قناة العربية .. والتشويه المتكرر لسمعة المقاومة الفلسطينية !


يحضرني هنا قول مأثور للعالم الفلكي والفيلسوف والفيزيائي الايطالي جاليليو أثناء محنته العلمية في مجابهة المجمع الكنسي في عصره حين قال ( الرب وهبنا العقل و المنطق و الذكاء لنتصرف على ضوئهم ) لا لنترك من يريد التلاعب بعقولنا إلى آخر ساعة ليطمس فينا نور العلم ونبراس العقل و وشمس الحقيقة .

عندما تصبح بعض قنوات الإعلام العربية الموجهة مجرد عربة مأجور تسيرها أجندات فرعية خاصة تسيطر عليها مراكز قوى مكشوفة ومفضوحة في غاياتها وأهدافها البعيدة عن الأصول المهنية والأسس الموضوعية ومبادئ وقيم حرية الرأي والتعبير وهي تقتات بالمتاجرة الرخيصة والكذب الممجوج والافتراء المدسوس والتزوير الاحتيالي والتشكيك اليومي في التاريخ والقفز على حقائقه الدامغة والتلاعب بمفرداته وتسخیره لخدمة أغراض كريهة و قذرة الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول دورها المشبوه في تشويه وعي الأجيال العربية والتجند لصالح الاحتلال الإسرائيلي ومساندة تطبيع وجوده في المنطقة العربية وخدمة المخططات المعادية للأمة كتوطئة لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن التي تروج لها الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب بكل صعوبة .

ها هم اليوم بعض " نزلاء الأرض العربية " المتصهينون الجدد التواقون لقضاء فصول الصيف على شواطئ نتانيا وقيسارية وأيلان او العلاج في مستشفيات هداسا وتل هامشمير بدأوا يتحدثون العبرية لا باللفظ والكلام فقط بل بالفعل والممارسة والنهج بعد ما تخلوا عن قضية الأمة العربية المركزية وخلعوا ثيابهم العربية " ان كانوا لبسوها يوما " وكشروا عن أنيابهم وأزالوا القناع عن هويتهم الحقيقية والأسباب التي أنشئوا من أجلها وهم ينفثون سمومهم عبر الأثير ومن على منابر إعلامية ناطقة فقط باللغة العربية وقلبها وإمكاناتها مرهونة للأعداء .

قبل أيام قليلة بثت قنا العربية تقريرا زائفا عن عملة البيتكوين الرقمية بعنوان " ارهاب البتكوين " تناولت فيه لجوء بعض الجماعات المسلحة إلى العملة الرقمية المشفرة للحصول على التمويل والدعم المالي وقدمت كتائب القسام نموذجا وحيدا في تقريرها الذي أشار إلى تصنيف الذراع العسكري لحركة حماس " منظمة إرهابية " لدى بعض الحكومات الغربية وقد اتهمت كتائب القسام بشراء المخدرات وغسل الأموال وفي معرض الردود على التقرير وصفه الكثيرين بالسقوط الأخلاقي المدوي والانزلاق الخطير نحو التطبيع والخيانة لما استخدم فيه من مصطلحات وعبارات تساوقت كثيرا مع الطرح والرؤيا الإسرائيلية حول تصنيف ووشم المقاومين الفلسطينيين كإرهابيين في مواضع عدة بما يعني أن القناة تعتبر الاحتلال هو الطبيعي والأصل وأن حق الشعب الفلسطيني في مقاومته هو حق ساقط ويعتبر جريمة إرهابية .

من المؤسف جدا ان تصدر هذه الاتهامات من قناة تدعي عربيتها ولو بالاسم في الوقت الذي يمارس فيه العدو الصهيوني أبشع جرائمه وعدوانه وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني والقدس والمسجد الأقصى مما يستدعي ضرورة وقف مثل هذه الأوصاف الغريبة والمخالفة للمواقف المعهودة والتي من شأنها المساس بسمعة الشعب الفلسطيني وتاريخه ونضاله والإساءة لمقاومته الباسلة والتحريض عليها وهي التي تمثل رأس الحربة في الدفاع عن فلسطين وعن عزة وكرامة الأمة جمعاء فضلا عن أنها تعتبر انحيازا سافرا وكاملا للاحتلال الصهيوني ولا تخدم سوى مصالح أعداء فلسطين وتمنح الضوء الأخضر والغطاء القانوني للاحتلال لتصعيد عدوانه على الشعب الفلسطيني وتهيئ المناخ الدولي للقبول بعدوان جديد على الشعب الفلسطيني بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص .

قناة العربية ومنذ الإعلان عن إنشائها في 3/ 3/ 2003 قبل أيام معدودة من الحرب الأمريكية على العراق وفي ظل ظروف وأضاع كانت مفعمة بالتنازلات والمؤامرات ظهرت فجأة كأداة إعلامية إقليميّة جديدة تعمل لخدمة أجندات وسياسات محددة بمساعدة مراكز دراسات و أبحاث أكاديمية وإعلاميين ومهنيين من انكشاريي الطابور الخامس حتى أصبحت مع الأيام منبرا متخصصا ينسجم مع الدعاية الصهيونية في التحريض على المقاومة الفلسطينية ومنصة عالمية للتواصل تتحدث بلسان إسرائيلي مبين وذراع تسويقي لوجهات النظر الإسرائيلية وذك حسب رأي العديد من النشطاء الذين عبروا عن غضبهم واستهجانهم لسياستها وسط دعوات متكررة لإلغائها ووقف متابعة كل منصاتها ومقاطعتها لدورها الإعلامي المشبوه في تناول قضايا الشعب الفلسطيني ومقاومته ضمن سباقها المحموم للدخول في بازار التسيب الإعلامي السائد في السنين الأخيرة بشكل ملفت حيث لم تتوانى العربية باسلوب مثير عن مهاجمة المقاومة الفلسطينية ومحاولة شيطنتها وربطها بمنظمات إرهابية ومتطرفة بالمنطقة والعالم وتقديم برامج وتقارير معادية لها كشعار مبدئي وثابت لعملها كما أنها شرعت أبوابها لاستضافة وتلميع كل من هو متواطئ مع الكيان الصهيوني وكل العرب الذين اختاروا الخنوع والاستسلام والتطبيع اؤلائك الذين انساقوا عميانا وراء وصف النضال المشروع للشعب الفلسطيني بالإرهاب وتبرئة دولة الاحتلال من كافة جرائمها الفاشية التي رفضتها وحرمتها كافة المواثيق والقوانين الدولية .

المقاومة الفلسطينية أصيلة وحق مكتسب كحركة تحرر وطني تناضل من أجل الحرية وتمارس مقاومة مشروعة ضد احتلال " إحلالي " إرهابي يستهدف البشر والشجر والحجر وتعمل وفقًا للقوانين الدولية وبنود اتفاقية لاهاي التي نصت على مشروعية مقاومة الاحتلال وهي تدافع بشكل مشروع عن الأرض والعرض والمقدسات وتوجه البندقية نحو المعتدي المغتصب وتطالب بكافة حقوق الشعب الفلسطيني والمقاومة شرف وعزة و من يحاول عرقلتها خائن للأقصى ولفلسطين والأمة وإن إسرائيل كانت وستبقى دولة عدوان وما تقوم به يوميا من ملاحقة وسجن وتصفيات للفلسطينيين على حواجز الذل ومواصلة إقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها هو فعل الاحتلال الغاصب .

والإرهاب الحقيقي الذي تتغاضى عنه قناة العربية هو الإجرام الوحشي الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين وممارسة القتل الجماعي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وسفك دماء الأطفال بدعم وغطاء أمريكي رسمي والإرهابيون هم من يقفلون معبر رفح ويفرضون أظلم حصار عرفه التاريخ المعاصر على مليون ونصف من الرجال والأطفال والشيوخ والنساء ويمنعون عنهم الماء والكهرباء والدواء والغذاء والمقومات الأساسية للحياة حصار تستخدم فيه القرصنة الجوية والبحرية والبرية لمنع وصول قوافل المساعدات الإنسانية العربية و الغربية لهذا الشعب المنكوب ويقتلون حاملي هذه المساعدات في عرض البحر غربيون وأوربيون وأتراك جاءوا مخاطرين بأرواحهم في سبيل المساعدة في فك هذا الحصار الظالم .

ليست هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها قناة العربية المقاومة الفلسطينية وفصائلها عبر برامجها المختلفة وهي تعيش أزمة داخلية حادة وسوء تدبير وعشوائية تدلل علي حاله الارتباك وخلط الأوراق في دهاليزها و تبرزعدم قدرتها على الانحياز للحرية والعدالة والإنسانية التي انتصرت دائمًا لمقاومة الاحتلال عبر التاريخ وعند كل الأمم والأديان خاصة وان المقاومة الفلسطينية لم تحارب إلا إسرائيل ولم تقصف سوى مدنها وان نعتها بالإرهاب يعطي خدمة مجانية لإسرائيل وترديد أحمق لكلام وتصريحات النتن ياهو المرفوضة وهي تدافع عن ثوابتها وتوجهات شعبها في مواجهة العدوان الأمريكي – الإسرائيلي " رأسي الشر والإرهاب العالمي " ولن ترهبها قوائم الإرهاب وتوصيفاته وهي لا تمارس ما تمارسه المنظمات الإرهابية المتطرفة ولديها قضية وهي جزء من نسيج الشعب الفلسطيني ولم تعمل ضد أحد في الخارج وكل هذا الاستعداء والاستهداف يأتي في سياق محاولات نزع سلاحها تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية وستبقى المقاومة الفلسطينية ببسالتها وصمودها تمثل الشرف والعزة والكرامة ولمبغضيها حصاد العار والخزي والعمالة والقذارة في زمن العهر والتطبيل الذي أصبحت فيه المقاومة إرهابا .

بالعودة إلى الوراء سنوات وسنوات نلاحظ الأفضلية المعطاة في قناة العربية للناطقين الإسرائيليين في مواجهة المتحدثين الفلسطينيين وقتا ومناقشة وتركيز وفي عدة برامج سابقة حاولت القناة تقديم مبررات إنسانية لهجرة اليهود إلى فلسطين واعتبارهم فئة مستضعفة واستخدامها مصطلح ( قانون العودة ) في وصف موجات الهجرة اليهودية ومحاولة إيجاد صلة دينية وتاريخية بين اليهود وفلسطين والتركيز على معابدهم وطقوسهم التلمودية وقد وصفت أعمال المقاومة الفلسطينية وثورة1936بأعمال شغب مدنية وخروج على القانون وهاهي اليوم تصف جهاد المقاومة الشرعي بالإرهاب وفي التقديم والتحليلات كانت تصف عصابة الهاغاناة الصهيونية الدموية بأنها جماعة مسلحة تقاتل من أجل الدفاع عن " اليهود الفلسطينيين " بدون التطرق إلى عملياتها الإرهابية والتي دفعت بريطانيا راعية الكيان إلى حظرها وكذلك تجنبت وصف عصابة الليحي التي ارتكبت مجازر عديدة من بينها مجزرة دير ياسين بأنها عصابة إرهابية وادعت بان التهجير القسري للفلسطينيين كان هجرة بسبب ظروف الحرب وليس بسبب المجازر الصهيونية .

قناة العربية تصدرت في المرحلة الاخيرة قائمة القنوات المعادية للمقاومة وتفننت في قلب الحقائق وبث الأخبار المفبركة والمخالفة للواقع وشن حملات واسعة من الأكاذيب لتصعيد الوضع في عدة دول عربية كليبيا وتونس واليمن والعراق وسورية بأسلوب التجييش الإعلامي المأجور وتعبئة الحقد والكراهية والطائفية والتحريض على الإجرام والخراب بالمنطقة العربية كاملة دون أي اعتبار للمصداقية والحقيقة والتحري أوالتزام الوازع الديني و تعظيم القيم والضمير والأخلاق الإنسانية حيث كان هدفها الرئيس خلق الفتنة وتعميق الشرخ وبقاء العداوة والاحتراب وتثبيط معنويات المجاهدين وتمكين إسرائيل من السيطرة والغطرسة كشريك في التخطيط والترويج والتنفيذ مثلما أنها شريكة في المسؤولية عن الأرواح التي تزهق والدماء التي تهرق .

ولم يبالغ بعض المحللين والكتاب السياسيين عندما وصفوا هذه المحطة الإعلامية بالمأجورة والتي تحولت بالفعل إلى ( قواعد للمارينز الإعلامي ) الذي يشن هجوماً شرساً على كل من يحاول عرقلة ومجابهة سير العجلة الاستعمارية للسياسة الصهيو- اميركية الهادفة إلى الهيمنة على الأمة العربية وتصفية القضية الفلسطينية وتسييد إسرائيل على المنطقة.

يشار إلى إن المقاومة أعلنت في وقت سابق عن بدء استقبال الدعم المالي بعملة الـ "بيتكوين" من محبيها وأنصارها حول العالم وذلك عبر عنوان المحفظة الرسمي والوحيد الذي نشرته على موقعها بعدما عملت إسرائيل على إغلاق كل سبل تلقي الدعم المالي في وجهها .

إن اختلافنا مع المقاومة الفلسطينية في بعض الملفات أو حتى كلها لا يعفينا من الاصطفاف في خندقها في ظل تكالب الأمم المتآمرة وأبواق الإعلام الحاقدة عليها وخروج الجرذان من جحورها لتقرض صمودها وهيبتها وتطعن ظهرها بالتزوير والافتراء والخيانة فقد بلغ السيل الزبى وتجاوز كل الحدود في أكثر من مستوى فعلا انه زمن الغدر والخيانة أصبح عندهم فيه العدو صديق يدافعون عن ممارساته الإجرامية ويحمون إرهابه .

اختم بما قاله الأديب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران " ويل لأمة عاقلها أبكم وقويها أعمى ومحتالها ثرثار" وهنيئا للكيان الصهيوني سفيره الإعلامي المعتمد الذي يرعى مصالحة ويسهر على راحته وتنفيذ سياساته .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات