عيد .. بأي حال عدت يا عيد ؟


هاهو شهر الخير والرحمة قد شد رحاله وودع قلوب المحبين ودموع العارفين .. وقد طوي بساطه وقوض خيامه .. رحل ليتركنا نعيش لحظات تختلج فيها مشاعر الحزن على فراقه والفرحة بقدوم مسك ختامه.. إنها لذة الفرحة بعد الطاعة وثمرة السعادة بعد العبادة..
فرحة حلول عيد الفطر السعيد .. تلك الفرحة التي نستقبلها صغارا وكبارا بالتكبير والتهليل مع نسمات صباحه الأولى.. فأهلاً بيوم المودة والصلة .. والخير والعتق من قيود النفس الشحيحة .. مرحبا بك يا سعادة الغني بالبذل والعطاء .. وفرحة الفقير بسد الحاجة وتحقيق الأمنيات ..
وإن كانت كلمة عيد تختزل في حروفها ومعانيها ومراميها كل ما هو جميل وخير.. فإنها تنطلق من مناسبة حيوية مهمة .. حيث نعيش الفرح الكبير فيها .. ويحاول أن يمدّ هذا الفرح من خلال ما يمدّ به المناسبة في الذكرى تارةً .. وفي الممارسة تارة أخرى..
عيد يأتي لعله يجدد محبتنا لأنفسنا التي ذابت في ملفات الهموم وضاعت في زحمة الحياة وتعقيداتها .. وكل تلك الإفرازات السلبية التي تحاصرنا طوال العام..
دعونا نحتفل بهذا السعيد بأحاسيس تخص كلا منا.. ولكنها تلتقي في احتفالية التطهر من العمل والسعي.. والحقد.. والحسد.. واستهلاك الأيام دون محاولة لتفح أبوابها على لحظة حلم أو جمال!
وأنت في إحساسك المشروع .. بأن هذه أيام عيد .. وليست مجادلة تتأسف عليه .. وهو هكذا حاملاً كل هذه الهموم الحياتية التي أنت وغيرك يحملها .. ولكن الفرق بينكما أنك يجب أن تقرر أن تكون في حالة تصالح مع نفسك.. وفي حالة فصل دائم لتفاصيل الحياة المفرحة والمؤلمة
والعيد يعود كل عام.. مرتبطاً بالبهجة والسعادة ..فالعيد أفراح لا مكان للحزن فيه.. فالزمان يمر وله محطات يثير فيها كوامن النفس.. يزعج الخاطر.. يحرك الجوارح .. الساعات تمضي.. والشهور تمضي.. والسنوات تمضي.. تحمل فيها الذكريات الجميلة.. والذكريات الأليمة.. وما تصطنعه نفوسنا وأوهامنا.. العجلة تدور.. والفلك يدور.. وكل ما فيه يدور.. وخلال الدوران يقذف بعضنا خارج الدائرة.. ليستقر في حفرة أعدت بطوله وعرضه.. لتكون نزله إلى يوم يبعثون .. يأكله التراب.. حتى لا يبقى منه إلا ما هو مذكور.. والبقية تنتظر دورها في كل دورة.. كالحبوب إذا وضعت في الرحى.. والرحى يدور.. يطحن ما يمر عليه.. فما لم يطحن أولاً.. طحن في الثانية.. أو في الثالثة.. أو في الرابعة..حتى لا يبقى من الحب شيء.. { وما الحياة الدنيا إلا متـــــــاع الغرور}.
فبأي حال عدت يا عيد .. هذا ما قاله أعظم شعراء العرب أبي الطيب المتنبي نادر زمانه وأعجوبة عصره والذي عاش في عهد بعيد قليلاً ...عهد البساطة والبدائية والوضوح .. كانت العلاقات فيه بين الأفراد أكثر صدقا ودفئا وواقعية .. وكانت المعاملات أقل تعقيدا وأكثر سماحة مما نحن علية اليوم.. فان المرء يتساءل : يا ترى ماذا كانت عليه أحوال الناس من التذمر واليأس في ذلك العهد البسيط والواضح حتى يتساءل شاعر له تاريخه الشعري العريق عند قدوم عيد المحبة والفرح والتواصل :
(بأي حال عدت يا عيد ؟ هل بما مضى أم بأمر فيه تجديد؟ )
ربما كان ذلك تعبيراً لتجربة شخصية فردية لشاعرنا .. ليكون الحال خاص جدا .. وربما كان الخطب جلل والأمر عصيب .. يتعلق بحال أمة .. خاصة وان المتنبي شاعر له ثقله الثقافي والاجتماعي والسياسي وله رؤيته وتحليلاته .. وبالتأكيد فطنته وذكائه ..
فهو من قـــــال :
أغاية الدين تحفّوا شواربكم يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم؟
وهو القــــــائل :
كلما انبت الزمان قناة ركّب المرء في القناة سنانا

إن المرء ليقف عند هذه الأبيات الشعرية .. التي أراد بها شاعرنا المخضرم معنى مبطنا .. هو أن الأمر عصيب يتعلق بحال أمة .. وهنا دعونا نتساءل : .. ماذا سيقول المتنبي لو كان قد ظهر وعايش واقعنا ورأى ما به من أنين .. أنيناً يحاكي ضمير الأمة يتجه نحو اختراق النفس البشرية ليرسم عالما جديداً لا يعترف بحق المستضعفين في الأرض .. ماذا سيقول وهو يسمع نداءات الثكالى وأمهات الرجال في ديار العرب والمسلمين ؟ نعم ماذا سيقول وهو يرى الأرض غير الأرض والإنسان غير الإنسان .. سيهجو من ويمدح من ؟ ! ....

بالطبع .. سيقول أبياتا تخاطب العقل لان هذا من صلب تخصصه ومنطقه .. ولن يقول أبياتا تخاطب العاطفة .. وسيطلب من الإنسان أن يستقبل الأعياد بكثير من الفعل الطيب وقليل من كلام الزيف والخداع .. وسيحث على التجديد لا الجديد .. وهنا بيت القصيد ... ولكني أقول : زمانك ليس زماننا يا فارس الفرسان ..
آه منك يا عيد حتماً عدت ؟ عدت من جديد بنفحاتك البهية والنورانية .. ونسماتك الإيمانية..عدتَ ولم تخلف الميعاد..لم تخلف الوعد..عدتَ بـموعدك الحتمي رغم كل شي ... تذكرنا بواقعنا الذي هو رغما عنا واقعنا .. ولن يتغير الميدان .. عدت تستنهض همم الرجال التي تؤول إلى ذكريات عبقت بها مخيلاتنا .. إلى تاريخ يعربي مشرف .. عدت والحدود ما برحت تفصل بيننا..عدتَ يا عيد..عدت وما تهيأنا بعدُ لقدومك.....
.. اعذروني أحبتي .. فما قصدت إلا أن أشارك الميعيدين فرحتهم و بهجتهم .. وعسى كل أيامكم أعيادا ..
وكل عام وانتم بخير .. وأردننا بخير
.... ودمتم سالمين ....

Fsltyh@yahoo.com



تعليقات القراء

عبدالله اللواما
و انت بالف خير و سلامة يا استاذنا الفاضل . و جعل الله وطننا و امتنا بكل خير انه على كل شيء قدير .
12-09-2010 07:30 PM
قلم US
أرجو ألا تكون تلك الفضائل والأخلاقيات التى تحلينا بها فى رمضان مجرد نموذج عابر أو مؤقت للشخصية الإسلامية فديننا الحنيف لم يأمر بمنهج عبادة خاص بذلك الشهر ومنهج آخر لبقية العام!!فالمبادئ والأسس الإسلامية واحدة من شأنها تكوين مجتمع أفضل ورمضان أحد الأمثلة الواقعية لسمو العقيدة الإسلامية، وكلنا يعلم أن سر قبول الطاعة هو أن تدفعنا لأخرى وأن أفضل الأعمال أدومها وإن قل..
19-09-2010 06:23 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات