بوتين يدق ساعة العودة إلى أفريقيا


بعد نحو ثلاثة عقود من انهيار الشيوعية في عقر دارها والابتعاد عن القارة الإفريقية ها هي روسيا تعود من جديد وهي أكثر صلابة وتصميم على زيادة وجودها بمستوى الدولة وتعزيز مصالحها الاقتصادية وطموحاتها الجيو سياسية بعدما استعادت ثقتها بنفسها كقوة عظمى بوجود الرئيس فلاديمير بوتين لا تريد أن تترك أفريقيا لا للصين ولا للغرب وقد أثار هذا الطموح الروسي مخاوف القوى الغربية من استيلاء موسكو على نفوذهم في القارة السمراء حيث أعلن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق العام الماضي عن خطة أمريكية جديدة في أفريقيا تهدف بشكل أساسي لمحاربة نفوذ روسيا والصين أمام تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.

الساحة الإفريقية في الآونة الأخيرة باتت تشكل ميدانا مفتوحا لحرب باردة بين روسيا والصين والغرب وفي مسعى متزايد من موسكو للحصول على شركاء وأسواق تجارية لتعزيز نموها المتباطئ ومن اجل إلحاق بركب التنافس الدولي وتثبيت نفوذها في منطقة تقدم فيها الصينيون والأوروبيون عليها بفارق كبير وضمن محاولاتها للرد على نسخة " منتديات التعاون الصيني - الإفريقي " التي أتاحت لبكين التحول إلى الشريك الأول للقارة الإفريقية إضافة إلى تمكينها من استغلال الاسوق الأفريقية المتنامية في مواجهة ضغوط العقوبات التي فرضها عليها الغرب قبل خمس سنوات وللاستفادة من الثروات الطبيعية مثل الذهب والألماس و معادن المنغنيز والبوكسيت والكروم والغاز الصخري وهي المواد المهمة للصناعات الروسية الحديثة فضلا عن محاولتها على ثرواتها وأسواقها.

وتحقيق لغايات وأهداف روسية كثيرة معلنة وخفية استضافة الأسبوع الماضي مدينة شوتشي الروسية على ساحل البحر الأحمر أول قمة أفريقية كبرى من نوعها تحت شعار من ( أجل السلام والأمن والتنمية ) افتتحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الاتحاد الأفريقي وبحضور أكثر من 47 من رؤساء دول وحكومات القارة الأفريقية وثلاثة آلاف مشارك من الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين اتفق على ان تعقد كل ثلاث سنوات مرةواحدة طالب فيها بوتين الرؤساء الأفارقة بزيادة حجم التبادل التجاري مع بلاده في غضون أربع - خمس سنوات ووعدهم في المقابل بالدعم المتواصل عبر محو الديون المستحقة عليهم والتي يتخطى حجمها 20 مليار دولار وقد تعهد لهم بإقامة علاقات اقتصادية واستثمارية بمساعدات غير مشروطة على عكس سياسة ( الابتزاز والاستغلال الغربي ) علما بان بوتين لم يزور أفريقيا إلا ثلاث مرات خلال العشرين عاما الأخيرة وكلها كانت لجنوب أفريقيا وقد زار 12 قائدا أفريقيا موسكو منذ عام 2015 وشهد عام 2018 وحده 6 زيارات فقط.

الخبراء والمراقبون المعنيون يرون إن" العلاقات الروسية - لأفريقية في نمو وازدهار" وهنالك إمكانية لرفع حجم التبادل التجاري بينهما من 20 مليار دولار عام 2018 إلى ثلاثة أمثال هذا الحجم في السنوات المقبلة قي ظل تزايد الرغبة الروسية بعدم الاعتماد على المعدا العسكرية فقط وتخطط إلى تصدير الحبوب والآلات الزراعية والطائرات وتقنية الفضاء إضافة للشاحنات والمنتجات الكيماوية والدوائية وتقديم خدمات الدعم السياسي والدبلوماسي والمساعدة الأمنية والدفاعية الاقتصادية وخبرات التحكم في الأمراض والمساعدات الإنسانية والتدريبات التعليمية والحرفية و خدمات قطاع الطاقة من خلال شركة الطاقة الروسية العملاقة ( لوكويل ) التي دشنت مشروعات في الكاميرون وغانا ونيجيريا وتبحث الان في الحصول على صفقات في الكونغو وغيرها من البلدان كما تقدم روسيا خبرات تكنولوجيا الطاقة النووية لعدد من الدول الأفريقية من بينها إنشاء أول مفاعل نووي في مصر العام القادم بقرض قدره 25 مليار دولار.

قمة سوتشي جاءت تتويجا لجهود موسكو المتوالية للعودة إلى ( قارة الإمكانات الواعدة ) بعد سنوات التسعينيات العجاف وانهيار الاتحاد السوفياتي حيث كان لها نفوذ كبير كشريك دفاعي هام وأكبر مورد للسلاح في المنطقة لكنه انحسر وتراجع سياسيا واقتصاديا وعسكريا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وتركز موسكو كثيرا على تقوية العلاقات مع البلدان الأفريقية وقد أصبح ذلك من أحد أهم أولويات السياسة الخارجية الروسية حيث أبرمت روسيا اتفاقات مع أنغولا ونيجيريا والسودان ومالي وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية خلال عامي 2017 و2018 شملت تصدير طائرات مقاتلة وهليكوبتر للنقل والقتال وصواريخ مضادة للدبابات ومحركات للطائرات المقاتلة.

تاريخيا تمتد العلاقات الأمنية والعسكرية الروسية مع افريقيا لأكثر من مبيعات السلاح وبعض الصناعات الأخرى وأحيانا تتضمن استخدام مجموعات من المرتزقة الخاصة وعلى سبيل المثال ينشط الدور الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تدعم الحكومة المعترف بها لدى الأمم المتحدة ضد المجموعات المتمردة كما سجل دور واضح للمرتزقة الروس في السودان وليبيا وغيرها من الدول من بينها شركة ( فاغنر الخاصة ) والتي يقال إنها على صلة حميمة بالكرملين.

وقد أعلن الرئيس الروسي على هامش المؤتمر وضمن عدد من المبادرات إن القاهرة وموسكو تعملان على إنشاء منطقة صناعية في مصر حيث يمكن للشركات الروسية العمل منها للإنتاج محلياَ وإن 23 شركة روسية ستعمل في المنطقة الصناعية في مصر ومن المتوقع أن يزداد عددها في المستقبل ولا زالت مصر تستحوذ على حصة الأسد من تبادلات التجارة الروسية.

تعتبر القارة الأفريقية اليوم " قارة واعدة " ومن المتوقع إن يصل حجم الاقتصاد الإفريقي إلى 9 تريليونات دولار بحلول 2050 وقد حرصت معظم دولها على تطوير بنيتها التحتية ودعم مسيرة التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي كهدف طليعي في أولويات العمل الإفريقي المشترك كما أولت الاستثمار في ( رأس المال البشري ) أهمية قصوى باعتباره المكون والشرط الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة والنهضة المنشودة حيث يشكل الشباب دون الـ25 قرابة 65% من سكان القارة مما يجعلها قوة مؤثرة في سوق العمل مستقبلاً.

ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها روسيا لتعزيز وجودها وتوطيد علاقاتها في أفريقيا إلا أنه ما زال أمامها الكثير والطريق الطويل لتلحق بمنافسيها الدوليين مع العلم ان " موسكو بوتين " اليوم ليست هي روسيا الاتحاد السوفياتي السابق حيث تنقصها الكثير من الموارد والعقيدة والجاذبية والمعايير لتكون في قمة المنافسة والتأثير كسلفها.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات