ليلة سقوط الجسر .. !!! 


كان يمكن أن تذهب حادثة سقوط جسر الباص السريع في شارع الجيش في غياهب النسيان لولا تسرب ونشر الفيديو الذي وثق عملية تركيب الجسر ثم إنهياره كقطعة من الكعك "غُمِسَت بالشاي" فقدت تماسكها فهوت وتناثرت أجزاؤها، حاولت أمانة عمان إقفال الموضوع من خلال تغريدة خجولة لأمينها حمد فيها الله على السلامة وعزا الحادثة إلى خطأ في عملية التركيب وأكد بأن كافة الإجراءات ستخضع للمراجعة ...!!!!، إلا أن نشر وتداول فيديو السقوط قد أعاد الحادثة إلى الأذهان وأظهر أن تغريدة معالي الأمين قد لم تكن بمستوى الحادثة ولم تفلح في إغلاق ملفها، فحادثة كهذه كان يمكن لولا العناية الإلهية أن تسفر عن ضحايا وخسائر فادحة لو تأخر حدوثها بضع ساعات عندما تكون الحركة في أوجها في منطقة تزدحم بالمشاة والسيارات. 

لقد وفرت عملية سقوط الجسر الموثقة من خلال الفيديو مادة مناسبة لعرضها كحالة دراسية في كليات الهندسة المدنية في الجامعات، ففشل أي عنصر إنشائي يعود إما إلى خطأ في التصميم وهذا ما نستبعده في هذة الحالة فبرغم أهمية هذا "الجيردر Girder" وحجمه الكبير إلا أنه عنصر بسيط إنشائياً لا يحتاج تصميمه إلى معادلات وحسابات معقدة، أو قد يتسبب بالفشل خطأ في التصنيع كون هذه الجسور يتم صبها مسبقاً ثم نقلها وتركيبها في موقعها الدائم، وهذه تعتمد على التقيد بكميات الحديد والإسمنت التي حددها التصميم إضافة إلى عملية الصب والتصنيع والتي يجب أن تتم وفقاً للإجراءات والمواصفات المحددة، أما أن يكون الخطأ في عملية التركيب فهذه الأقل إحتمالاً ذلك أن عملية الإنهيار والسقوط لم تتم أثناء عملية التركيب وإنما تلتها ببضعة ثواني، بمعنى أن عملية التركيب قد تمت بنجاح وإستقر الجسر على الدعامات ونقاط الإرتكاز الخاصة به، وبدأت مهمة الجسر في أن "يشيل" وزنه بنفسه إعتماداً على المقاومة المشتركة للخرسانة وحديد التسليح والتي سرعان ما فشلت وإنهارت لينشطر الجسر من المنتصف ويهوي إلى الأسفل، وتتناثر مكوناته والتي تفترض أنها تتكون في معظمها من الخرسانة القوية جداً والتي لا تتفتت بسهولة، والتي يفترض انها قد فحصت مسبقاً من خلال فحص عينات من هذه الخرسانة بعد مرور المدة الزمنية الكافية لتصلبها وإكتسابها القوة المطلوبة. 

لا نستطيع الجزم بشكل مؤكد أن الموضوع ينطوي على إخلال أو تلاعب متعمد او غير متعمد بكميات الحديد والإسمنت، ولكن الأذهان تنصرف عادة في مثل هذه الحالات إلى هذا الإتجاه تحديداً، وتبقى الكرة بهذا الخصوص في ملعب أمانة عمان والتي يجب ان تسارع إلى إجراء التحقيقات العلمية الدقيقة بهذا الخصوص، وللإجابة على الإستفسارات والتساؤلات التي طرحت بهذا الصدد، وبيان الأسباب الحقيقية لهذه الحادثة والتي يعتبرها البعض أقرب ما تكون إلى "فضيحة" في بلد فيه عشرات الآلاف من المهندسين المدنيين والذي أثبتوا مقدرة وكفاءة عالية ليس على الصعيد المحلي فقط وإنما في دول الإقليم ومناطق أخرى خارجها. 

إن عملية إنهيار جسر أو حتى بناية لا يعتبر أمراً جللاً في حقيقة الأمر خاصة وأن الله جلت قدرته قد سلم وجنبنا خسائر كان يمكن ان تكون فادحة بكل المقاييس، لكن الأمر له جانب آخر في غاية الأهمية نظراً لكون الحادثة تتعلق بمشروع إستراتيجي "الباص السريع" كلف وسيكلف الكثير من الوقت والمال والجهد إضافة إلى المعاناة غير المسبوقة للمواطنين والقطاعات التجارية نتيجة الإغلاقات والتحويلات المرورية، فمشروع بهذا الحجم وهذه الأهمية يجب أن يخضع إلى أعلى درجات المراقبة والتدقيق وضبط الجودة، وبالتالي فإن حادثة كهذه تتطلب تفسيراً سريعاً من قبل أمانة عمان والتأكيد بأنها عارضة فعلاً، وبأن ما تم تنفيذه سابقاً من هذا المشروع وما سيتم تنفيذه لاحقاً يحقق كافة متطلبات السلامة والديمومة، بخلاف ذلك سيتعزز في الأذهان ما يردده كثيرون صباح مساء من أن مؤسسات القطاع العام وأمانة عمان منها مؤسسات مترهلة تعاني من "الفساد" بعيدة كل البعد عن الكفاءة والفاعلية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات