تعرية المعلم واثارها النفسية 


حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي كان للتعليم أهمية كبرى في حياة الأردنيين وكان للمعلم نظرة احترام في عيون ووجدان المجتمع الأردني ، واخذ دور المعلم في الانحسار تدريجيا بعد مرور سبعة عقود تقريبا ، وكان المعلم قائدا مصلحا ووجيها ومشاركا رئيسا في حياة الناس في افراحهم واتراحهم وحل مشاكلهم . 

المعلم في عينون الكبار كبير وفي عين الصغار صغيرا ونجد ردة فعل رئيس الوزراء الأردني هزاع المجالي رحمه الله حيث إقتحم المعلم حسن البرقاوي انعقاد اجتماع مجلس الوزراء في عام ١٩٦٠, فما كان من الشهيد هزاع المجالي إلا أن نهض عن كرسيه واجلس الأستاذ البرقاوي عليه اعترافا" منه بفضله وبقدره ثم استمع له ، وعن سبب تشريفه لرئاسة الوزراء اثر إحالته على التقاعد بعد خدمة في التدريس استمرت" سبعة وأربعين عام " ونفتخر حين نرى 
المعلم في عين المشير حابس المجالي القائد العام للقوات المسلحة الأردنية الجيش العربي الباسل الذي رد فيها على كلوب حين ابلغه بوقف اطلاق النار تنفيذا للهدنة ونظم قصيدة مطلعها هذا البيت:
ما اريد انا هدنةً يا كلوب ......خل البواريد رجاده 

تم اعلام المشير المجالي وهو قائدا للجيش العربي أن المعلم حسن البرقاوي يرغب بمقابلته لتجنيد أحد أبناءه في الجيش، حيث كان المشير حابس المجالي أحد تلاميذ الاستاذ حسن البرقاوي ، فما كان منه إلا أن أمر حرس الشرف في القيادة العامه أن يقوموا بعمل مراسم عسكريه له ، وهو يدخل الى باب القائد العام والموسيقى تعزف المراسم لكبار الضيوف في إشارة منه إلى تقدير وإجلال معلمه الذي كان له فضل عليه . 

وهنا أورد بعض أسماء لامعة بدأت حياتها في التعليم : 
1:- دولة الشهيد وصفي التل 
2- نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم معالي ذوقان الهنداوي 
3-معالي وزير التربية والتعليم إسحاق الفرحان. 
والعديد من القامات الوطنية الأردنية رحم الله من انتقلوا الى جواره وطال بعمر من على قيد الحياة 
4- معالي مدير الاعلام في الديوان الملكي والنائب في مجلس النواب وزير الشباب والتنمية السياسية والسفير بعدة دول الاستاذ محمد داودية رئيس مجلس إدارة الدستور حاليا ،حفظه الله ويشرفني ان اكون احد تلاميذه 
واذا توسعنا خارج حدود الوطن لا يفوتنا هذا البيت المشهور وهو مطلع قصيدة من عيون الشعر العربي الحديث، لأمير الشعراء أحمد شوقي (ت1932م)، ألقاها في حفل قام به نادي مدرسة المعلمين العليا، بين الناس من يومها ، لما فيها من قيم عليا تحث على العلم والتعليم، وترفع مكانة المعلم بين الناس. 

قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا 

والمعلم في نظر مصطفى صادق الرافعي الذي لقب بمعجزة الأدب العربي الذي اعطى المعلم وصفا يليق بمهنته وجعله ثالثُ الأبَوَيْن؛ فلينظر كيف يأْبُو حِينَ ينظر كيف يُعَلِّم . 

وكان الطالب الذي يحل مسألة ويثني عليه المعلم بكلمة عفيه او احسنت وصفقوا له لا تسعه الدنيا من الفرحة بكلمات مدح استاذه وكأنه تسلم جائزة نوبل للادب وبعد هذه المقدمة التي بينت فيها قدر المعلم ومكانته الاجتماعية سابقا. 

الا ان النظرة الدونية لمهنة التعليم في هذا الزمن سبب رئيس في توجه ذوي المعدلات العالية وتنافسهم على المهن ذات المردود المادي الكبير والمكانة الاجتماعية والوجاهة ومنها الطب والهندسة ...والعلاقات الدولية ..وكما يقال فخامة الاسم تكفي بالنسبة للنظرة العشائرية من قوة وعزيمة القبيلة والعشيرة والنظرة الدونية للاقلية أصبحت التخصصات الانفة الذكر لها وقع السمو والهيبة في العقل الجمعي لفئات المجتمع وعندما نجد ان أصحاب المعدلات المنخفظة يتوجهون لدراسة التخصصات التعليمية وفيها أيضا درجات فالتخصصات التعليمية أولا والأدبية ثانيا وعليه انحسر دور المعلم ولو قدم احد أوائل التوجيهي لدراسة الرياضيات او اللغة العربية والفنون او احد التخصصات التعليمية والأدبية لنعته المجتمع بالمجنون وانني أقترح أن يعاد النظر في تشريعات خاصة لمن يتقدم للدراسات التعليمية يكون التفوق شرطا أساسيا في مجال التخصص ورغبة الطالب الذاتية. 

لا سامح الله كاتب ومخرج ومن شاركوا تمثيل مسرحية مدرسة المشاغبين واولهم عادل امام والتي كان وقعها كارثيا وشوه فيها صورة المعلم . 

وعليه علينا واجب تعزيز دور المعلم في العقل الجمعي وان التعليم هو أشرف عمل يقوم به الإنسان وانهم ورثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة واتم التسليم ، ويجب ان يعرف الجميع ان خطأ الطبيب يودي بحياة انسان واحد ،وان خطأ المعلم يودي بدمار امة لذا اعود مستشهدا بقول احمد شوقي أمير الشعراء رحمه الله: 
العلم يبني بيوتا لا عماد لها ...والجهل يهدم بيوت العز والكـرم 
ونحن في زمن لاعز فيه ولا كرامة . 

بل إن تطور المجتمعات والرقي الحضاري مرهون بالتعليم وركنه الأساسي المعلم وورد بالحديث الشريف عن عبدالله بن عباس عن ابي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الرجل الصالح الخضر 
خاطب سيدنا موسى عليه السلام : 
يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه لا أعلمه 
ولماذا لا نقلد الدول المتقدمة في التعليم اما وقد قلدتم مساوئهم . 

فالاحرى ان نقلد ايجابياتهم واجد تجربة اليابان وما وصلت إليه من تقدُّم تقنيٍّ وحضاري بعد أن خرجت من الحرب العالميَّة الثانية مدمرةً مهزومةً، أكبرُ دليلٍ على أهميَّة دورِ المُعلِّم في نهضة المجتمع. 

وقد سئل إمبراطور اليابان ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: «بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلَّمنَا من أخطائهم، ومَنَحْنَا المُعلِّم حصانةَ الدُّبلوماسيِّ وراتبَ الوزير». 

فموقع المُعلِّم عندَهم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، بحيث يسبق بذلك وزراء ونوَّاباً وعسكريين وسياسيين ودبلوماسيين وغيرهم، وهذا ما يفسِّر سرَّ نهضة وتفوُّق اليابان العلمي. 

بل إنهم يُلقِّنون أبناءَهم حب وتقديس مهنة التعليم والمعلم، فيقولون: اجعل المسافة بينك وبين المُعلِّم سبعَ خطوات، حتى لا تخطو فوق ظله . 

وفي بلداننا يتجبر من يسمون رجال دين ويحرمون المظاهرت والاعتصامات ومطالبة الناس بحقوقهم 
ويعتقل ويضرب المعلم ويهان ويتم تعريته من قبل بعض افراد الاجهزة الامنية
ويتعرض المعلم لهجمة شرسة من المجتمع ومنتسبي الجيش والاجهزة الامنية 

كفاكم التغني بالديموقراطية المعلم ليس ارهابي ولا يعتدي على الاملاك العامة والخاصة ولا تسمح اخلاقه بان يعطل مصالح الناس .. 

حمى الله الوطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات