استراتيجية جديدة للمرأة .. ترف أم ضرورة؟!


"عام الإستراتيجيات الوطنية" لقب يستحقه بجدارة عام 2019، فبعد إطلاق الإستراتيجية الوطنية للشباب وإستراتيجية الحماية الإجتماعية ها هي الحكومة حالياً تعكف على إعداد إستراتيجية وطنية جديدة للمرأة للأعوام (2020-2025)، وهو خبر قد يكون موضع ترحيب من قبل الكثيرين من فئات المجتمع وخاصة من يتبنون قضايا المرأة والدفاع عنها، ولكنه موضوع ومادة نقاش بالنسبة لآخرين ممن أصابهم القنوط والإحباط من كثرة الخطط والإستراتيجيات وضعف وضآلة التنفيذ، فلو كانت إستراتيجياتنا وتخطيطنا بخير لما كنا نعاني ونكابد مما نحن فيه.

تحتفل وزيرة الدولة لشؤون الإعلام بالإستراتيجية العتيدة حتى قبل إطلاقها وتؤكد ان الأهداف التي تقوم عليها الإستراتيجية تشكل خطوة نوعية ومتقدمة في مجال حقوق المرأة في الأردن وعلى مستوى المنطقة، ولم تذكر معاليها تفاصيل عن هذه الأهداف وعن أوجه التميز والفرادة فيها مقارنة بما تكرر في الإستراتيجيات السابقة عن التمكين الإقتصادي والمشاركة السياسية والإجتماعية، خاصة وأن ما أعلن عن القضايا التي تناقشها اللجان الفنية للإستراتيجية لا تمثل أي قفزة نوعية او قيمة مضافة حقيقية لقضايا المرأة لا في الأردن ولا في المنطقة (حضانات الأطفال في القطاع العام ورواتب المعلمات في القطاع الخاص ونظام الدوام المرن ....).

لقد تحقق للمرأة في الأردن الكثير، فقد أصبح لها نصيب مفروض في مقاعد الحكومة ومجلس النواب ومجالس المحافظات، وفي قطاع التعليم فإن نتائج إمتحانات الثانوية العامة التي تبين أن غالبية أوائل المملكة والمحافظات هن من الإناث ما يكفي لبيان ما تحقق، أما في مجال التوظيف في القطاع العام فلا تمييز على الإطلاق والأمثلة عديدة أيضاً في القطاعات الاخرى، فما هي القضية الرئيسية التي تسعى الإستراتيجية العتيدة لتحقيقها، هل هي إنخفاض نسبة مشاركة المرأة في النشاط الإقتصادي، وهذه ليست أمراً ملحاً في بلد ترتفع فيه معدلات التعطل والبطالة والتي تطال بآثارها السلبية الذكور والإناث على السواء، أم هي تدني نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وهذه قضية غير جوهرية أيضاً فلا "حياة سياسية" فعلية في الساحة حالياً فلا أحزاب ومنظمات سياسية حقيقية فاعلة، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى نضال وجهد الذكور والإناث على السواء، أما في المجال الأسري والأحوال الشخصية فالتشريعات المتتالية حققت وتحقق مكتسبات جوهرية لا ينكرها منصف.

على الرغم مما تحقق فما زال المشوار طويلاً للوصول إلى مشاركة حقيقية وفاعلة لنصف المجتمع في عملية التطوير والتنمية الحقيقية، إلا أن حراجة الاوضاع التي يعاني منها المجتمع وخاصة في الجانب الإقتصادي تقتضي وضع الأولويات وترتيبها بشكل جيد، فكافة المشاكل والتحديات الرئيسية لا علاقة لها بالجندر (نوع الجنس) من قريب أو بعيد، أما قيام بعض الجهات بتضخيم قضايا المرأة ووضعها على الطاولة نتيجة فائض في الوقت أو النشاط أو التمويل، أو إستجابة لمتطلبات المشاركة في إجتماعات أو مؤتمرات او منتديات عالمية، فهذا بعثرة للجهد والموارد الشحيحة التي يجب توجيهها للمرأة نفسها بما يحقق نتائج فعلية على الأرض، فالإستراتيجيات المتتابعة بورقها الفاخر وطباعتها الملونة لم تترك الكثير من الأثر على أرض الواقع، والخطوات الشكلية غير المحسوبة سرعان ما تتبخر دون أثر يذكر، فما زلنا نذكر إستحداث منصب وزير دولة لشؤون المرأة في إحدى الحكومات السابقة، وتغيير إسم وزارة التنمية الإجتماعية إلى وزارة التنمية الإجتماعية وشؤون المرأة في حكومة اخرى.

ما تحقق للمرأة خارج أسوار المنازل كثير بكافة المقاييس، إلا ان ما يمارس من ظلم وتمييز بحقها خلف الأبواب المغلقة كثير أيضاً، الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت لتغيير في الثقافة والموروث، وهذا لا تعالجة الإستراتيجيات والخطط التي وضعت او التي سيتم وضعها، فالأمر يحتاج إلى أدوات ومقاربات مختلفة، فبعد عشرات الخطط والإستراتيجيات ما زالت قطاعات كبيرة من المجتمع تحجم عن وضع إسم العروس على بطاقة دعوة العرس فهي "كريمته" أو "شقيقته" أحياناً وربما "أميرته" أحياناً أخرى، وهذا موضوع قد يبدو شكلياً للكثيرين ولكنه يعبر عن جوهر المشكلة وعن طبيعة نظرة المجتمع للمرأة، ونقترح في هذا المجال على كافة الجهات العاملة على تمكين المرأة أن تستعمل من الآن فصاعداً مؤشر قياس واحد ووحيد لقياس نسبة تحقيق أهدافها يتمثل "بالنسبة المئوية لبطاقات الأفراح التي تفصح عن الإسم الصريح للعروس"، دمتم ودامت الأفراح في دياركم العامرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات