الأسباب والتداعيات لاستقالة غرينبلات دينامو صفقة العار


بصورة مفاجئة ودون أي مقدمات اعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس الماضي الموافق 5/9 /2019 استقالة جايسون غرينبلات المبعوث الأميركي المكلف بالملف الفلسطيني الإسرائيلي أو بتعبير أدق بتمرير تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن المشؤومة وهو أحد أبرز المسؤولين عن صياغتها وترويجها وقد قال ترامب في تغريدة وداعه لن ( ننسى تفانيه في العمل من أجل إسرائيل وسعيه للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين ) وقد نظر البعض لهذه الاستقالة على أنها مؤشر متقدم على تخبط الإدارة الأمريكية في خياراتها تجاه القضية الفلسطينية ودليل جديد واضح على فشل صفقة ترامب بهروب أحد المسؤولين عنها وهي التي ولدت ميتة منذ اللحظة الأولى ومن المقرر ان يغادر محامي ترامب السابق منصبه بعد إعلان صفقة القرن ونشر الشق السياسي منها عقب الانتخابات الإسرائيلية التي ستجرى في 17 أيلول الحالي.

غرينبلات الأميركي الصهيوني البشع من أصل هنغاري يعتبر من أشد المناصرين للدولة العبرية حيث كان يتحدث بلسان إسرائيلي مسموم ويكرر وينقل رسائلها الى المجتمع الدولي ولم يتردد يوما في إعادة نسخ ما يردده رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو دون أدنى تحفظ سواء اتجاه إيران او حزب الله أو الفلسطينيين بل إنه كان دائم الانتقاد لخصومها وأعدائها وهو الذي شارك قبل أشهر قليلة برفقة السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان في افتتاح نفق أسفل بلدة سلوان بالقدس المحتلة وبرحيله خسرت إسرائيل صديقا حميما ومؤيدا متهورا وجارفا لها في كل مواقفها السياسية وربما ليس أقل من المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم.

في المقابل اعتبر غرينبلات شخصية غير مرحب فيها لدى السلطة الفلسطينية لأنه رفض الاجتماع بقادتها وخاض معهم سجالات حادة واتهموه مرارا بأنه يمثل موقف المستوطنين الإسرائيليين ويقف الى جانب اليمين الإسرائيلي المتطرف مما دفعهم أكثر للتمسك بمواقفهم والرد سلبا على كل مبادرة يعلنها حتى لو كانت لصالحهم وقد كان في رؤيته وعمله ملتزما بشكل كامل في تبرير كل الانتهاكات الإسرائيلية بدلا من العمل لمصلحة السلام العادل والشامل بشكل محايد وقد يستغل النتن ياهو وكوشنير استقالته وغيابه عن المشهد في محاولة لإقناع الفلسطينيين كي يبدوا مرونة أكثر اتجاه الإدارة الأمريكية وخطتها المزعومة للسلام في المنطقة.

وهاهو المبعوث الأمريكي سيئ الصيت والسمعة المعادي للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة والثابتة يستقيل من منصبه غير مأسوف عليه بعدما أكد ولائه المطلق للحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري وللتيار المسيحي المتصهين المتماهي مع عملية التطهير العرقي لسكان فلسطين الأصليين وقد أسهم بدور كبير في تخريب عملية السلام وخرق سفينتها وتدمير أشرعتها ثم القفز منها قبل غرقها بادعاءات وأسباب واهية وضعيفة منها تأخير نشر الصفقة وانتهاء المدة المحددة لها بعامين بعدما تم تأجيلها مرارا على خلفية التطورات السياسية في إسرائيل إضافة إلى الرفض القاطع للعمل بها من قبل الأطراف الفلسطينية المختلفة رغم الإغراءات المالية والوعود العمرانية والتنموية الأمريكية.

وقد لعب غرينبلات ادوار قذرة ومشبوهة في جميع المراحل وقد ترك خلفه واد من الدمار والخراب ويمكن تلخيص عناوين بعض الموبقات التي ارتكبها وتلطخت يداه بها بالتالي ( دفع الرئيس ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وهو شريك في نقل السفارة الأميركية من تل ابيب للقدس وشحن الرئيس المغرور لإغلاق باب المساعدات المالية الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ولموازنة السلطة الوطنية الفلسطينية وهو احد الذين شيطنوا مسارات السلام وضربوا عن سابق تصميم وإصرار خيار حل الدولتين وراعي وحامل معول الهدم المتواصل لعلاقات الأخوة الفلسطينية العربية ومفتعل الصراعات والفتن بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني وقد حاول أكثر من مرة الترويج والتلميع لعملاء إسرائيل الجدد في ورشة البحرين وقبلها وبعدها ).

وقد كانت له بصمات السوداء دامغة ومثبتة وجلية في كل المصائب التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ تولى الرئيس ترامب مهامه مطلع عام 2017 والانضمام إلى فريقه فضلا عن دوره الرئيس في ( إقناع ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان ومنذ توليه مهامه كان ناشطاً على السوشيال ميديا في تبرير أعمال القتل الإسرائيلية بحق الفلسطينيين العزل ومهاجمة كل نشاط فلسطيني سياسي أو ميداني يتصدى لإعمال العنف والوحشية الإسرائيلية وقد اعتاد على الشتم والردح والتهجم على القيادة الفلسطينية ولم يكن أكثر من بوق لإسرائيل وصفقة المؤامرة ).

المطبخ السياسي المصغر المحيط بالرئيس الأمريكي ترامب جميع أفراده صهاينة الهوى والهوية والانتماء والولاء وقد عملوا على تحقيق أهداف مركزية لخدمة إسرائيل ومستقبلها منها على سبيل المثال لا الحصر العمل على تصفية القضية الفلسطينية وتغيير أولويات مبادرة السلام العربية وإعطاء الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقة معها الأولوية على حساب إلغاء الانسحاب والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة السيادة وعدم ضمان أي عودة للاجئين الفلسطينيين وتصفية حقهم التاريخي بهذا الشأن إضافة إلى تغيير خارطة التحالفات في إقليم الشرق الأوسط الجديد ونقل إسرائيل من مكانة الدولة المعادية إلى الدولة الحليفة والصديقة لبعض الدول العربية والعمل الممنهج على نهب ثروات وأموال وكفاءات العرب وإبقاءهم في دوامة الصراعات البينية ومحل ابتزاز واستغلال مستمرين والسعي لتغيير خارطة دول الشرق العربي وفق المنظومة السياسية الأمنية والاقتصادية الإستراتيجية للولايات المتحدة ودولة إسرائيل على حساب الشعوب والأنظمة العربية.

غرينبلات هو الموظف الأول والوحيد في إدارة ترامب الذي يستقيل دون صراع أو خلاف مع الرئيس الأميركي ( المقاول الباحث عن الأضواء ) وتأتي استقالته بالاتفاق وعلى أرضية المصالح والشراكة ومواصلة العمل مع أركان الإدارة حتى بعد خروجه وقد وردت بعض المعلومات الخاصة تفيد ان استقالته جاءت بسبب عدم انسجامه مع فريق العمل الذي يضم " صبيين " هما صهر الرئيس كوشنير ومساعده ولم يتمكن غرينبلات من الاستمرار بلا انسجام في إطار هذا الفريق وحتى لا يقال إن غرينبلات قد قدم استقالته بسبب فشل الصفقة بعد فشل مؤتمر البحرين تم الاتفاق على أن تسري الاستقالة إلى ما بعد الإعلان عن الجانب السياسي للصفقة.

ومن المتوقع ان يخلف غرينبلات في منصبة الحساس كمبعوث واشنطن لمفاوضات السلام في الشرق الأوسط مساعد وتلميذ كوشنر ( افي بيركوفيتش ) اليهودي الأرثوذكسي من نيوجيرسي عمرة 30 عام ليس لديه خبرة وهو شاب خريج كلية القانون في جامعة هارفرد مازال يحبو في ميدان السياسة وغير ملم بالأوضاع المعقدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد تخرجه من توجه إلى الأراضي المحتلة حيث درس في المعهد الديني " كول هتوراة " بالقدس المحتلة ثم واصل دراسته اليهودية في كلية الحاخامات " نير يسرائيل " بمدينة بالتيمور الأميركية ومن الوظائف الرئيسة التي أضطلع بها قبل تسلمه لمنصبه الجديد الإشراف على الخدمات اللوجستية اليومية في البيت الأبيض مثل تحضير القهوة وتنسيق الاجتماعات وقد قال أحد أرباب العمل الذي سبق أن عمل بيركوفيتش لديه إنه كان بحاجة للمساعدة حتى للقيام بالأعمال البسيطة وتهكّم عليه قائلاً أنا متأكد أنه ( سيبلي بلاءً حسناً وهو يعالج مشاكل الشرق الأوسط ).

وقد أشارت المستشارة السابقة لشؤون الشرق الأوسط في البنتاغون ياسمين الجمل في تصريح لصحيفة " تلغراف " البريطانية إلى أن هذا التعيين يظهر حجم " النقص التام للجدية " في نهج إدارة ترامب تجاه مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويكشف عن مدى سيطرة كوشنير التامة على عملية السلام الباهتة.

وأخيرا هل برحيل غرينبلات " العدو اللدود " ستظهر صورة أخرى ناعمة ومزيفة لواقع ومجريات الإحداث تستغل لخداع الفلسطينيين وجرهم للمفاوضات وقبول الصفقة أو بعضها ؟

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات