بانتظار التعديل الوزاري المرتقب نطالب بتعيين وزير للجوع !


قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ( إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك ) فهل في حكم السلف خيرا للخلف يدفعون بها عن الناس خطر الفقر ويولونه حقه من الاهتمام والمعالجة.

بداية نرجوا من دولة الرئيس الدكتور عمر الرزاز ان لا يكون التعديل الوزاري القادم بنفس الواقع المرير للتعديل السابق والذي عكس حالة الإفلاس والتردي التي وصلت إليها الحكومة وعجزها الواضح عن الأخذ بأي مبادرة وطنية علاجية ومنتجة على الصعيدين الداخلي والخارجي نتيجة سوء اختيار بعض أعضائها وقلة خبرة وضعف أداء البعض الأخر.

يشار الى ان الإحصاءات الدورية والدراسات المتخصصة دلت على أن أكثر من نصف الشعب الأردني يرزحون تحت مطرقة البطالة والفقر والجوع وقد أشارت في وقت سابق جمعية معهد تضامن النساء الأردني في تقرير لها إلى ان مليون نسمة في الأردن يعانون من الجوع وقصور التغذية وقد ارتفعت نسبة انتشاره بين مجموع السكان من 1.3% لتصل الى 13.5 % وينظر للجوع عالميا على انه أكبر إرهاب يمارس على المواطنين من قبل الحكومات والدول لكونه يدفع إلى الانتحار وتمني الموت والدمار للآخرين ومن خلال ثناياه تنطلق الثورات والاضطرابات وتدخل البلدان في بحور من الظلمات.

لم يدخل الجوع حياة وبيوت الأردنيين فجاءه او نتيجة لظروف قاهرة أو عوامل خارجية ولكنه كان حصاد وحصيلة مرحلة زمنية طويلة تسيد فيها الفساد واستغلال المناصب ونهب خيرات البلاد إضافة الى سوء الإدارة والفوضى في التعامل مع الضرورات والأولويات وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة والعبث والتلاعب بمقدرات ومصير الوطن والشعب وممارسة بعض الحكومات إجراءات مدروسة وممنهجة ضمن سياسة ( التجويع من أجل التركيع ) حتى أصبحنا نجد في وطننا بطون لا تجد أمامها إلا الحاويات لكي تسد جوعتها ولكم سمعنا معزوفة ملتها أذاننا ( أردن خال من الجوع بحلول عام 2015 بتوفير وجبات طعام لكل فرد يعيش دون خط الفقر وتقديم الاحتياجات الغذائية للعائلات الفقيرة والمحتاجة ومعالجة مشكلة الجوع والعمل على وضع برامج تنموية للحد من مشكلة الفقر وتوفير وجبات غذائية للأطفال في مدارسهم خوصا في المنا طق الفقيرة للمساعدة في تخفيض نسب التسرب من المدارس).

ورغم كل ذلك أقرت الحكومة الحالية وبتحدي للشعب العديد من القوانين المجحفة منها ضريبة الدخل والمبيعات دون أدنى مراعاة لحياة الناس والضنك الذي يعيشون فيه ولا زلنا نستذكر قول الرئيس الرزاز خلال إحدى جلسات النواب الفقر أنواع منها ( المدقع والمطلق والنسبي ) وهو يعلم جيدا أن الفقر يرتبط بعلاقة طردية مع مستويات الفساد والفشل في سياسات التمنية الذي أدى بنا إلى مزيد من الإفقار وبما يتناقض مع التزامات الأردن الدولية بعد مصادقته على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ سنوات طويلة والذي يتضمن في مادته الحادية عشرة ( حق كل شخص في أن يعيش بمستوى كاف له ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية ) الأمر الذي يحتم على الجهات الرسمية ذات العلاقة وضع خطط وبرامج واستراتيجيات لمعالجات جذرية وسريعة لتدارك مخاطر انتهاك هذا الحق الذي بدت عواقبه تطفو على السطح منذ زمن بعيد.

الفقر والجوع والبطالة أخطر التحديات التي تواجه الأردن وهي في تصاعد ضمن واقع معيشي صعب بعدما تقلصت الطبقة الوسطى إلى حد الاختفاء كصمام للامان الاجتماعي حيث أصبح الناس ( إما غنيا مقتدرا او فقيرا مفلسا ) يعيش معاناة الحاجة والعوز ومن يجوع لا يخاف من القانون أو شيء ويحمل روحه على كفيه وقد أظهرت الحكومات المتعاقبة حالة من العجز في مواجهة الخطر الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي تسببه الارتفاعات المستمرة في أرقام الفقر والجوع والبطالة في غمرة انشغالها بهاجس خفض العجز المالي والدين العام وبصورة تتطلب رفع للأسعار والرسوم والضرائب ولم يأخذ هذا الملف حقه من الاهتمام رغم إجماع الساسة والأكاديميين على أنه أخطر من التهديدات الأمنية الخارجية ما يعني أن هناك انتهاكاً لحق المواطن في مستوى معيشي لائق نتيجة الضعف الشديد في الرواتب وتآكل المداخيل الشهرية للأفراد.

وكم كان محقا دولة الاستاذ طاهر المصري رئيس الحكومة ورئيس مجلسي الأعيان والنواب الأسبق عندما أطلق عبارته الشهيرة ( إرهاب الجوع أخطر من إرهاب السياسة ) واضاف ( أنه لا يخاف على الأردن من التطرف خارج الحدود أو من محاولات عصابة داعش مهاجمة الأردن بقدر خوفه من تداعيات الأحوال الاقتصادية على الاستقرار الداخلي ).

لقد فشلت حكومة الدكتور الرزاز في التصدي لخطر الفقر وتزايد أعداد الفقراء الذي يتهدد المجتمع بكثير من التبعات السلبية مثل انتشار الجريمة ( الاحتيال والمخدرات والسرقة والرذيلة ومحاولات الانتحار الجماعية للشباب العاطلين عن العمل...الخ ) وتسرب الأطفال الفقراء من مدارسهم وانخراطهم في سوق العمل وتعرضهم للاستغلال والاعتداء وتفشي الأمية والجهل في المجتمع إضافة الى مخاطر ظهور الاحتقان الطبقي الذي قد يتولد عند الطبقة الفقيرة بسبب الشعور بالتهميش والذي قد يستغل من قبل أعداء الوطن في وقت حساس وخطير إضافة إلى إخفاقها في تحقيق تنمية فعلية في المحافظات وعجزها عن الارتقاء بالخدمات العامة الأساسية.

الأوضاع القائمة لا تبشر بخير والجميع يتوجسون خيفة ويحذرون من ثورة الجياع الكامنة كالنار تحت الرماد والتي تبدو مؤشراتها من خلال الشكاوى المستترة والظاهرة بحركات الاحتجاج في الميادين والساحات العامة في مختلف المدن الأردنية بعدما أصبح الوطن اشبه بجزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء تلتقطون ما افلت من بين أنياب هوامير الفساد صناع الأزمات والقابضين على السلطة حتى وصل الحال أن يعرض الفقير أبنائه للبيع مقابل لقمة العيش واجر البيت وثمن العلاج فكل شئ غال وباهض الثمن إلا الإنسان ظل بلا ثمن.

وما نلاحظه هذه الأيام من حالة العِوز لدى معظم المواطنين وعدم قدرتهم على مواجهة أبسط متطلبات الحياة إضافة لتردي أحوال مختلف القطاعات التعليمية والزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والنقل وهجرة المستثمرين يقابلها تقصير الدولة في معالجة هذه القضايا المجتمعية بشكل عام يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا ونخشى على مصير الوطن.

في بريطانيا قبل سنوات طالبت مجموعة من الأحزاب السياسية الحكومة بتعيين وزير للجوع لمواجهة " انعدام الأمن الغذائي " المنتشر في المملكة رابع أغنى دولة في العالم تشهد واحداً من أعلى مستويات الجوع ارتفاعاً في أوروبا خاصةً في صفوف الأطفال ( دون سن الخامسة عشرة ) الذين يعيشون مع بالغين ويكافحون من أجل توفير الطعام متهمين الوزراء في حينه بالإخفاق في إدراك المشكلة والتعاطي معها وأن أعداد الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على طعامٍ مغذٍ بأسعار معقولة " مرعبة وفي تزايد " مع احتمالات تعرض البعض منهم للمرض أو الإصابة بما يعطلهم عن العمل ويفاقم المشكلة وأن أعداداً أكبر من الأطفال ينمون الآن في منازل لا يملك فيها الآباء ما يكفي من المال لوضع الطعام على المائدة وان تلك فضيحة لا يمكن السماح باستمرارها وأنه لا يمكن معالجة ذلك إلا بوضع أهداف واضحة على نطاق المملكة المتحدة وتعيين وزير للجوع لمعالجة الكارثة.

وفي آب من عام 2018 حذرت صحيفة الغارديان البريطانية من نفاد الطعام وتفشي الجوع في المملكة المتحدة بحلول العام الجاري 2019.

والسؤال الذي يطرح نفسه ألان ماذا ( يمكن أن يفعل وزير الجوع ) وما هي مهامه أولا ينبغي على رئيس الوزراء الرزاز في التعديل الوزاري المرتقب تكليف وزير جديد يتحمل "المسؤولية والمساءلة عن مكافحة الجوع وانعدام الأمن الغذائي داخل الأردن على أن تشمل مهام وظيفته استكشاف حجم وأسباب وتأثير مشاكل الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وإيجاد وتنفيذ استراتيجيات لتحسين الوضع لقد حان الوقت للحكومة لاتخاذ خطوات ملموسة نحو الأزمة فعلى الرغم من أن المتطوعين يقدمون دعماً فعالاً لمن يعانون من الجوع إلا أنه لا يمكن لأي مؤسسة خيرية " تكية ام علي مثال " أن توفر المال الكافي لشراء الطعام لجميع مريديها بشكل منتظم.

وها نحن على ابوا مغادرة العام بمعايير مختلفة حيث تتجه النية لتقليص الإعفاءات الطبية ورفع متواصل لفاتورة الكهرباء والاستمرار في التسعيرة الشهرية للوقود والغاء بعض الإعفاءات الضريبية على سلع كثيرة بما فيها سلع غذائية بعدما تم ورفع ضريبة المبيعات من 4% الى 16%على سلع أخرى.

ولا نعلم كأردنيين لماذا يجب ان يكون مطلوبا منا أن نختار أما الأمن أو الجوع ولا خيارات غيرهما فأما هذا الغلاء القاتل يبقى يتمدد في حياتنا ويهلكنا وإما لا سمح الله الفوضى الدموية بكل كلفها التي نراها في دول الجوار ونقول هنا بوضوح من واجب الحكومات ان لا تتصرف بحرية في سياسات الفقر والإفقار جراء خوف المواطن الأردني على بلده وأمنه واستقراره وعدم قبوله استباحته او تخريبه جراء التطرف واذا استمر المشهد تشتد سوداويته وبهذه الطريقة فلن يسلم الوطن من التداعيات الاجتماعية لكل هذا من الجريمة إلى العنف وصولا الى الغضب بكل أشكاله وأوصافه بدل التعاون واستنهاض الهمم والإمكانات لمعالجة مشكلة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي للأسر العفيفة بعموم المملكة.

والسؤال الأخير لكم أيها الأعزاء إذا كانت بريطانيا وبعض الدول الأوربية والأمريكية وبكل ما لديهم من أموال وإمكانات ورفاهية وخدمات واحترام لحقوق الانسان يطالبون بضرورة تعين وزير للجوع متفرع لمتابعة هذه المشكلة ووضع التصورات والحلول الممكنة لمعالجتها فهل نحن كثير علينا ان نطالب مثلهم بوزير للجوع الذي أضحى غول يفترس كثير من العائلات والاطفال المحتاجين وهو احد أسباب الموت والدمار المباشر لكثير من الأسر والمتشردين ام الافضل ان نطالب بتقريع ( عمل الحكومة كاملة بكل أعضائها ) فيما تبقى لها من عمر في إدارة البلاد للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والمفجعة وأكثرنا يعيش في مطلق اليقين القناعة بعدم قدرتهم مجتمعين على النجاح حتى في المهمة.

وأخيرا وبعد وصول عدد الفقراء في بلادنا إلى أكثر من ثلثي المجتمع وما يعنيه من تهديد خطيراً لأمن واستقرار المجتمع واتساع دائرة الفقر المدقع وتزايد عدد الفقراء والجوع يفترس ا المزيد من المحرومين وتتفاقم الأزمة ويدخل المجتمع في محنة تستدعي الوقوف أمامها لإيجاد الحلول العملية والمعالجات المناسبة للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات