الشام جامعة العرب


قبل مائة عام كانت جميع الدول العربية ترزح تحت ثقل الاستعمار العسكري للدول الغربية، ولم يستثنى من ذلك سوى الحجاز لاعتبارات دينية، وكانت طموحات العرب ترنو للحياة الكريمة في ظل دولة أو دول عربية تنعم بالازدهار والحرية والعدالة والمساواة، وتسعى لتطوير التعليم والصحة ومقدرات الأمة، وإلى إنشاء دولة واحدة على الأقل في الشرق العربي كما وعد حلفاء العرب أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد سعى الملك فيصل لإنشاء المملكة السورية والتي تضم بلاد الشام كافة؛ وكان لها كل مكونات وأسس الدولة الدستورية. ولكن الغرب سارع لإفشال المشروع، وتحطيم أركانه، وأنشأ الغرب دولاً وإمارات عدة، وأحياناً انتقلت بعض المناطق من نظام القبيلة لتصبح دولة .

لقد استقلت تلك الدول والإمارات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وعلى فترات متباعدة أحياناً، وكان الاستقلال للبعض سلمياً وبإرادة الدول المستعمرة والأخرى بفعل ثورات الشعوب. ونشأ ما سُمي بالدول القُطرية، تتقاتل وتختلف غالباً، وتتعاون وتتحالف أحياناً ضد بعضها البعض، ولكن العامل المشترك بينها جميعاً عدم الثقة والخوف ، وخاصة الدول المجاورة، ولم تستثنى من ذلك دول الحزب الواحد أو دول التبعية العليا الواحدة، ولكن العلاقات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الدول المستعمرة كانت دائماً موجودة ، بل ومقدمة على غيرها .

وبدأت الدول القُطرية بالعمل على تحسين أوضاعها المعيشية والتعليمية والصحية، ولكن كانت تبرز أو تثور الحروب والنزاعات الداخلية والخارجية، فما أن ينتعش إقتصاد دولة ما إلا وشُغلت بالحروب، وعندئذ تذهب كل المكتسبات، بل يطالها الدين والإحباط ، وترجع عشرات السنين. والغريب في الأمر أن العرب يخربون بيوتهم بأيديهم، ويدمر بعضهم البعض بأسلحة ومعدات يشترونها من الدول التي استعمرتهم وبأضعاف مضاعفة عن سعرها الحقيقي، بل إن بعض قادة الغرب يسخر منهم، ويدعي أن قواته هي من تحمي عروش تلك الدول.

ومنذ بداية ما أطلق عليه بالربيع العربي وحتى هذه اللحظة ما زالت المنطقة العربية تغلي كالبركان؛ لقد تحطمت دول وقسمت أخرى، وأصبح تعداد المهاجرين العرب أكبر رقم عالمي، واجتاح الدمار والخراب المادي معظم الدول العربية؛ ونهب الغرب أموالها المودعة؛ فلقد سالت الدماء، وانتهبت الأموال، وانتهكت الأعراض، وزادت ديون الدول، لأسباب وعداوات، ضخمها واصطنعها أعداء الأمة، وأحدثوا جماعات وفرق شوهت صورة ومنهج الإسلام. وأما أعداء الأمة فيتقاسموا بينهم الأدوار، فيدعموا كل المتحاربين، ويمدونهم بالسلاح والعتاد والمعلومات؛ فإن خارت قواهم، انقضوا عليهم ، وعندئذ لن يفرقوا بين عربي وكردي وتركي أو سني وشيعي.

وإن كانت القوات التركية قد اجتاحت شمال سوريا لمقاتلة الأحزاب الكردية المسلحة المدعومة غربياً والتي تهدد أمنها القومي، ولإعادة المهاجرين السوريين والذين أصبحوا عبئاً وثقلاً اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وسياسياً على تركيا، إلا أن البعد الاستراتيجي يحتم على كلا الطرفين التركي والسوري النظر للمصلحة المشتركة بينهما عربياً وإسلامياً، على الرغم من الموقف التركي المنحاز والداعم لفصائل الثورة على النظام، ولكن تشبث كل طرف بموقفه الرافض لتقريب وجهات النظر بينهما، وعدم التجاوز عما مضى بكل سلبياته سيؤدي إلى إلحاق الأذى بكلا الطرفين، وربما تمزيق كلا الدولتين.

إن التفاهم التركي الإيراني السوري أولاً، وإعادة الثقة والتعاون بين العرب والفرس والترك وهم المكونات الأساسية للإمة يفشل مخططات الأعداء، ويوقف نزيف الدماء، وخراب البلاد، ولئن كان الكثيرمن أنقياء الأمة يخشىون ويخافون من دخول القوات التركية لسوريا ويشبهونها بدخول صدام للكويت، إلا أنهم كذلك لا يرغبون أن تمزق وتدمر غيرها من الدول العربية والإسلامية؛ فدمارها ربح ونصر لأعداء الأمة وخاصة الصهيونية العالمية، فالشام حاضرة العرب ورمز عزتهم وحاضنتهم الرؤم، واسطنبول سيفها ودرعها وجيشها ونصرها، وبلاد فارس وما بعدها أدبها وعلمها وفنها. فالأمة الإسلامية والعربية عاشت معاً بكل مكوناتها العرقية والمذهبية قروناً طويلة في حالة تصالح وتكامل، وآن لها أن ترجع كما كانت، وقد قالت العرب قديماً : الشام شامك لو الدهر ضامك.

Sulaiman59@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات