لماذا العلم والمعرفة


نحن نظلم الدين بعدم فهمنا له، ونركض وراء افكار مستحدثة والفاظ تنم عن فلسفة وجودية تهين كرامة الإنسان. وما كُتِب عن الفلسفة الوجودية الدنيوية يمكن تلخيصه في أبيات من معلّقة ” طرفة بن العبد البكري” أو الوجودية الدينية في أواخر الأبيات من رباعيات الخيام.

وقد يتهمني البعض بالتبسيط، خاصة جمعية الفلسفة الأردنية وكلهم محترمون وجديرون بالتقدير، ولكن في القرآن على سبيل المثال حوالي ثمانمائة آية تحض على العلم، وتحترم العلماء، وتدفع نحو التأمل والتبصر والتفكر والتدبر، فأين نحن من هذه الروح لما أدركها العرب والمسلمون عندما وصلوا أوج إبداعهم العلمي، أنتجوا للعالم افضل خمسة وعشرين عالما حياتيا (ليس الشريعة والفقه بل الكيمياء والأحياء والرياضيات وغيرها) ولمدة خمسة قرون متوالية. وهذا أمر لم تحققه أي حضارة أخرى في العالم.

وقد أهاج هذه الأفكار عندي ما قام به عالمان من استراليا باكتشاف مادة (SSB1) وتطويرها بحيث تقاوم الشيخوخة وتعكسها عن طريق تقوية إنتاج الإنزيم والمادة التي تقاوم الأمراض المستعصية مثل السرطان، والزهايمر، والشلل، والأرثرايتس (تصلب المفاصل)، وغيرها. وقد رفض العالمان الأستراليان كل الإغراءات لبيع هذا الاكتشاف إلى شركات الأدوية الأميركية العملاقة مثل (فايزر) وغيرها.

وإذا قامت هذه الصناعة بأستراليا، وبدأ انتاج هذا العلاج المقاوم للشيخوخة، فيقدر أن بلايين البشر سيقومون بشرائه مما سيجعل استراليا دولة تتمتع بضعف دخلها الحالي. وقد يبدو الأمر أقرب إلى الخيال العلمي. ولكن الاسم الذي يطلق على هذه المادة الجديدة هو “سوبر بروتين”، والتي اكتشفت بالصدفة في سكوتلندا، حيث وجدوا خلايا حية معمرة من بلايين السنين، ومن هنا ابتدأت البحوث.

وبالمقابل، فإن هذا الاكتشاف الذي سيكون بترول استراليا الجديد لن يمر بدون مقاومة، فقد قام مجموعة من العلماء الأميركان بإنشاء منتدى في مدينة بوسطن الأميركية بحجة أنهم سوف يدرسون بالمجان كل المنتجات الدوائية التي تدعي أنها مضادة للشيخوخة لأن الإقبال عليها سيفتح شهية الكثيرين على احتمالات الربح السريع. وقد يكون الهدف نبيلاً، ولكنه يعطي الجانب الأميركي فرصة ليصبحوا الحكام الذين يمررون الدواء أو يعرقلونه. وهذا يعطيهم في المحصلة قوة تساومية كبيرة تستفيد منها الشركات الدوائية الأميركية.

وبالطبع، فقد استفاد هذا المبتكر البروتيني الجديد من البعد الديمغرافي حيث يعمر الناس اكثر من السابق ويريدون الاستمتاع بشيخوختهم، ومن علم النفس برغبة الناس في العيش مدداً أطول، ومن علم الاقتصاد في تحقيق ربح أكبر. ولكن ماذا سيحصل للأدوية ذات السعر الباهظ والمقاومة للسرطان والزهايمر والسكري وتصلب المفاصل وغيرها؟

لا شك أن الربح الوفير، واحتمالات نقل الاقتصادات للدول من مستوى إلى مستوى أعلى يتحقق عن طريق العلم والبحث والتطوير. وقد قالها جلالة الملك عبدالله مرات عديدة بضرورة التحول إلى اقتصاد المعرفة، وأنشأ سمو الأمير الحسن بن طلال العام (1970) الجمعية العلمية الملكية، وأنشأ عبد السلام المجالي بتوجيه ودعم من الراحل جلالة الملك الحسين المدينة الطبية.

نحن بحاجة الآن إلى معهد ملكي للبحوث العلمية في مجالات محددة تفتح علينا أبواباً محتملة لانطلاقات فذة. وأخص بالذكر مجال الأعشاب البرية والطبية، والعودة للتراث، من أجل اكتشاف يسهم في سعادة البشرية ويحقق للأردن سمعة وتفوقاً. والمجال الآخر هو البرمجيات الذكية وتطبيقاتها، والمجال الثالث هو الزراعة والمياه.

ويجب أن نخصص لها الأموال الكافية، ونجد لها العلماء المتميزين والطلبة الأذكياء المؤهلين، وأن نضمن لها سرية العمل حتى تحصل معجزة ما.

قد تكون الأفكار الإبداعية الخلاقة حولنا، وأمام ناظرنا، ولكن لا نراها. وعلينا أن نؤمن بأن التأمل والتبصر والتفكر والتدبر هو الذي جعلنا أمة ذات شأن عظيم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات