حادثة ناقلة النفط الإيرانية ولغز الفاعل المجهول !


تزامنا مع جهود ومبادرة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للوساطة بين السعودية وإيران لتقريب وجهات النظر بينهما ومحاولة انهاء الخلافات بناء وجسر اتصال لتحقيق المصالحة وإنهاء حالة الصراع الطويل والمرير التي سادت خلال السنوات الماضية في المنطقة جاء معها الهجوم باستهداف ناقلة النفط " سابيتي " المملوكة للشركة الوطنية الإيرانية للنفط وذلك عند الساعة الخامسة وعشرين دقيقة من صباح يوم الجمعة الماضي 10 / 10 / 2019 في مياه البحر الأحمر وعلى بعد قرابة ستين ميل من ميناء جدة السعودي حيث كانت محملة بمليون برميل من النفط ومتجهة إلى سورية حين تعرضت الناقلة لهجومين من مكان قريب أثناء عبورها المنطقة ( يعتقد إنهما صاروخين ) أديا إلى حدوث انفجاريين منفصلين وإحداث أضرار بالغة في هيكل الناقلة الخارجي واشتعال حريق بداخلها وقد تم السيطرة عليه ولم يصب أي من طاقم الناقلة بأذى ونتيجة ذلك تسربت كميات كبيرة من النفط فوق سطح البحر ولا زالت التحقيقات متواصلة لمعرفة ملابسات الحادث حيث ( يرجح أن يكون بفعل عمل إرهابي مبيت ).

في هذه الحادثة برزت عدة ملاحظات ايجابية تختلف في رصدها وتحليلها عما سبقها من حوادث مشابهه أولها هو مبادرة قبطان الناقلة الى مراسلة الجانب السعودي وإبلاغه بتعرضهم للضرر والخطر والرد السعودي السريع بمحاولة المساعد والإنقاذ وثانيهما أن السعودية وإيران تعاملا على غير عادتهما مع هذه الحادثة بهدوء وتعقل وتحفظ ولأول مرة لم يتبادلا الاتهامات المباشرة والمتشنجة وقامت إيران بتبرئة السعودية من الوقوف خلف الهجوم على ناقلتها بهذه السرعة وحتى قبل بِدء التحقيقات الفنية رسميا بما يوحي أنها لا تريد أي تصعيد معها في الوقت الراهن وذلك لإتاحة فرصة النجاح أمام الوساطة الباكستانية المرتقبة في المقابل وجهت ايران أصابع اتهامها المباشرة الى الولايات المتحدة وإسرائيل كأعداء أزليون لها وقد وجدنا أن كلاهما ( السعودية وإيران ) ألمحا إلى أن هنالك ( طرف ثالث كفاعل مجهول ) دون تحديده يقف وراء العملية ألاثمة التي تهدف الى تخريب الجهود الباكستانية لإطفاء نار الصراع بين البلدين المسلمين والذي استنزف طاقاتهما وطال أمده.

من خلال متابعة تكتيك السياسة والدبلوماسية الإيرانية على ارض الواقع نجد أنها عمدت الى الظهور بتصريحات عمومية مبهمة وهي في الباطن لا تستبعد تورط أي دولة في الهجوم على ناقلتها وللحقيقة وليس دفاعا عن السعودية فانه من غير الممكن ان تبادر الى استهداف الناقلة الإيرانية قبل يوم واحد من مباشرة وساطة الباكستان وما جرى حدث مأساوي يشبه ما حصل قبل مدة للناقلات في بحر عمان حين كانت إيران تتفاوض مع اليابان.

وقد تعددت التكهنات حول كيفية استهداف الناقلة الإيرانية ومن يمكن ان يكون الفاعل المجهول حيث قيل بأنها ربما هوجمت من خلال غواصات مجهولة او بواسطة صواريخ جو- بحر موجهه أو عبر هجوم جوي بواسطة طائرات مسيرة من خارج مدى الرؤيا أو ربما يكون باستعمال زورق ملغم وموجه تم تفجيره عن بعد.

أما بخصوص ( الجهة الثالثة او الفاعل المجهول ) الذي يعتقد انه وراء استهداف الناقلة فقد كثرت أيضا التنبؤات والتحليلات حوله حيث جاء الاعتقاد الأقوى بان إسرائيل هي من قام بالعملية كمستفيد أول من ديمومة تنامي الصراع بين هذين البلدين المسلمين الكبيرين وهناك تكهنات لا تستبعِد أن تكون غواصة إسرائيلية أطلقت هذين الصاروخين الأمر الذي دفع بالناقلة إلى تغيير مسارها والعودة إلى الخليج ومن الجدير ذكره ان إسرائيل وقفت و لا تزال تقِف وراء مئات الهجمات الصاروخية والغارات الجوية التي استهدفت قوات وميلشيات إيرانية في سورية والعراق ومن غير المستغرب أنها قد تكون وسعت دائرة ضرباتها إلى البحر الأحمر وعمق الخليج.

وألترجيح الأقرب للمنطق والواقع أن الضربة جاءت بفعل غواصات إسرائيلية حيث تمتلك إسرائيل قاعدة عسكريه في إرتريا ومنذ أشهر فليلة نشرت المخابرات الباكستانية تقريرا مفاده أن غواصات إسرائيلية اقتربت من مياه باكستان الإقليمية في منطلقه قريبة من سواحل الهند بتوفير مساعدة وتسهيلات من حكومة دلهي التي ترتبط بعلاقات جيدة مع تل أبيب خصوصا مع وجود حزب بهارته جاناته القومي الإندوكي المتطرف ومن المعلوم عسكريا وجيواستراتيجيا ان البحر الأحمر يعتبر بحيرة خلفيه لإسرائيل التي لديها قواعد وعلاقات تعاون مع كثير من الدول المطلة على شواطئه وإذا استطاعت إيران أن تجر إسرائيل إلى هذه الأزمة ستكون قادرة على فعلا على إظهار أن المواجهة القائمة ليست بينها وبين السعودية وإنما بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل وهذا الأمر سيقلب الأمور ومعادلة الصراع في المنطقة رأسا على عقب.

وهناك رواية أخرى تلَمح إلى أن البحرية الأمريكية قد تكون من بين المتهمين ايضا بتنفيذ العملية إن لم تكن على رأسهم كرد مباشر لها على إعطاب ست ناقلات نفط سعودية وإماراتية ونرويجيّة في بحر عمان قبل عدة أشهر إضافة إلى إسقاط إيران للطائرة المسيرة الأمريكية ( غلوبال هوك ) قبل شهرين.

ومن ضمن التوقعات الأمريكية الأمنية المريبة في هذه المسألة الحساسة الاعتقاد بأن تحقيق المصالحة السعودية الإيرانية ستخفف كثيرا من الضغوطات الإقليمية التي تتعرض لها إيران من جهة ومن جهة ثانية ستجعل السعودية تشعر بالأمان مما يدفعها إلى التحرر من إستراتيجية الاحتماء بأمريكا كحليف استراتيجي وقد تبحث عن حليف آخر لها مثل روسيا أو الصين حيث أثبتت روسيا من خلال دعمها للنظام السوري مؤخرا بكل قوتها أنها حليف يمكن الاعتماد عليه بالفعل بعكس أمريكا التي تخلت عن أكراد العراق ثم أكراد سوريا بعد أن استفادت منهم في حربها ضد الرئيس الراحل صدام حسين وتنظيم داعش.

أما بخصوص احتمالات الرد الإيراني على الهجوم والتي تبدو كبيرة جدًّا بالقِياس الى تجاربِها في الأشهر الأخيرة وان الباب يبقى مفتوح على مصراعيه للتنبؤ حول طريقة الرد إما مباشرة أو عبر أحد أذرعها خصوصا الحوثيين المطلين على البحر الأحمر.

الحرس الثوري الإيراني القوة الضاربة والمخيفة على أهبة الاستعداد دائما ولم يتردّد لحظة واحدة في إسقاط طائرة (غلوبال هوك ) الأمريكيّة المسيرة التي اخترقت الأجواء الإيرانية فوق مضيق هرمز قبل شهرين كما نفّذ تعليمات السيّد علي خامنئي المرشد الأعلى بالرد الفوريّ على احتجاز بريطانيا لناقلة نفطية إيرانية أثناء مرورها عبر مضيق جبل طارق باحتجاز ناقلتين بريطانيين في مياه الخليج ومن المحتمل أن الرد الإيراني الحازم بضرب أهداف إسرائيلية أو ناقلات نفط بواسطة غواصات إيرانية أو القيام بإغراق ناقلة نفط متجهة إلى ميناء ايلات أو بقصف منصة إسرائيلية للتنقيب عن النفط في البحر المتوسط وغيرها من خيارات اخرى مفتوحة.

أمام كل ذلك تمتلك إيران بعض " التكتيات العسكرية العملية الخطيرة " التي يمكنها استخدامها للانتقام من إسرائيل منها على سبيل المثال شن حرب بالوكالة كإستراتيجية متقدمة لردع إسرائيل بالدفع نحو تصعيد المواجهة مع الفلسطينيين ودعم الذين لا يريدون الاعتراف بإسرائيل ولديهم الاستعداد لحمل السلاح والمقاومة ضد إسرائيل إضافة الى تفعيل منظومة الحرب السرية ضد إسرائيل حيث تمتلك إيران شبكة واسعة جدا من العملاء التابعين لها في المنطقة يمكن الاعتماد عليهم لشن حرب سرية ضد إسرائيل وحلفائها في أمريكا وكندا وأوروبا وإفريقيا وأماكن أخرى ويمكن استخدامهم كذلك في تنفيذ عمليات اغتيال وحرب نفسية ضد المسؤولين الإسرائيليين في العديد من المناطق حول العالم.

عدى عن إمكانية استخدام ترسانة الصواريخ حيث تمتلك إيران أضخم ترسانة صواريخ باليستية في الشرق الأوسط تم تطويرها في وقت سابق بالتعاون والتنسيق مع عدة دول منها ليبيا وكوريا الشمالية فالصواريخ الإيرانية أصبحت قادرة على الوصول إلى غالبية مناطق الشرق الأوسط ومعظم المدن الإسرائيلية الرئيسية وبعضها يمكنه الوصول إلى دول غرب أوروبا وفي حالة اندلاع أي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران فإن حزب الله وميليشيات أخرى في سوريا أو العراق واليمن يمكنها أن تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل وحلفائها.

الصراع بين إسرائيل وإيران مستمر منذ زمن بعيد بشكل غير مباشر ويتمحور حول النضال السياسي الذي تمارسه القيادة الإيرانية ضد إسرائيل في المقابل تهدف إسرائيل الى منع إيران من إنتاج أسلحة نووية وتعمل على إضعاف حلفائها وأتباعها مثل حزب الله في لبنان وبعض المليشيات في سوريا والعراق وتسعى إسرائيل في الأساس الى توجيه ضربة عسكرية قاسمة ضد المنشآت النووية الإيرانية لمنع طهران من امتلاك قنبلة نووية وربما تستغل التصعيد الحالي بين طهران وواشنطن لتنفيذ تلك الضربة علما بان أمريكا ستكون من أكبر الخاسرين إذا أقدمت إسرائيل على قصف منشآت إيرانية لأن الرد الإيراني سيكون حينها انتقامياً وسيتم استهداف القواعد والمنشآت الأمريكية في المنطقة بهجمات تدميرية مكثفة كما ستعمد إيران الى وقف إمدادات النفط لفترة محدودة بصورة سيكون لها تبعات كارثية على الاقتصاد العالمي وستؤثر سلبا على جميع الدول بلا استثناء.

وأخيرا هنالك من ينظر بعين الشك لهذه الحادثة وأن قصة استهداف ناقلة النفط الإيرانية ربما هي عملية " مفبركة " من صناعة المخابرات الإيرانية والحرس الثوري من أجل إظهار إيران كما لو أنها ضحية للإرهاب مثلها مثل السعودية وغيرها من الدول فضلا عن كسبها أوراق تفاوضية إضافية ومحاولتها خلط الأوراق في وقت تحتاج فيه كل الأطراف إلى المفاوضات والحوار والأيام القادمة ونتائج التحقيق ستكون كفليه بلا ريب في كشف الحقائق وإظهار الصورة الأوضح لهذا المشهد الضبابي وان غدا لناظره قريب.

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات