الهروب من الشمس!


منذ ستة أشهر لم ير الشمس، هرب تجنّبا للسجن في الأردن قبل ثلاث سنوات لتلك الدولة الخليجية بعد أن تعثرت تجارته وأغلق مجموعة محاله التجارية وخرج منها بنحو مليون دينار ديونا لا يملك منها قرشا، فبات ملاحقا من التنفيذ القضائي بقضايا شيكات مالية بدون رصيد، وبمجموعة أحكام مفتوحة تقفز حتى الآن عن عشر سنوات من السجن قابلة للزيادة وفق نصوص قانونية فضفاضة ومفصّلة لخنق من تخسر تجارته وأعماله ويقع فريسة الديون والشيكات!

هو الآن بلا جواز سفر بعد انتهاء صلاحية جوازه وعدم السماح له بتجديده لأنه مطلوب بقضايا مالية، وبالأثر بات، هو وعائلته، بلا إقامة رسمية بتلك الدولة الخليجية، ومهدّدا بأي لحظة بالاعتقال والإبعاد للأردن ليتلقفه السجن وليتلقف الفقر والحاجة عائلته وأطفاله، طبعا مع فقدان الأمل بقدرته على سداد قرش واحد من ديونه، وهو الآن يشتري الوقت فقط قبل أن تغلق الدائرة الشيطانية عليه وعلى أسرته لا لذنب إلّا لأن تجارته خسرت والسوق ضرب، ولأن التعليمات القانونية، بل قل الإدارية غير الدستورية، تحرمه من حق دستوري بتجديد جواز سفره لأنه محكوم بقضايا مالية.

هذه الحالة، التي أتابع تفاصيلها من قرب، هي واحدة من عشرات آلاف الأردنيين الذين شتتهم منافي الهروب من الحبس بقضايا مالية وشيكات تراكمت أعدادهم بالسنوات الأخيرة بعد أن انهارت تجارات وأعمال الكثيرين جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع الضرائب وكلف الإنتاج والتخبط الحكومي الذي لم ينقذ اقتصادا ولا أبقى على مستثمر محلي أو أجنبي، وتسبب بالمحصلة بتعميق الفقر والبطالة والانكماش وانهيار عشرات آلاف المصالح التجارية والانتاجية المتوسطة والصغيرة، والزج بأصحابها بقضايا مالية وتسريح عمالها وموظفيها.

ليس موضوعنا هنا الاقتصاد؛ بل حبس المدين والشيكات المالية، التي باتت قضية عامة تغرق عشرات آلاف الأسر بمستنقعات العوز والحاجة والانهيار، وتولّد آليات معالجتها ومقارباتها القانونية الحالية مشاكل قانونية واجتماعية وأمنية متشابكة وخطيرة.

هي قضية تشهد جدلا ونقاشات عامة واسعة عبر مواقع التواصل والمنابر الإعلامية ويتصدى لها قانونيون ونشطاء ملتزمون وحافظون لدرسهم القانوني والحقوقي، وباتوا متابعين لأدق التفاصيل حول تشعّبات هذه القضية وللآراء القانونية والدستورية التي تحيط بها، ولديهم وجهة نظر قوية ومتماسكة تستحق الاستماع لها ومناقشتها رسميا وتشريعيا إن كنا حقا نقر بهذه المشكلة الواسعة والمتزايدة وبضرورة تقديم معالجات متكاملة وعادلة لها.

اليوم؛ يتقدم نحو مائة نائب بمذكرة نيابية تطرح هذه القضية بقوة، وتطالب بتعديلات تشريعية تطال قانوني العقوبات والتنفيذ القضائي “بما لا يجيز حبس المدين اذا تعذرت قدرته على السداد لعجز مالي مثبت، مع إبقاء حق الدائن غير منقوص وايجاد بدائل قانونية عن السجن” بحسب المذكرة، والتي أشارت إلى أن عدد المدينين المتعثرين داخل وخارج الأردن يزيد على 250 ألف مواطن!

هل يعني ذلك أن الحلّ لهذه المشكلة الواسعة بات قريبا؟! نتمنى ذلك، لكن المشكلة هنا هي في أن ثمة رأيا آخر ونافذا يدفع لعدم الوصول لمثل هذا التشريع والحل ويشدّد على إبقاء العقوبة الجزائية على الشيكات دون رصيد بكل الحالات، وصاحبه هو تيار اقتصادي ومالي نافذ تمكن قبل أشهر من تمرير رأيه في مجلس النواب ذاته، بإلغاء نص في مشروع قانون العفو العام كان يشمل قضايا الشيكات المالية بالعفو من العقوبة الجزائية مع ضمان الحقوق المالية.

مطلوب من الحكومة ومجلس النواب اليوم وضع هذه القضية الخطيرة على الطاولة وفتحها لنقاش قانوني ودستوري ووطني واسع ومنتج، للخروج بحلول جذرية تكون عادلة للجميع وتلحظ توسع ظاهرة المحبوسين والهاربين خارج البلاد على خلفية قضايا التعثر المالي والشيكات، وما تخلفه من كوارث اجتماعية وإنسانية واقتصادية وأمنية تطال أسر 250 ألف مواطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات