مهمة أكبر من طاقة الحكومة


وزير العمل نضال البطاينة رجل متحمس جدا للخدمة العامة، وكان يعد نفسه لهذا المنصب منذ أن تسلم رئاسة ديوان الخدمة المدنية. لكنني أخشى عليه وعلى الحكومة من عواقب الاندفاع الشديد.

خلال رعايته حفل تكريم عمال الوطن في محافظة إربد ألقى الوزير البطاينة كلمة قال فيها إن ملف البطالة بشقيه في القطاعين العام والخاص بات في عهدة وزارة العمل باعتباره ولأول مرة في تاريخ الحكومات يحتفظ بمنصبه كرئيس لمجلس الخدمة المدنية إلى جانب دوره وزيرا للعمل.

وزاد الوزير بعبارات قاطعة “إنه يعتبر نفسه مسؤولا مهنيا وأدبيا عن موظفي وعاملي وطالبي الوظائف في الدولة الأردنية الذين هم أمانة بالرقاب”.

هذا كلام طيب تطرب له القلوب والعقول، فماذا يريد الناس غير مسؤول “يعبط” كامل المسؤولية عن مشاكلهم ويتعهد بحلها؟!

لكن هل الحكومة قادرة فعلا على حمل عبء البطالة المتراكم منذ عقود طويلة؟ والسؤال الأجدر بالتوقف عنده، هل الحكومة هى المسؤولة حقا عن توفير وظائف لطالبيها في القطاعين العام والخاص؟

في ظل الأنظمة الاشتراكية فقط تتحمل الدولة المسؤولية عن تشغيل المواطنين، ولا أظن أن حكومة في عالمنا اليوم تأخذ على عاتقها هكذا مسؤولية.

حكومة الرزاز ومن خلفها مؤسسات الدولة تبنت نهجا مغايرا يعتمد سياسة التشغيل بدل التوظيف، وأعلنت منذ البداية أن الدولة لم يعد بوسعها توظيف طالبي العمل كما كان الحال في السابق، ولهذا أخذت على عاتقها مسؤولية تدريب وتأهيل الشباب والشابات للانخراط والمنافسة في سوق العمل.

في الدول المحكومة بقوانين اقتصاد السوق كالأردن يكون التشغيل والتوظيف محكوما بمفهوم سوق العمل والمنافسة المفتوحة على فرص العمل المتاحة. مسؤولية الحكومات تقتصر على تبني سياسات محفزة للاستثمار وخلق فرص العمل، وتوفير التدريب لحديثي التخرج بالتعاون مع القطاع الخاص والنقابات المهنية والعمالية والروابط المدنية المتخصصة.

وإذا كنا ننوي المضي بالسياسة المقررة من طرف الحكومة، يتعين علينا التفكير جديا بجعل المنافسة على الوظائف القليلة المتاحة في القطاع العام تخضع لنفس المعايير المتبعة بسوق العمل.

ما الذي يعنيه انتظار أكثر من 380 ألف شاب وشابة على الدور في ديوان الخدمة المدنية؟

أمران؛ الأول، نشجعهم على البطالة بانتظار الوظيفة الحكومية. والثاني، عندما تمر السنوات دون أن يصلك الدور يملأ الغضب والحقد صدرك على الدولة فتصبح عدوك اللدود. ولم تغب عن ذاكرتنا بعد مسيرات المتعطلين صوب الديوان الملكي ومقر الحكومة للمطالبة بوظائف.

حديث الوزير يكرس هذه الثقافة، ويوجه الأنظار للحكومة باعتبارها المسؤولة عن توظيف وتشغيل الناس في القطاعين العام والخاص؟ هل الحكومة مستعدة حقا لتحمل هذه المسؤولية وتبعاتها السياسية؟

سياسة الحكومات مسؤولة في العادة عن ارتفاع أو انخفاض معدلات البطالة، إلى جانب عوامل أخرى خارج سيطرتها تؤثر بشكل مباشر على حركة الاقتصاد. لكن الحكومة ليست هى الجهة المسؤولة عن توفير فرص عمل لطالبيها. هنا تتداخل عوامل كثيرة، تتصل بمعدلات النمو الاقتصادي وتوجهات المستثمرين والظروف السياسية، ولا ننسى الثقافة السائدة والتقاليد المتصلة بالعمل في المجتمعات.

لا أشك بصدق نوايا الوزير البطاينة فهو مثل سائر الأردنيين يريد أن ينام ويصحو وقد انتهت كليا مشكلة البطالة، لكن المهمة أكبر من طاقة حكومة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات