استمرار سياسة ترامب بحلب وابتزاز حلفاءه!


بعقلية غوغائية و تصريحات فوضوية وعنصرية مثيرة للجدل لا تمتّ إلى لغة الدبلوماسية بأي صلة وبسلوكيات ابتزازية رخيصة وطاغية ظهرت في أكثر تصريحاته التي عادة ما يتوجه بها الرئيس الأمريكي ترامب إلى حلفاءه في مختلف دول العالم وفي آخر هذه التصريحات اللا أخلاقية التي لا تصدر إلا عن اللصوص أو قطاع الطرق ورجال العصابات ومافيات تجار الرقيق والمخدرات قال ترامب أمام تجمع انتخابي بساوثافن في مسيسيبي بداية الشهر الجاري ( نحن نحمي السعودية ستقولون إنهم أغنياء وأنا أحب الملك سلمان لكني قلت أيها الملك نحن نحميك ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين من دوننا عليك أن تدفع لجيشنا ) وقد كرر مرارا بعنجهيته المعهودة ( لن ندافع عن دول الخليج ونحميها بالمجان بل عليها أن تدفع مقابل ذلك ).

هذا ليس أول تصريح مماثل لترامب بهذا الخصوص فقد قال في 29 ايلول الماضي أيضا بلغة بلطجة لا تليق برجل دولة ( إن الملك سلمان يمتلك تريليونات الدولارات ومن دون الولايات المتحدة الله وحده يعلم ماذا سيحدث لبلاده ) كما قال ما يشبه ذلك في أكثر من مناسبة سابقاً لا بل ( اعتبر أن إيران يمكنها أن تسقط المملكة العربية السعودية خلال أسبوعين لولا الحماية الأمريكية ) وسبق له أن قال بصراحة تصل حد الوقاحة أكثر خلال لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان إن ( السعودية بلد ثري جداً ونأمل أن تعطي الولايات المتحدة بعضاً من ثروتها من خلال شراء أفضل المعدات العسكرية في العالم وخلق وظائف جديدة ).

وقبل ذلك نتذكر كيف بدأ ترامب خطاباته الابتزازي للسعودية منذ أن كان لا يزال مرشحاً للرئاسة عندما كان يتجول ويخاطب الجماهير في المهرجانات حين كان يسعى إلى مغازلة ودغدغة عواطف الناخبين الأمريكيين وخاصة المتضررين من سياسيات الانفتاح الاقتصادي ويعدهم باستقطاب استثمارات نوعية وخلق وظائف متميزة ولعل ذروة ما قاله فيكل تصريحاته كان في الخطاب الذي ألقاه عام 2016 ووصف فيه المملكة بـ ( أنها مناجم لغرف الأموال البقرة الحلوب ) مطالباً إياها بدفع ثلاثة أرباع ثروتها مقابل استمرار حمايتها وأضاف متهكما ( حينما يتوقف ضرعها عن در الذهب والدولارات سيتم ذبحها ) وقد قيل يومها انه لم يقل ذلك بحرفيته الدقيقة وان ما قاله ( علينا حلب المملكة العربية السعودية السمينة قدر الإمكان وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمي الفائدة يتوجب علينا مغادرة الشرق الأوسط ) وهي ذات المعنى.

وقد بدى واضحا تجدد هذه السياسة حينما كان المال عند ترامب حاضر بشكل واضح في أزمة الهجمات الاخيرة على أرامكو في 14 أيلول الماضي حين ظهر رد فعله على استهداف منشأتي نفط في محافظتي بقيق وخريص باهتا على الرغم من العلاقة الوطيدة والاستثمارات السعودية الوافرة في أمريكا وصفقات الأسلحة التي كلفت الرياض عشرات مليارات الدولارات.

وخلال مؤتمر صحافي عقده بحضور ولي العهد البحريني سلمان بن حمد مساء يوم 16 أيلول الماضي نفى ترامب أن يكون قد وعد السعوديين بالحماية أو الرد على إيران عوضاً عنهم بقوله ( لا لم أفعل ولم أعد السعوديين بذلك السعوديون يريدوننا بشدة أن نحميهم ولكني أقول حسناً علينا أن نعمل ( نجلس ونتفق ) كان ذلك هجوماً على السعودية وليس علينا ) وتابع لكننا بالتأكيد سوف نساعدهم إنهم حليف عظيم. أنفقوا 400 مليار دولار في بلدنا على مدى السنوات الأخيرة مما يساعد في خلق مليون ونصف المليون وظيفة.

اثبت ترامب للعالم اجمع من خلال التصريحات العجيبة والمتهورة التي ادلى بها انه أول رئيس أمريكي بلطجي ورجل كاوبوي يدير صفقات وسوقي لا يحسن التصرفات ويعمل كتاجر جشع اصبح رئيس دولة لا يأبه إلا بتحقيق المكاسب والإرباح ويربط كل شيء بالمال ويتعاطى مع أمن حلفاء بلاده بالبورصة واليزنس مدفوع الأجر مسبقا ويحويل الكثير من القضايا الحساسة والفائقة الخطورة والأهمية في العلاقات الخارجية إلى " مسائل مالية بحتة " فعندما طلب الرئيس الروسي بوتين من واشنطن قبل فترة تخفيض تمثيلها الدبلوماسي في موسكو رد عليه ترامب بالشكر قائلاً إن ذلك يوفّر المال على الولايات المتحدة وقد سبق له ان أعاب على الرؤساء السابقين أنهم لم يأخذوا نفط العراق بعد احتلاله ويبيعوه تعويضاً لهم عن التكاليف الباهظة لحربهم هناك.

لم يقتصر جنون ترامب المالي على السعودية فقط وكثيرة هي الأمثلة وهذا غيض من فيض فقد افصح عن رغبته في حصول بلاده على " تعويض نفطي " من العراق عن إنقاذه من نظام الرئيس الراحل صدام حسين خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وقد كرر طلبه بذلك مرتين لرئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي اضافة مطالبته بقسط وافر من ثروة السعودية ومليارات قطر ومن أموال البحرين الكثيرة والتي وقعت صفقة مجزية مع واشنطن لشراء أولى منظومات صواريخ باتريوت الأمريكية خلال زيارة ولي العهد الأخيرة.

كما استقبل ترامب في تموز الماضي أمير قطر تميم بن حمد واحتفى به في مأدبة عشاء أقيمت في غرقه ( الـكاش روم ) التي كانت ( خزينة ) مكتظة بالعملات الذهبية والفضية والورقية في وزارة الخزانة الأمريكية وقد فهم مراقبون أن اختيار الغرفة مقصود لغاية في نفس ترامب حين خاطب أمير قطر قائلا ان استثماراتكم في الولايات المتحدة من أكبر الاستثمارات في العالم وهي موضع تقدير كبير أما بالنسبة للطائرات التي ستشترونها وكل الأشياء التي ستستثمرون فيها فأراها وظائف ( فرص عمل للأمريكيين ) لأنها في نظري مجرد وظائف.

وفي خطابه الشهير في الجمعية العامة للأمم المتحدة اتهم أعضاء ( مجموعة دول أوبك ) بنهب باقي دول العالم وقال ( نحن ندافع عن كثير من تلك الدول بدون مقابل وبعد ذلك يستغلوننا ويرفعون أسعار النفط هذا ليس جيداً نريدهم أن يتوقفوا عن رفع الأسعار ) واخيرا ربط إبقاء الجنود الأمريكيين في سوريا بتكفل السعودية بتكاليف عملياتهم هناك حيث قال حرفياً ( إذا كانت السعودية ترغب في بقاء الأمريكيين في سوريا عليها أن تدفع تكاليف ذلك لأن نشاطهم هناك يخدم المصالح الأمنية لدول أخرى ) ولم يتوانَ عن مطالبة المكسيك بدفع تكاليف الجدار الذي ينوي بناءه على الحدود معها ليمنع مواطنيها من دخول أمريكا.

وتحت شعار " الولايات المتحدة أولا " قال ( لن نكون لقمة سائغة لأحد ) وإن بلاده لديها ديون تبلغ 20 ترليون ولار وعلى اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والسعودية أن يدفعوا للولايات المتحدة لأنها توفر لهم خدمة هائلة ونخسر الثروات الكثيرة.

حديث ترامب المتواصل عن المال وإشاراته المتكررة إلى ثراء دول الخليج يركد نظرته الابتزازية لها حيث كان يتباهى بقدرته على تحويل وجلب الأموال الخليجية وأموال دول أخرى إلى سوق الأسلحة والاستثمارات الأمريكية واستيلاد وظائف جديدة وكل ذلك أظهر ترامب بأنه لا يأبه بالدول الحليفة او المؤسسات والمنظمات الدولية ولا يقدر عملها ولا يحترم التزامات بلاده.

القانونية وتعاقداتها حيث تتمحور جميع أفكاره حول مبدأ واحد ( المال ) ما حدا بالبعض إلى وصفه بأنه ( يرى العالم عبارة عن كازينو كبير يجلب له الأموال ولو عن طريق القذارة ).

استمرار سياسات ترامب الابتزازية يشكل تهديد جدي خطير لمكانة الولايات المتحدة في العالم بسبب تحويله العلاقات الدولية إلى مجرد ( تعاملات نقدية ) بطريقة تضر بالمبادئ الليبرالية التي تحكم النظام العالمي والتي أرستها بلاده بعد الحرب العالمية الثانية بالشراكة مع دول أوروبا الغربية فكلما استضاف ترامب مسؤولاً عربياً بارزاً تباهى امام عدسات الاعلام بقدرته على "حلب" المال من بلده وعقد صفقات باهظة ليحل بها أزمات أمريكية مقابل تقديم الحماية له ولبلاده.

ترامب شخصية كريكتارية مثرة للجدل في اسلوبه الذي يعتمد النقد القاصي والسخرية من الخصوم ويهاجم الجميع بصورة الرجل الأمريكي القوي وبهذه الطريقة تمكن من الوصول الى قلوب عدد كبير من الأمريكيين وأصبح وجه امريكا الجديد بكل ما فيه من قبح وبشاعة فمنذ مجيئة أعلن موت امريكا متعددة الاعراق راعية الديمقراطية وهو يأخذ بها الى المجهول بالعنصرية البيضاء التي تريد ان تتفوق على العالم بتعامله مع الشعوب كعبيد وقد أهان المرأة والأمريكيين من اصول أمريكية والبعض يقول انه اظهر وجه امريكا الحقيقي الذي كان مكبوت ذات يوم ركام الكذب والتزييف.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات