة السامية وإنكار المحرقة الفوضوية والمتطرفين المسيحيين المؤيدين لنظرية المؤامرة الشعبوية ومعاداة الإسلام ومعارضوا حقوق المرأة والمثليين و الهجرة واللاجئين والجماعات التي تدعو الى عزلة أمريكا والسياسات الاقتصادية الحمائية والرأسمالية الفوضوية والتي يزيد في خطورتها أنّه ليس هناك اهتمام كبير او وجود معلومات موثقة وكافية لدى الأجهزة الأمنية الأمريكية عن هذه الجماعات سواءً قادتها أو أعدادها أو طبيعة نشاطاتها أو حتى الموازنة المخصصة لمكافحة نشاطها مقارنة مثلاً بالجماعات الإسلامية.

منذ وصول ترامب إلى الحكم نمت جماعات العنصرية للتفوق الأبيض كالفطر في أميركا حيث بلغت نحو 100 تنظيم من القوميين البيض و99 ذراعاً من للنازيين الجدد ونحو 130 فرع لجماعة " كوكلوكس كلان " التي تأسست عام 1866 أثناء الحرب بين الشمال الأميركي وجنوبه.

إننا اليوم أمام مشهد مروع وخطير ينتشر كالنار في الهشيم بعد إعطاء الغطاء الرسمي والسياسي للعنصرية وتحريض الإعلام والحكومات والسياسيين في سوق الترويج حيث يخشى ان تتحول ساحات أميركا من إلى ميادين قتال ودماء وإرهاب متوحش سببه رجال يحملون الفكر الترامبي الشعبوي المتطرف والإرهابي ويعتنقون السياسات الترامبية تجاه كراهية الإسلام والمسلمين مع سيطرة التيار الأوسع من العنصرية البيضاء الجديدة وهو التيار اديني فاشي الذي تمثله في أميركا جماعات ترامب من التيارات المسيحية الصهيونية فترامب وبولتون وبومبيو هم رأس اليمين العنصري الأبيض لكن بنسخته الجديدة.

إن وصول ترامب للبيت الأبيض رافعاً أعلام الأصولية البيضاء العنصرية كان انتصار حقيقى لليمين المتطرف الموغل في العنصرية وقد شكل انتكاسة ثقافية للمجتمع والحلم الأمريكي وخطوة أخرى متقدمة على طريق تطرف الولايات المتحدة وقد ثبت بما لا يدع مجال للشك ان كلا الفكرين ( الداعشى والأصولى الأبيض ) ينبعان من نفس المصدر ويصبان في نفس المجرى ويجرفان في طريقهما كل معاني الحير وتجارب الإنسانية السوية والمنطقية في قبول الآخر والتعايش السلمي مهما كانت درجة الاختلاف والتباين.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات