نتنياهو ودلالات ضم غور الأردن


غور الأردن سهل خصيب يقع على الحدود بين فلسطين والأردن، ويرتبط اسمه بنهر الأردن الممتد من بحيرة طبرية حتى البحر الميت، وتغطي المنطقة مع شمال البحر الميت حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية. وقد واصلت اسرائيل طرد وابعاد سكان الغور عبر منعهم من البناء والزراعة، ومن مصادر المياه الجوفية، في حين تقوم ببناء العديد من المستوطنات، وتقديم التسهيلات لتشجيع الاستيطان في الغور. وهناك شبكة من الطرق المتواصلة بين هذه المستوطنات، بينما لا بد أن يمر الفلسطينيون عبر الحواجز، إضافة إلى الجدار العازل الذي يبدأ من الشمال، ويمتد لمسافة ستصل إلى 700 كم طولي، وكل ذلك يقلص من المساحة التي يسكنها الفلسطينيون.

وتتمتع المنطقة بإمكانيات اقتصادية عالية من زراعة ومياه، وتعتبر السلة الغذائية للضفة الغربية. إضافة إلى البحر الميت كمركز سياحي مهم. وتعتبر المنطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية، وتتخذ العديد من الشركات الإسرائيلية منها مقرا لها، خصوصًا الشركات الزراعية.

وتقع معظم أراضي غور الأردن في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية المحتلة التي تسيطر إسرائيل على 60% منها فعليًا. وتخضع أمنيًا واداريًا لسيطرة الاحتلال الكاملة، باستثناء بعض التجمعات التي تخضع للإدارة الفلسطينية، ويسكنها حوالي 65 ألف فلسطيني، و 11 ألف مستوطن.

وتعتبر مدن مثل نابلس في الشمال، والخليل في الجنوب، واريحا، في المعتقدات اليهودية ذات قدسية، وخاصة بالنسبة للمتشددين اليهود المطالبين بالسيطرة على الضفة الغربية، من خلال غور الأردن، مما يعني استحالة إقامة دولة فلسطينية، وهو ما يسعى إليه نتنياهو، ومنح الفلسطينيين نوع من الحكم الذاتي المرتبط بشكل أو آخر بالأردن.

وتعود جذور فكرة بسط السيادة على غور الأردن إلى عام 1967، ففي الأشهر الأولى بعد الحرب، كانت الاعتبارات الأمنية والسياسية واضحة في ذهن رئيس الوزراء آنذاك ليفي اشكول. ووجدت الفكرة تطبيقا لها في مشروع "آلون"، الذي تضمن أنّ الحدود الشرقية للكيان الصهيوني يجب أن تكون نهر الأردن والخط الذي يقطع البحر الميت في منتصفه… وقد عرض المشروع على حكومة أشكول الذي لم يطرحه للتصويت. وانتقل المشروع إلى مرحلة التنفيذ لإقامة بنية تحتية استيطانية، وشق طريق “ألون”.

وفي مداولات الكنيست على اتفاق أوسلو أكد رابين بأنّ الحدود الآمنة للدفاع عن إسرائيل ستستقر في غور الأردن، بالمعنى الأوسع لهذا المفهوم. وعندما طرح كلنتون خطته وأفكاره للسلام، كان غور الأردن من المناطق الأساسية التي قامت عليها فكرة حل الدولتين، وهو ما وافق عليه ايهود باراك آنذاك.

وبعد اتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994، وما آلت إليه حرب الخليج الثانية من تدمير للقوة العسكرية العراقية، وبالتالي اخراج قوة عربية مركزية من المواجهة، كان التقدير الاسرائيلي أنّ التهديد من الجبهة الشرقية قد انتهى . وكان الرأي السائد أنّ اتفاقات السلام قللت من أهمية السيطرة على غور الأردن، خط الدفاع الشرقي للكيان الصهيوني، وأنّ هذه الاتفاقات ستمنح الكيان أمنًا أكبر من العمق الاستراتيجي.

إلا أنّ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والحروب على لبنان وغزة منذ عام 2000، وأحداث المنطقة منذ عام ،2011، أثبتت خطأ هذه الحسابات، فعادت من جديد أهمية غور الأردن كمصلحة أمنية اسرائيلية أخذت في التصاعد؛ فالمسافة بين هذه المنطقة والقدس التي تريدها عاصمة لها حوالي 30 كم، والمسافة بينها وبيت تل أبيب، المركز السياسي والاقتصادي للكيان أقل من 90 كم، أما المسافة إلى حيفا التي تخطط لجعلها ميناء مهم لمشاريع مستقبلية مع دول عربية، أقل من 170 كم.

ولذلك فإنً عدم السيطرة العسكرية والأمنية اسرائيليًا، كان من القضايا المقلقة للحكومات الصهيونية منذ عام 1967، التي حرصت على إنشاء محميات طبيعية، وصادرت أراض وحولتها إلى مناطق عسكرية، كما طردت أعداد من السكان، ولم تسمح بإصدار تصاريح للبناء للفلسطينيين، وسمحت بإقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية.

إضافة إلى الاعتبار الأمني، فإنّ غور الأردن بكامل معناه الجغرافي أصبح ضرورة ديمغرافية، حيث تخطط اسرائيل لإسكان مليون مستوطن، كما أنّ مشاريع ادماج اسرائيل في المنطقة، واعتبارها جسر العبور بين آسيا وافريقيا، يجعل هذا الضم حيوي وحتمي.

ولذلك لنتنياهو مشروع استراتيجي لا يرتبط بالانتخابات إلا لناحية كسب أصوات الأحزاب الدينية واليمين المتطرف، وهذا المشروع يقوم على تطبيق فكرة يهودية الدولة الاسرائيلية، وقد سن قانون القومية الذي يكرس يهودية الدولة، والوصول إلى أن تكون القدس بشطريها عاصمة للدولة اليهودية، وقد حصل على اعتراف أمريكي بذلك، وما يقوله ويفعله هو جزء من مشروع قديم موجود في العقل الصهيوني. والمطالبة بضم الأغوار والبحر الميت إلى الكيان الاسرائيلي هي أحد العناصر المركزية في الفكر الصهيوني في تعامله مع ملف الارض والديمغرافية، ومفهومه للأمن منذ عقود طويلة.

وقد جاء تصريح بنيامين نتنياهو، بـضم غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة الى إسرائيل في حال فوزه في الانتخابات المقبلة، لضمان فوزه قادرًا على تشكيل ائتلاف حاكم، وهو ما لم يتمكن منه في الانتخابات التي جرت قبل خمسة شهور، بسبب الخلاف بينه وبين ليبرمان، والأحزاب الدينية المتشددة، حول السماح أو عدم السماح للمتدينين من المشاركة في الخدمة العسكرية.

وتظهر استطلاعات الرأي أنّ نتنياهو في نفس المرتبة تقريبًا مع الحزب المنافس (أزرق- أبيض). ولذلك يراهن على دعم أكبر من الأحزاب الدينية. وفي حالة حصوله على هذا الدعم لن يكون في حاجة إلى ليبرمان، وسيتفاوض مع الأحزاب الدينية التي تحوز على مقاعد أكثر ، وهذا ما يفسر تطلعه إلى ضم غور الأردن وشمال البحر الميت. بمجرد فوزه في الانتخابات.

وبالرغم من أن إعلان نتنياهو يبدو محاولة منه للحصول على مزيد من الدعم اليميني في الانتخابات المقبلة، إلا أنّ توقع دعم أمريكي لأفكار نتنياهو، واجراءات أمريكية جديدة بعد الانتخابات الاسرائيلية، يجعل الجميع يتوقع حدوث تداعيات كبيرة خاصة بالنسبة للفلسطينيين والأردن، ومواقف قد تطال اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة، اللتان لم تعودا ذات قيمة. وبالرغم من سيطرة إسرائيل فعليا على المنطقة، إلا أنّ ضم جزء كبير من الضفة الغربية رسميًا، سيمثل رسالة واضحة إلى أنّ الكيان الصهيوني لا ينوي التخلي عنها.



تعليقات القراء

معقول ١
هو احنا لسه بنسولف عن حل دولتين و اتفاقية وقرارات دولية وما شابه.
طب سؤال: ما هي حدود اسرائيل؟ و لماذا لا يتكلم الإسرائيليون عنها؟
17-09-2019 01:24 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات