عندما يصبح التعليم العالي سياحة


منذ أن اقترن التعليم العالي بمفهوم السياحة في بلادنا لم يعد غريبا أن نسمع عن عروض مغرية للحصول على شهادة جامعية مقابل مبيت ليلتين اسبوعيا في عمان. وإن شاء الطالب ألا يتحمل عناء زيارة حرم الجامعة فبإمكانه تلقي المحاضرات في مكاتب الارتباط.

صحيح أن هناك جامعات خاصة متقدمة في دول خليجية تضغط لعدم التوسع في إرسال الطلاب للدراسة في الخارج، لكن الأهم من ذلك أننا تساهلنا وفرطنا بمعايير التعليم الجامعي لاستقطاب من يشاء من طلاب الدول الغنية، لسد العجز المتفاقم بموازنات الجامعات الحكومية.

عندما قررنا التوسع في إنشاء الجامعات الحكومية، لم نهتم بسؤال المستقبل، ومدى قدرة هذه الجامعات التي أغرقناها بالموظفين على الوفاء باحتياجاتها المالية.

وقعنا بالمأزق منذ سنوات، ففي ظل عدم قدرة الحكومات على السماح برفع الرسوم الجامعية على الطلبة المقبولين بنظام التنافس، تم التوسع ببرنامج الموازي وقبول الطلاب العرب. ولأن الهدف هو تحصيل الأموال، لم نعد نكترث لمستوى العملية التعليمية ولا الخريجين، إلى أن انكشفنا أمام الأشقاء، وفي المنافسة بسوق العمل.

قلة من الجامعات الرسمية صمدت أمام هذه الإغراءات ولم تندلق على العروض السياحية بالطريقة التي نشهدها، وحافظت نسبيا على سمعتها الأكاديمية. والأسوأ من ذلك ما حصل للجامعات الخاصة التي فتحت أمامها الأبواب لقبول من تشاء من الطلاب وبغض النظر عن معدلاتهم.

البعض يتهم المؤسسات الدولية بالوقوف خلف هذه السياسات المتساهلة، ولا أعتقد أن ذلك صحيحا، فتقارير البنك الدولي على سبيل المثال دائما ما تسجل ملاحظات نقدية حادة على مستوى التعليم وتطالب باحترام المعايير المهنية. المشكلة فينا نحن وليس في الصناديق الدولية، نحن الذين تبرعنا بفتح الجامعات دون حساب، والتوسع بإنشاء الجامعات الخاصة وتحويلها لشركات ربحية.

الحكومات خفضت دعمها للجامعات الرسمية، هذا صحيح، لكن لو كان عددها أقل لكان أثر هذا الدعم ملموسا على ميزانياتها، لكن في ظل الوضع الحالي لايمكن للدعم الحكومي أن يترك أي أثر.

قبل أن تصدر القرارات الأخيرة من دولتي قطر والكويت بإلغاء اعتماد جامعات أردنية، كانت الحكومة قد أرسلت لمجلس النواب مشروع قانون معدل لقانون التعليم العالي، من المفترض ان يعالج هذه المشكلات ويسد الثغرات التي تسمح بالاستثناءات والتسهيلات على حساب جودة التعليم.

لكن ذلك لا يكفي برأي الخبراء، إذ ينبغي التفكير جديا بهيكلة سياسات القبول الجامعي برمتها، وتقييد برنامج الموازي وصولا إلى الغائه تماما، بالإضافة إلى إعادة النظر بالتخصصات المطروحة وتقليصها بما ينسجم مع أهداف الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وتقليص نفقات الجامعات الحكومية عبر خطة متكاملة لترشيق كادرها الوظيفي إلى النصف تقريبا، فمعظم مداخيل الجامعات تذهب لسداد فاتورة الرواتب، لا بل ان عديد الجامعات تعاني شهريا لتوفير رواتب موظفيها.

إن لم نبادر لتبني خطة شاملة لإصلاح التعليم العالي فورا فإن الجامعات الأردنية ستفقد مكانتها، ومعها يفقد الخريجون ميزاتهم التنافسية في سوق العمل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات