جريمة وادي الحمص عنصرية إسرائيلية ثابتة وممنهجة


في عدوان إسرائيلي جديد ممنهج وتصعيد إجرامي خطير مبيت ضد الشعب الفلسطيني الأعزل شكل جريمة توسع استعماري وتهجير قسري وتطهير عرقي ضد الإنسانية حيث شهد العالم قبل أيام أكبر مجزرة " هدم جماعية " لمنازل فلسطينيين يقوم بها الاحتلال في القدس منذ العام 1967 حين شرعت الجرافات الإسرائيلية بسحق وتدمير 12 عمارة سكنية تضم 100 شقة في منطقة وادي الحمص بحي صور باهر جنوب القدس تحت حراب قوات الجيش والشرطة بعدما طردوا أصحابها منها بقوة السلاح والاعتداء عليهم بالضرب وقنابل الغاز والصوت وحرموا عشرات العائلات المقدسية من منازلهم ومن ممارسة حقهم الطبيعي بوجود سقف يأوي نساءهم وأطفالهم وقد اعتبر ما جرى لهم نكبة جديدة تضاف إلى النكبات المتتالية على مدينة القدس التاريخية .

وهي المرة الأولى التي تتم فيها عمليات هدم للمنازل في مناطق خاضعة لحكم السلطة الفلسطينية إداريا وامنيا بموجب اتفاقيات أوسلو مما جعلها سابقة خطيرة تهدد عملية السلام وتقوض بشكل مباشر حل الدولتين وتضيف دليلاً جديداً يؤكد الطابع العنصري والاستيطاني والعسكري لدولة الاحتلال التي تتفاخر الدنيا بأنها واحة الديمقراطية واحترام القانون وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط كما تذكّر بأن " التطهير السكاني والعمراني " كان وسيظل أحد أكبر أركان هذا الكيان الغاصب الذي يتبنى منطق الاستبداد والسيطرة بالقوة وفرض سياسة الأمر الواقع .

وكعادة الاحتلال بالكذب والتضليل وخلق المبررات الواهية والسخيفة لكل اعتداء وجريمة أعلن ان أسباب هدم هذه المنازل يعود لقربها من جدار الضم الأمني وهو( عبارة عن شارع محاط بالأسلاك الشائكة والمجسات الالكترونية ) منعت إسرائيل البناء على بعد 250 مترا منه بذريعة الاحتياطات الأمنية تارة ولعدم الترخيص والبناء على أراض خضراء تارة أخرى في حين أكدت السلطة الفلسطينية أن أصحاب المنازل حصلوا على رخص بناء قانونية من الجهات المختصة الفلسطينية باعتبار أن منطقتهم واقعة تحت مسؤوليتها المدنية وفي الوقت الذي تمنع إسرائيل الفلسطينيين من البناء قرب الجدار الأمني سمحت لعدد من الإسرائيليين ولمجموعة شبكة المتاجر " رامي ليفي " مؤخرا بإقامة مجمع تجاري بالقرب من الجدار في شمال القدس مما يؤكد بطلان كافة الحجج والذرائع التي يستند إليها الاحتلال لتسويغ أعماله الهمجية .

الهدف الخفي والحقيقي لكل هذه الإعمال الإجرامية المتواصلة مكشوف ومعلوم لدى الجميع وهو التهجير المواطنين الفلسطينيين القسري من أراضيهم وبيوتهم وتفريغ مدينة القدس من أهلها بشكل خاص ضمن سياسة تهويد المدينة والإسراع في التخلص من العبء العربي فيها بالتمييز العنصري البغيض لإجبارهم على الرضوخ والتنازل إضافة إلى تأسيس سابقة عملية خطيرة تمكن قوات الاحتلال الإسرائيلي مستقبلا من هدم العديد من المباني الفلسطينية الواقعة بالقرب من جدار الضم الإسرائيلي دون تقديم أي مبررات او دفوع وان ما جرى في وادي الحمص هو جزء من سياسة توسع استعماري وتطهير عرقي في محيط القدس على حساب الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني وان هذه المجزرة الرهيبة ترجمة فعلية لأحد صور قانون القومية العنصري وما يسمى " بـصفقة ترامب " الهادفة إلى فرض واقع جغرافي وسياسي جديد على الأرض لتصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية بالقهر والقوة والعدوان .

ان سياسة هدم منازل الفلسطينيين هي امتداد لممارسات وإجراءات وقوانين عنصرية وإجرامية يستهدف فيها الاحتلال اقتلاع الوجود الفلسطيني التاريخي من خلال حملة عنصرية إسرائيلية منظمة وجملة إجراءات تعسفية ظالمة وغير قانونية وغير إنسانية وهي أيضا مخالفة واضحة للقوانين الدولية ومحاولة لتغيير الطابع والتركيبة السكانية للقدس وتحد صارخ للشرعية الدولية والاتفاقيات الثنائية تعكس في المحصلة استخفاف الكيان الإسرائيلي بالقوانين الدولية وقرارات الشرعية الأممية مما جعلها محل إدانة واستنكار من قبل المجتمع الدولي ممثل بمنظمة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومنظمة العمل الإسلامي والعديد من دول العالم ما يستدعي تحرك إقليمي ودولي لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ومطالبة إسرائيل القوة المحتلة بوقف هدم منازل الفلسطينيين ومساءلة قادتها وقياداتها عن تدمير وتخريب الممتلكات الخاصة الفلسطينية .

وقد ثبت يقينا في هذا الشأن أن المحاكم والقضاء الإسرائيلي غير مؤهلة للنظر في جرائم الاحتلال لأنها جزء من المشروع العنصري الصهيوني وحامي وراعي وداعم لجميع ممارساته العنجهية في إطار الترويج لعدالة زائفة تكشف في كل يوم مسؤولية قضاة محكمة العدل العليا ( أعلى هيئة قضائية ) عن جريمة هدم منازل الفلسطينيين وتشريد سكانها بعد قيامها بالمصادقة على قرار جيش الاحتلال بالهدم ورفض الالتماس الذي تقدم به المتضررون بتاريخ 21/7/2019 لتجميد العملية من قبل المحكمة ما اعتبر تأكيدا جديدا على أن القضاء الإسرائيلي جزء من أدوات الاحتلال ومنظومته الاستعمارية التي تنحاز وتنتمي لثقافة المستعمر وتشرعن الاعتداءات وانتهاك حقوق السكان الفلسطينيين الأصليين وقد قالت المحكمة في انحيازها اللافت بأنه يمكن استخدام هذه المباني لتجارة بالأسلحة وتوفير غطاء لمنفذي هجمات فلسطينيين قد يدخلوا إسرائيل بشكل غير قانوني من خلالها .

وأن مسارعة قوات الاحتلال لتنفيذ الهدم بعد ساعات من رفض الالتماس المقدم للمحكمة والاعتداء على السكان المدنيين بالقسوة والضرب العنيف وعدم السماح لهم بإخراج أي من محتويات منازلهم هي حلقات أخرى في سلسلة ممارسات عنصرية وغير قانونية محليا ودولياً وتشكل جزء من وقائع الجريمة النكراء .

وما تكرار عمليات الهدم لمنازل الفلسطينيين إلا دلالة واضحة تفضح الطابع العنصري والاستيطاني والعسكري لإسرائيل ( الديمقراطية والعصرية ) وتظهر مدى ازدرائها للقوانين الدولية والإنسانية والاتفاقات والمواثيق والأعراف المتعلقة بحقوق الإنسان وان هذه الأفعال ترتقي لمستوى ( جريمة حرب وجريمة تطهير عرقي وجريمة ضد الإنسانية ) تنتهك المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى والمادة (7-1- د) من نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية التي اعتبرت ذلك جريمة ضد الإنسانية، والمواد من (6-8) من ذات النظام التي اعتبرت الإبعاد والنقل غير المشروعين جريمة حرب فإنه يحمل حكومة اليمين .

وإمام هذا العدوان الظالم والتصعيد الخطير الذي يستهدف الوجود الفلسطيني والتهجير القسري للمواطنين من مدينة القدس ومع ارتفاع وتيرة الممارسات العنصرية والقمعية بحق الفلسطينيين كنتاج مباشر للدعم الأمريكي المطلق لسلوك الاحتلال العنصري على العالم أجمع بحكوماته ومنظماته وهيئاته التدخل بكل الإمكانات والفعاليات للضغط على الاحتلال لوقف أعماله غير القانونية والعدوانية بحق المدنيين الفلسطينيين عامة ومدينة القدس وأبنائها خاصة وعلى مجلس الأمن الدولي والخمس الكبار تحمل مسؤولياتهم واتخاذ إجراءات فورية وقرارات ملزمة لكبح جماح التعنت الإسرائيلي ووضع حد فوري لجرائم الهدم والترحيل القسري والتطهير العرقي التي تنتهك القيم الإنسانية والحضارية والتراثية لأبناء الشعب الفلسطيني .

وقد أحسنت القيادة الفلسطينية باتخاذها قرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي ورفض الاستسلام والتعايش مع الاحتلال وكذلك عدم الرضوخ للاملاءات وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض بالقوة الغاشمة وخصوصا في القدس وانه لن يكون هنالك سلام ولا امن ولا استقرار في المنطقة والعالم دون ان ينعم الشعب الفلسطيني بحقوقه كاملة .

ومن المفيد هنا ان نبين ان التلويح بوقف الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي خطوة ليس بالجديدة حيث اتخذ المجلس المركزي الفلسطيني على مدار السنتين الماضيتين أكثر من قرار حول الموضوع وشكلت لجان لتنفيذ ويخشى ان يكون هذا القرار صيغة مكررة عن قرارات سابقة لم تنفذ وعلى السلطة أيضا التقدم بشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق دولي بجرائم الاحتلال والمطالبة بحماية الشعب الفلسطيني فضلا عن وضع برنامج وطني شامل يحفظ المدينة المقدسة من مواصلة الهدم والتدمير ويحافظ على وضعها القانوني وعروبتها وهويتها الفلسطينية غير القابلة للتغيير أو العبث ويدرأ الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك مع ضرورة تفعيل عمل ومهام اللجنة الوطنية التى شكلت خصيصا لملاحقة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال الصهيوني وتقديمهم إلى العدالة الدولية .

يذكر انه ومنذ احتلال الأراضي الفلسطينية في أعقاب نكسة 1967 وحتى عام 2015 قدرت اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل أن إسرائيل دمرت 48488 مبنى فلسطيني ووفق منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية هدم الاحتلال أكثر من 90 منزلا بالقدس منذ بداية سنة 2019 .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات