الرئيس التونسي .. الذي هزم الأحزاب والتكتلات والمال السياسي


بعد تجربة ديمقراطية رائعة وملحمة انتخابية تاريخية كانت حامية الوطيس داخل تونس وخارجها عبرت عن حب التونسيين لوطنهم وحرصهم على مستقبله بمشاركتهم في الاقتراع لاختيار رئيس جمهوريتهم الجديد وبعد طول ترقب وقلق وانتظار تنفسوا الصعداء وزالت مخاوفهم من امكانية وصول مرشح إلى قصر قرطاج تدور حوله الشبهات والشكوك وعدم الثقة ومتهم بالفساد المالي والتهرب الضريبي.

بواقعية واضحة وصادقة وثقافة علمية رفيعة وبلغة عربية فصيحة وبليغة وبنبرة مألوفة ومحببة لدى العامة وبحملة انتخابية متواضعة جدا وبرنامج بسيط لا يبيع الأحلام والمشاريع ويركز على إعادة رسم الخريطة والنظام السياسي في البلاد وبخطاب منطقي يقوم على دغدغة المشاعر والاعتزاز بالثورة والانتساب لها وبحكمة وعقلانية وقف فيها على نفس المسافة من جميع الأطراف وباستقلاليته وزهد وصدق ورجولة وبالبعد التام عن التكلف أو البهرجة آو الاستعراض ومن غير تكتيك او تمويه أو مخادعة او مناورات وبقليل من اللقاءات والمهرجانات والخطابات وبظهور إعلامي اقل وتنقلات جهوية تعد على أصابع اليد الواحدة ومن دون تيارات حزبية أو تكتلات سياسية أو ماكينات دعم مالية وبفهم لمتطلبات المرحلة ومطالب الشعب وأزمة الشباب وبقراءة شديدة التمعن ومستفيضة التدبر لواقع تونس بعد عاصفة الربيع العربي الهوجاء وما ألت إليه أوضاع البلاد أطاح المرشح قيس سعيد61 عام بالإمبراطوريات الإعلامية والمليارات التي صرفت في الداخل والخارج لإيصال المرشح المنافس له.

واستطاع الأستاذ الجامعي صاحب العلم والمعرفة بالقانون الدولي والقانون الدستوري والذي يعي تماما أهمية تطبيق القانون في إرساء قواعد الحق والعدالة على المستويين المحلي والدولي وبكل ثقة واقتدار وبصعود صاروخي لافت بعدما سطع نجمه كظاهرة متميزة لها إشعاع وحضور جماهيري شامل اكتسب من خلاله شعبية جارفة وتمكن من لمّ شمل العديد من الجماهير المساندة له وأغلبها من الشباب والطلبة بمختلف مشاربهم السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار متحزبين ومستقلين بعد خوفهم الكبير على مستقبل المسار الديمقراطي في بلادهم أن يسقط تحت سطوة براثن المافيا واللوبيات الفاسدة.

وقد أصبح بفوزه الكاسح كمرشح لغالبية التونسيين ( الأكاديمي الأول ) الذي يخرج من بين الناس إلى صدارة الحكم رئيسا للجمهورية التونسية كرجل وطني نقي لم يشارك في أي دنس سياسي أو يتلوث بالدسائس والمؤامرات والتضليل والاختلاسات والسمسرة على الناس والوطن ولم ينخرط في المسائل الجدلية أو المواقف الشعبوية.

وقد قدم الشعب التونسي بهذا الخيار الوطني الحر والمستقل وجبة عقابية وتأديبية دسمة ودرسا قاسيا ومؤلما ليعطي العبرة والعظة لكل إفراد المنظومة السياسية والحزبية المترهلة على اختلافها ( معارضة وحكومة ) بعد الأداء الكارثي للحكومات المتعاقبة وفقدان التونسيين الثقة بالطبقة السياسية برمتها وكراهيتهم لحالة الانتهازية المستشرية بينهم.

قيس سعيد الرئيس التونسي الجديد حقق شرعية شعبية لم يسبقه إليها أي رئيس سابق وهو الثالث بعد ثورة 14 من يناير لم يكن من السياسيين المعروفين على الساحة السياسية في تونس بقدر ما كان حالة عابرة تستحق الدراسة والوقوف عندها وتحليلها وتفكيك مضمون خطابها الشعبي البسيط القائم على ثنائية الشباب ومناوئة الأحزاب والتركيز على المحافظة على الهوية العربية الإسلامية لشعب عانى ويلات التغريب منذ نحو ما يزيد عن قرن ونصف.

لهذا صوت التونسيين لسعيد بأغلبية عريضة وقياسية بعدما وجدوا فيه خصالا لم يعهدوها في غيره من السياسيين وأهمها نظافة اليد والصدق في القول وعدم التكالب على السلطة وإنهم وجدوا فيه ( عودة لروح الثورة من جديد ) وبصيص أمل في إقامة دولة العدل والمساواة والديمقراطية والتشاركية الحقيقة وبناء الدولة القوية وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خاصة بعد إن أكد في أول كلمة له بعد إعلان حملته فوزه في الانتخابات بإن "عهد الوصاية انتهى" وكرر أن مشروعه السياسي قائم على الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان والتمسك بالثوابت الدينية والقانونية والاخلاقية.

الشباب كانوا النواة الصلبة لحملته الانتخابية ( ثورة الشباب الثائر ) التفوا حوله قبل إعلان ترشحه حيث جمعوا آلاف التواقيع لحثه على الترشح وفي حملته الانتخابية وتجمهروا احتفالا عند فوزه وكانت هبة غير مسبوقة لشباب تونس في نصرته ومؤازرته فأولى الحملات الانتخابية المساندة له انطلقت من ساحات الجامعات والمعاهد وان 90% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما صوتوا له وتشبثوا به وكأنه ( مخلصهم المنتظر ) من أولئك الذين صدعوا رؤوسهم بوعود واهية وبرامج انتخابية بقيت حبرا على ورق طوال سنوات فضلا عن استمرار الفشل الحكومي على كل المستويات وقد ( لقب بمرشح ) الشباب الذين تطوعوا للعمل معه مجانا بعد أن رفض استلام مبلغ 100 ألف دينار من الدولة لتمويل حملته الانتخابية حين اعتبرها مال للشعب واكتفى براتبه التقاعدي فقط دون أن يثقل كاهل الميزانية الوطنية العامة.

لم يسعد فوزه التونسيين فقط بل تجاوزها الى ملايين الشعوب العربية التي هبت عبر الشبكات الاجتماعية لتهنئة التونسيين برئيسهم في وقت كانت فيه القضية الفلسطينية الحاضر الأبرز في خطابه واحتفالات أنصاره وكم كان موقفه مشرف وعظيم حين أعلن دون مواربة ان قضية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ( جريمة وخيانة عظمى ) وأن التونسيين ما زالوا في حالة حرب مع كيان العدو الغاصب والمحتل الذي شرد الشعب الفلسطيني واحتل أرضه كما أعلن أنه في حالة فوزه بكرسي الرئاسة سيمنع دخول أي شخص بجواز سفر إسرائيلي إلى تونس وعبر عن أمنيته في أن يكون العلم الفلسطيني حاضرا جنبا إلى جنب العلم التونسي ووجه شكره لجميع الأحرار في العالم كما اعتبرت الصورة التي ظهر فيها سعيد ومن ورائه المسجد الأقصى الشريف " بداية العلاقة الوجدانية بينه والشعب الفلسطيني " وأن فوزه يمثل دعما كبيرا للقضية الفلسطينية والقضايا العربية العادلة.

وحول موقفه من قانون المساواة في الميراث المثير للجدل أعرب عن تمسكه الكامل بالنص القرآني قطعي الدلالة ورفضه لكل محاولة للعبث بقانون الميراث ومناقشته لمخالفيه بحجج عقلية أقنع في مجملها التونسيين المتشبثين بهويتهم العربية الإسلامية والرافضين لهذا القانون الذي من شأنه تقسيم المجتمع وإثارة أزمات اجتماعية لن تنتهي وتقع في صالح الأعداء.

ما سمعناه حتى الآن من الرئيس قيس سعيد من أفكار وأراء وأقوال يبشر بخير ويبعث أملا جديدا في قلوبنا ونفوسنا على امتداد الساحة العربية بأنه سيكون حاكم متنور يؤمن بحرية الإنسان ومشاركة الآخرين في التدبير والتعمير واتخاذ القرار كما لا يبدو استبداديا ولا تظهر عليه علامات الغرور والاستئثار بل يبدو شخص عادي لا يرى في السلطة هيبة شخصية أو وسيلة للصوصية والثراء وإنما مسؤولية وأمانة ونأمل أن يكون واعيا لتأثير السلطة السلبي على الشهوات والنزوات والانحراف عن الحق والعدل خاصة وان السلطة مغرية وهي أمارة بالسوء.

وهو يرى أيضا سياسيا أن السلطة " ستكون بيد الشعب الذي يقرر مصيره ويسطر خياراته وهو ما أطلق عليه عبارة " الانتقال الثوري الجديد " وهو أساس شعار حملته الانتخابية "الشعب يريد " وقد تجلت اصدق مبادئه في رفضه استمرار القيام بحملته الانتخابية مع القروي وهو موقوف في السجن بتهمة تبييض أموال وتهرب ضريبي وذلك عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص وهو ما جعله يحصد تقديراً حتى من مناوئيه وعقب فوزه بالانتخابات الرئاسية أعلن وبلغته الحاسمة بان زوجته القاضية السيدة إشراف شبيل لن تحمل لقب سيدة تونس الأولى حيث بعتبر إن ( كل نساء تونس أُوَل ).

والمطلوب من الرئيس سعيد العمل على توسيع المشاركة السياسية وترسيخ هوامش الحرية للأشخاص ووسائل الإعلام وتشجيع إقامة النوادي والروابط والجمعيات الشبابية وتحفيز الناس إلى العمل والنشاط والإنتاج دون الانتقاص من دور المؤسسة الرسمية في تصحيح الأوضاع وتطبيق القانون وإقامة العدل حتى لا نشهد تسيبا إداريا وفسادا متجددا يلحق ألأضرار بالمصالح العامة.

علي وهو لا يحب البروتوكولات وقد أكد أنه لن يسكن في قصر قرطاج ويريد أن يعيش حياته مواطناً تونسياً بسيطاً كما هو دائما.

ولد الرئيس قيس سعيد عام 1958 بتونس العاصمة واختص بالقانون الدستوري وساهم في إعداد مشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية إلى جانب تدريسه في عدد من الجامعات عربية وتونسية وله العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات القانونية المهمة وقد كان مناهض شرس للنظام السابق وبعض الحكومات المتعاقبة و يعتبر داعم قوي لمطالب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي حصل في 1997 على عضويتي المجلس العلمي ومجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري وشغل منصب رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية متزوج وأب لثلاثة أبناء.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات