ماذا بعد الانتقادات الملكية المكثفة لأداء الحكومة ؟


كعادته ومن مبدأ حرصه على وطنه وشعبه والوفاء بأمانة المسؤولية وامتثاله لصحوة الضمير وممارسة التميز الإداري والمتابعة عن كثب لعمل الحكومة يقرع جلالة الملك عبد الثاني الجرس في توقيت هام وضروري وضمن حديث في غاية الأهمية يطرح فيه الرؤية الملكية للإصلاح الإداري والتي تبدأ بتوجيه القطاع العام إلى الطريق الصحيح بهدف تطوير أداء مؤسسات الدولة وتقديم الخدمة المميزة للمواطن وهو يشير بكل جراءة ووضوح الى مواقع الخلل والأخطاء ويطالب بضرورة التطوير ووضع نظم إدارية ومعايير كفاءة ترفع من مستوى الخدمات الحكومية وتؤدي لإصلاح عملي وفاعل للقطاع العام بشكل يكون له اثر اكبر ومباشر على واقع العمل الميداني والانجاز الحقيقي في حياة الناس .

وبكل الشفافية والوضوح وجه جلالة الملك جملة ملاحظات نقدية ضمنا ( أكثر من عشرين انتقاد ساخط ) لحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز خلال ترأسه جانبا من اجتماع مجلس الوزراء نهاية شهر آب الماضي حيث ابدي غضبه الشديد من أداء الحكومة وعدم تسجيلها لأي إنجاز منتقدا في الوقت نفسه التباطؤ في العمل والضعف في اتخاذ القرار وتعدد المرجعيات وعدم التقدم في القضايا ألاقتصاديه والاستثمار وقد حاول جلالته الاستفسار مباشرة من وزراء الطاقم الاقتصادي عن الأسباب التي تدفع الحكومة لتجنب إيجاد حلول لمشكلات الاستثمار المحلي وسأل جلالته باستغراب لماذا لا تناقش هذه المشكلات خاصة وان لدى القطاع الخاص عدة عوامل مهمة لجذب الاستثمار المحلي ولماذا إصرار " خطاب وزراء الطاقم الاقتصادي " على إحالة مشكلات القطاع الخاص إلى سلطات القضاء فضلا عن المماطلة في توفير الحلول لجذب الاستثمار أو منع إعاقة مسيرة وعمل القطاع الخاص وقد لمح جلالته ضمنيا ان هذا الأسلوب يعتبر سلبي وغير منتج لأن القضاء عليه ضغوط عمل كبيرة ولأنه من واجب الوزراء مناقشة المشكلات ومعالجتها واتخاذ القرارات التي تنسجم مع صلاحياتهم ونطاق عملهم والذي ينبغي عليه إن يكون الهدف الأساسي الذي يحتل جدول إعمالهم الوطني هو خدمة المواطن والتطوير المستمر لكفاءة الخدمات المقدمة له .

ورغم ما ابدي جلالة الملك من حلم وحكمة وحنكة وصبر وهو يستمع لحديث بعض الوزراء المطول حول انجازات وزاراتهم المضخمة وهو يعلم قبل غيره أن كثير منها يجافي الحقيقة ويجانب المصداقية ولا يتطابق مع الواقع وخلال مداخلة لأحد الوزراء تحدث فيها عن مبادرات معينه تنوي الحكومة القيام بها إلا أن جلاله الملك رد عليه بشكل حازم وحاسم بأننا لا نريد مبادرات وأحاديث بل نريد أفعال على الأرض وانجازات مشهودة يراها المواطن وتابع جلالته حديثه بنبرة حادة وعالية ( إذا لم يكن الوزير أو المسؤول على قدر الموقع والمسؤولية التي يشغلها فعليه التنحي والجلوس في البيت ) وهنا نتساءل يا ترى كم وزير أصاب هذا القول وكم وزير أيضا طأطأ رأسه خجلا وقال في نفسه ان الملك يقصدني !

وقد بين جلالة الملك وهو يضع يده على الجرح العميق ويقدم التشخيص الصحيح والعلاج ويعلن بكل صراحة وحزم أن القطاع العام شهد مؤخرا ترهلاً وضعفا في أدائه وتراجعا غير مقبول في طريقة تعامله مع المواطن وقد كانت توجيهات جلالته أشبه ( بزفرات غضب ملكي ونقد بناء معمق ) عكس حقيقة ضيقه الشديد من عدم تقديم الحكومة للحلول الممكنة لبعض المشكلات المزمنة والمتكررة وعجزها المستمر وتعثرها الواضح عن حلحلة الأوضاع بأي صورة وتحديدا ما يتعلق منها بالمعضلة الاقتصادية المتفاقمة وما ذكره الملك يمكن ان يصبح خارطة طريق وأساس يبنى عليه للحديث عن مشكلات متعددة داخل مطبخ طاقم الحكومة في الوقت الذي تعصف بها سلسلة من الخلافات والتناقضات بدأت تتوسع لتشمل العديد من القرارات الإدارية والاقتصادية والاستثمارية مما يستدعي الحاجة الملحة لتمرير تعديل وزاري جديد يشمل أعضاء بارزين في إدارة الطاقم الاقتصادي والتنفيذي والسيادي .

وفي اجتماع مجلس الوزراء المشار إليه تحدث الملك عن مهلة أربع أشهر تنتهي في نهاية العام الجاري لرؤية نتائج حقيقية على ارض الواقع وها هو الوقت يضيق على المهلة الملكية المنوحة للحكومة لوضع خطط وإجراءات ذات علاقة بالاستثمار والملف الاقتصادي والاجتماعي والتأكيد على ضرورة تنفيذ المشاريع الإستراتيجية المرتبطة بتحسين الواقع المعيشي للمواطنين وفقا للإطار الزمني المعد والاستمرار بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب وتوظيفهم وتشغليهم وتطوير برنامج لدعم وتمويل طلبة التعليم العالي خاصة في التخصصات التي يحتاجها سوق العمل وتجنب اتخاذ قرارات تؤثر على المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء والاستفادة من الإمكانيات السياحية الواعدة التي تتمتع بها مناطق المملكة بجميع أشكالها و تشجيع المغتربين الأردنيين على الاستثمار في المملكة .

ورغم كل توجيهات والمطالبات الملكية التي لم تجد أذنا صاغية لدى الحكومة لا زالت عمليات التطوير والتحديث والانجازات في عمل المؤسسات والأدوات المرافقة لم توصل الخدمة الحقيقية للمواطن ولم تجعله يشعر بالتغيير ما يعني ان التغيير المنشود لم يتحقق بعد لان الآية معكوسة هنا فالموظف يشعر انه سيد والمواطن يجب ان يخدم بدلا من ان تكون المعادلة الصحيحة ان المواطن هو الذي يجب ان تؤدى له الخدمة على أساس انه هو هدف التطوير والتحسين وهناك نقاط ضعف لا بد من العمل عليها حتى تكون العملية التطويرية المنشودة علمية وصحيحة وليست مجرد تجميلية فالملك يريد تطوير حقيقي للأداء الحكومي لا تكديس للآلات وحملة الشهادات وفي نهاية المطاف لا يكون هنالك إنتاج ولا عمل ولا خدمة للمواطن فيكون الضعف والتراجع والإخفاق الذي لا يرضى عنه إي طرف في المعادلة .

ولا بد هنا من الاعتراف صراحة بان العديد من مؤسسات القطاع العام تعاني الروتين القاتل ومرجع ذلك يعود الى قلة تأهيل وتدريب الموظفين حتى يعرف الموظف ما له وما عليه وحتى تقدم الخدمة للمواطن على اعتبار أنها حق من حقوقه وليست منة يمنحها هذا الموظف لهذا المواطن .

إن حديث جلالة الملك بمصداقيته وصراحته ووضوحه وضع الجميع أمام مسؤولياتهم فعلى القيادات المعنية أن تفهم وتنزل إلى الشارع وتستمع للمواطنين كونهم يملكون بالفعل الوصفة الناضجة للخروج ( بنمط عمل إداري ) صحيح كما أراده جلالة الملك ان يصل مباشرة للمواطنين كما ويجب على جميع الوزراء والجهات الحكومية أن يلتقطوا كلمات الملك وتوجيهاته بهذا الخصوص وترجمتها في الميدان بعيدا عن النمطية التقليدية في العمل .

نعلم جيدا أن بلادنا تمر هذه الأيام بمرحلة مفصلية دقيقة وصعبة ولا يخفى على أحد من أبناء الوطن سواء من داخله أو من خارجه ان الحكومة تمارس أعمالهما على وقع انتقادات شعبية وسياسية لاذعة لا تتوقف في ظل العديد من القرارات والإجراءات التي أثارت وخلقت استياء عام مدعوم بجمهور عريض من البفعاليات الشعبية التي يشهدها الشارع وهي تطالب برحيل الحكومة والغريب العجيب إننا نعمل في لأردن نعمل بطريقة تختلف عن دول العالم اجمع فإذا كان هناك مثلا وزير ليس بالمستوى المطلوب او مقصر فيعمله فإننا لا ننهي خدماته بل نسمح له بالبقاء 6 أشهر على الأقل بانتظار تغيير كامل للحكومة او تعديلها رغم إننا لا نملك ترف الوقت ولا إمكانية مزيد من التجريب والتأجيل أو التأخير وما حققته الحكومة حتى الآن وبشكل موثق هو" أقل مما يجب وأدنى من المأمول " في شتى المجالات وقد ظلت سمة التباطؤ والمراوحة هي السائدة على الأداء طيلة الشهور الماضية دون فاعلية واستمر حجم الإنجازات متواضع جدا مقارنة بالوعود وضعفت المساءلة والشفافية في أداء أجهزة الدولة وبقيت الحكومة تعطى الأولوية لتعديل وتطوير بعض القوانين الفرعية والثانوية على حساب قوانين الإصلاح الرئيسية التي تنقض البلاد .

وما زلنا حتى اليوم غارقين في متاهات الضياع نبحث عن الحلول ونتتبع جذور وأسباب هذا الواقع المرير في مسيرة الحكومات المتعاقبة وما نخضع له من عجز مزمن ومستشري في إدارات ومؤسسات الدولة سواء في التخطيط ـوالإدارة او عدم أهلية وجدارة الإفراد وسوء الاحتيار للوزراء والمسؤولين فهل هي ارتدادات جانبية للواقع الإقليمي والدولي وانعكاسات مباشرة لما يجري فيه أم هي نتيجة طبيعية وتغذية راجعة لضعف رئيس الحكومة وعدم امتلاكه استقلالية القرار من خلال الولاية العامة الحقيقية وهل تشكيل حكومات برلمانية سيكون أفضل عملا وأداء ومن المؤسف إننا جربنا حتى اصحنا حقول تجاب لكل تخصصات الوزراء من تكنوقراط وتقليديين وتقنيين دون احراز اي تقدم او تغيير يذكر والكثير من هؤلاء الوزراء كان لا يهمهم إلا الظفر بلقب الوزير وراتب التقاعد بعدما هبطوا على المناصب بالواسطات والمظلات ظلموا فيها أصحاب الخبرات والكفاءات وبعد خروجهم من دائرة الضوء والنفوذ والسلطة يصبحوا زعامات معارضة وتنقشع عن عيونهم الغمامة والضبابية حول التجاوزات والاخطاء وكثير من النواب والأعيان والوزرا يعلمون لمصالحهم الشخصية ويسابقون الوقت من اجل تحصيل اكبر كم من الامتيازات والمواطن يتجرع مرارة الذل والقهر والمهانة من ظلم القرارات وسوء الإدارات ومناكفات الوزراء وتخبط النواب وكثرة الرياء والنفاق والمتاجرة بالوطنية والولاء والانتماء .

ومنذ سنوات طويلة كل وزير يقف ( ويتغنى على مسرح الوطن ) بسمو وفخر واعتزاز عن انجازات وزارته الشكلية والواهية بالكذب والتضليل حيت لا تتعدى تلك الانجازات العظيمة تسيير الإعمال اليومية المعتادة ولا زال الطريق الصحراوي يحصد الأرواح البريئة الذي كان أخرهم قبل أيام المرحوم الدكتور احمد الحجايا نقيب المعملين وقبله الكثيرون قتلتهم اللامبالاة ولا زال بعض المرضى عندنا لا يجدون أسرة في المستشفيات الحكومية ولا دواء في الصيدليات العامة ويموتون من الإهمال الطبي وسوء الخدمات الصحية ولا زالت كذلك المثير من الأسواق تعج بالمواد التموينية المنتهية الصلاحية والمسرطنة التي يلتهمها الفقراء .

ولا زلنا نستقبل بالزغاريد دورنا في وصول المياه مرة واحد في الأسبوع ولازالت حكوماتنا تتاجر بإرباح فاحشة في بورصة الغاز والمحروقات و قد زاد انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية وهي تجتاح مستقبل الشباب والمراهقين والأطفال بالقتل والدمار وقد شارفنا بحمد الله على الدخول في موسوعة غنيس كأكبر شعب رجاله ونسائه مطلوبين للتنفيذ القضائي على ذمم مالية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وكثيرون منهم اصبحوا نزلاء في السجون وأننا الشعب الوحيد ربما في العالم الذي ينفق على حكومته ونوابه وأعيانه ومسؤوليه رواتب ومكافئات وامتيازات وقلوبنا تخفق واجفة في كل ليلة خوفا وفزعا من فرض رسوم آو ضرائب جديدة وقد استقر الفقر والجوع والبطالة بيننا كثالوث ابؤسا وشقاء وغير ذلك الكثير والكثير من المثالب والاوجاع مما لا يتسع ذكره .

مع كل ذلك سننتظر حتى نهاية العام الجاري ونراقب مسيرة حكومة أصبحت عاجزة وكليلة لنرى الأمور إمام أعيننا تزداد سوءا وخراب ( مالم يصلح أوله لن يصلح آخره ) ثم نقع من جديد في تنبؤات وتخرصات تغيير الحكومة آو إجراء تعديل موسع بذهاب الدكتور الرزاز ومجيء رئيس أخر في ظل ظروف وأضاع متجمدة ولا حياة فيها منذ زمن بعيد وضمن بيئة مقيدة وطاردة اعتدنا فيها استبدال الوجوه فقط وتدوير الوزارات على أبناء الذوات مع بقاء ذات النهج ونفس السياسات في مرحلة متشابكة ومعقدة تحتاج إلى عزيمة ومصداقية في معالجة الأزمات التي تواجهها الحكومة للنهوض بالأردن الذي رفع راية التقدم والنماء وواجه الصعاب والتحديات بكل أمانة ومسؤولية وشجاعة .

ولن يكون لنا خلاص ولا نجاة مما نحن فيه إلا من خلال اتخاذ القرارات الإصلاحية العاجلة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومحاربة الفساد وإشهار الحاكمية الرشيدة ومراجعتها ومراقبتها بشكل دائم بعدما أصبح المطلوب من الحكومة في ظل الواقع والتطورات تغيير " النهج والإجراءات " وتنفيذ مطالب المواطنين والحراكات التي تتعلق بالبرامج الإنسانية والتنموية والخدمية المطروحة حتى نستمر على قد الحياة ونعبر البحر بأمان وسلام .

وختاما : ندعوا الله لهذا الوطن العزيز المعطاء ان يبقى قويا منيعا عصيا على كل الدسائس والمؤامرات بحكمة قيادته ووعي أبنائه وان يظل واحة للأمن والاستقرار والتقدم والازدهار لأنه ليس لنا مكانا في الأرض سواه .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات