مؤتمر البحرين مزاد أمريكي لبيع أوهام التنمية المستدامة


برعاية أمريكية وهندسة إسرائيلية وبحضور بعض ممثلي الدول العربية وغياب الجانب الفلسطيني الرسمي الذي لم يتم مشاورته ولا دعوته وقد اقتصرت الدعوات لبعض رجال الأعمال الفلسطينيين الذين رفضوا بشكل فردي ومشترك المشاركة حيث أعلن مجموعة من كبار رجالات الأعمال رفضهم لقبول الدعوة لأسباب وطنية .

في هذه الأجواء المريبة والمظلمة التي تسودها الادعاءات الأمريكية الكاذبة والشعارات الخادعة والتعابير اللغوية الحيادية المضللة وبتوثيق منظم للمضامين وردود الأفعال ينعقد في 25 و26 من حزيران المقبل في العاصمة البحرينية المنامة مؤتمر أو " ورشة عمل اقتصادية كما يحلو لهم تسميتها " تحت عنوان (السلام من أجل الازدهار) والمحور الرئيسي لجدول الإعمال المعلن يدور ( حول كسر دائرة الصراع واستبدال المساعدات بالتنمية والاعتماد على الاستدامة في عملية تنمية الاقتصاد الفلسطيني ) وانه لدي الإدارة الأمريكية سلسلة من الخطوات التي تضع الفلسطينيين على طريق النمو والتطور والازدهار بحيث يكون هناك تغيير في حالة الفقر واعتماد الكثير منهم على المساعدات وسيتم على المستوى العملي إعادة بناء مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية كمدن دائمة للفلسطينيين والاستعاضة عن الأونروا في مجال التعليم وتوزيع الأغذية ببرامج الاستدامة ترافقها منظمات دولية غير حكومية ولكن تديرها وتقودها السلطة الفلسطينية نفسها حيث تعتبر امريكا الأونروا السبب الرئيسي لإدامة الصراع وتطالب إسرائيل بسحب موافقتها بعد حرب الأيام الستة على رسالة كومي – ميشيل مور التي تسمح للأونروا بالعمل في الضفة الغربية وغزة وقد قال جيسون غرينبلات اليهودي الأصل ولانتماء الممثل الخاص المكلف بالمفاوضات الدولية في إدارة ترامب " إن خطتنا الاقتصادية تجسد رؤية طموحة قابلة للتحقيق وهي تقدم طريقة بديلة مع إمكانية فتح البوابة لمستقبل مزدهر للفلسطينيين إذ عليهم المضي بهذا الطريق من اجل حياتهم .

من الواضح جليا إننا أمام طريق وعر وخطير والمسير فيه إجباري باتجاه واحد يسعى الى توطين اللاجئين الفلسطينيين والسيطرة على الارض والترويج لمشروع سياسي أميركي تم رسمه وتنسيقه مع إسرائيل يبيع الفلسطينيين أوهاما خيالية حول التنمية المستدامة ويتنكر لواقعهم ويدعو لتصفية قضيتهم وحقوقهم الوطنية العادلة والمشروعة من خلال استعمال الورقة الاقتصادية للضغط على الفلسطينيين بل ومساومتهم وابتزازهم لقبول ما لا يمكن قبوله مما يجعل الهدف المباشر من مؤتمر البحرين هو تمرير صفقة القرن التي هي ليست حلا في الأصل وإنما هي محاولة لإضفاء شرعية أمريكية ودولية على استمرار الاحتلال وفرض التطبيع بين العرب وإسرائيل فالجانب الاقتصادي المطروح الآن لا يمكن أن يكون سوى تتويج لمسار سياسي عادل وثمرة ولا يمكن أن يكون سابقا له أو أن يكون بديلا عنه أو " رشوة " مستعجلة لإسقاط الحل السياسي القائم على إنهاء الاحتلال و دعم حل الدولتين وها هي الإدارة الأمريكية تتخذ مسارا متناقضا فهي تعاقب الفلسطينيين وتمنع عنهم المساعدات من جهة وفي الوقت ذاته تدعو لعقد مؤتمر دولي وتطلب من رجال الأعمال والدول العربية مساعدتهم ماليا من جهة أخرى والغاية التي تريدها هي تشجيع الدول العربية المانحة على الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل معالجة القضايا السياسية الشائكة التي تمثل جوهر الصراع والبدء بتطبيق صفقة القرن بمنظورها الاقتصادي بعد أن خطت خطوات واسعة في تطبيق الصفقة في جانبها السياسي والمنحازة بالكامل لصالح إسرائيل مما لا يشجع على التوصل إلى تسوية سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا احتاجت إدارة ترامب إلى عامين ونصف لوضع هذه المقترحات بهذ التصور الغامض والمرتبك .

الإدارة الأميركية لم تكتفي بوقاحتها ببيع الفلسطينيين أوهاما حول التنمية المستدامة تحت الاحتلال بل هي تمعن الوقت نفسه في التنكر للحقوق الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وهي حقوق طبيعية وتاريخية كفلها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية و ولا زالت تسعى وراء الوهم بأن أحدا من الفلسطينيين يمكن أن يشتري بضاعتها الفاسدة والتي تدعوه الى تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين تحت حراب الاحتلال دون حد أدنى من احترام لحقوقهم السياسية وحقهم المشروع في تقرير المصير والتحرر والاستقلال بل تذهب الى ابعد من ذلك بالدعوة لتحويل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مدن دائمة ومزدهرة في ظل فرض سياسة الاستسلام لمخططاتها المشتركة مع إسرائيل لتصفية قضية اللاجئين والقضية الفلسطينية والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وفي القلب منها مدينة القدس العاصمة الأبدية لشعب ودولة فلسطين وقد اعتبر البعض ان الإعلان عن عقد هذه الورشة في بلد عربي فيه مساعدة واضحة لإسرائيل وعملاً غير مبرر ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية حيث تسعى أمريكا لشراء فلسطين اقتصاديا لتمرير صفقة القرن .

كلما اقترب موعد مؤتمر المنامة لبحث الشق الاقتصادي في الضفة الغربية وإقامة مشروعات كبرى ضمن الخطة الأمريكية للسلام يزداد الخوف والغموض حول المؤتمر وتزداد التناقضات في المواقف الدولية في أن تكون هذه الوصفة الاقتصادية ثمنا لحل سياسي مبيت ربما يكون في حده الأدنى توطئة لضم إسرائيل لمعظم مناطق الضفة الغربية وأكثر ما يخشاه المراقبون أن تكون إدارة ترامب لا تملك صفقة ولا خطة ولا مبادرة واضحة المعالم لعرضها الشهر المقبل والدليل هو كل هذه المماطلة وعنصر المفاجأة الآن بطرح مبادرات بمسميات جديدة في قلب دول عربية محددة لزيادة عدد الدول المطبعة مع إسرائيل وإخضاع الفلسطينيين بالقوة وإقرارهم بعجزهم عن مواجهة ما يخططه لهم ترامب وشركاه مع التذكير بان " فكرة السلام الاقتصادي " هذه ليست جديد وهي معروفة ومألوفة وهي الخطة التي طرحها بنيامين نتنياهو في عام 2008 عندما كان رئيسا للمعارضة حيث كان يرى أن المفاوضات الاقتصادية يجب أن تجرى قبل المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين مما يؤكد ان فكرة المؤتمر من تدبير عقل نتنياهو وان الإدارة الأمريكية قبلت باقتراحه وتبنت السلام الاقتصادي من خلال الدعوة إلى مؤتمر البحرين .

من هنا فإن ورشة البحرين التي تنظمها أمريكا لرفع مستوى التطبيع الى تعاون معلن مع اسرائيل عنوانه اقتصادي ومضمونه سياسي هدفه الأول الإجهاز على ما لم تستطيع القوة الغاشمة القضاء عليه وهو ( إرادة الشعب الفلسطيني وحقه في تحرير وطنه والعودة إليه ) وإن هذه الورشة التي ستشكل وسيلة لجس نبض وردات الأفعال العربية والفلسطينية الشعبية وتشكل بنفس الوقت نموذجا تجريبي مصغرا واستهلاليا لعقد مؤتمر واسع تدشن فيه الصفقة الكبرى ويصبح الأساس لتشجيع دول العالم المختلفة على دعمها كخيار لبعض الأنظمة العربية وبغض النظر عن موقف الفلسطينيين لإنهاء ملف الصراع وبناء شرق أوسط جديد تدمج فيه إسرائيل اقتصاديا وسياسيا وأمنيا كقوة إقليميه مع استمرار احتلالها وضمها اللاشرعي لأراض عربية وفلسطينية .

السلطة الفلسطينية إذا أرادت أن تتصدى لصفقة القرن بشكل قوي وفاعل عليها أن تمد يدها إلى غزة فوراً لتشكيل موقف جماهيري فلسطيني موحد يتحدى المخططات ويسقط صفقة القرن بالوحدة الوطنية الجامعة وعلى جكافة الدول العربية والهيئات والكيانات السياسية والاقتصادية المدعوة للمؤتمر احترام موقف الإجماع الفلسطيني بالامتناع عن المشاركة والأخذ بعين الاعتبار عدم تكليف الفلسطينيين لأي جهة بالتفاوض نيابة عنهم وإعادة النظر في المواقف والثبات على قرارات قمة الظهران ( قمة القدس ) عام 2018 وقمة تونس ( الأخيرة ) ومبادرة السلام العربية دون تغيير أو تبديل والاقتداء بالموقف لأردني المشرف الذي تتعرض قيادته لضغوط هائلة لقبول وتمرير صفقة القرن لكنها في الوقت ذاته لم تتنازل عن ثوابتها فيما يتعلّق بالقضيّة الفِلسطينية من رفض التوطين والتجنيس والتخلّي عن الوصاية الهاشمية مع العلم بان الشعبين الأردني والفلسطيني هما الضحية وأن " عمان " لن تقدم صكا مفتوحا لإسرائيل للتصرف كيفما تشاء ضد الشعب الفلسطيني وان مواقفها مع بعض الدول سوف يقلل من فرص نجاح مؤتمر البحرين .

ان اللحظة الراهنة باتت تتطلب من الفلسطينيين وعلى مختلف المستويات الرسمية والأهلية العمل الجاد لوحدة الصف التنظيمي والنضالي وتجاوز حالة الانقسام والتقدم نحو تعزيز الوحدة الوطنية واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني من أجل التصدي لصفقة القرن الأميركية بمكوناتها السياسية والاقتصادية مع تقديرينا العميق لهذا الإجماع الوطني الواسع بما في ذلك المنتديات الاقتصادية الفلسطينية ورجال الإعمال الفلسطينيين والذي تحقق بشكل طوعي في رفض المشاركة في ورشة العمل ( المؤتمر ) والتي بدأت وزارة الخزانة الأميركية توجيه دعوات المشاركة فيها للعديد من الإطراف العربية والدولية وحتى لو انتهى هذا المؤتمر بنجاح فيجب أن نتذكر تصريحات السفير الأمريكي السابق في تل أبيب دان شابيرو الذي قال إنه حتى عندما وافقت الدول والمليارديرات على التبرع بالمال لتعزيز السلام الاقتصادي كمقدمة لاتفاقية الأمن السياسي فإن وعود المساعدات المالية تحطمت على أرض الواقع ولم تصل .

ومن الملاحظ أن جميع مهندسي " صفقة القرن " مواطنون أمريكيون من أصول يهودية ومؤيدون لإسرائيل والاستيطان بشكل خاص من مستشاري ترامب الثلاثة وهم المبعوث الخاص جيسون غرينبلات وصهره جاريد كوشنر والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان وانه من الصعب الاعتقاد والتصديق بأن هؤلاء سيكونون مناسبون لدفع المفاوضات في مثل هذا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المعقد وحتى لو كانت الإدارات الأمريكية تعرف كيف تستخدم الرافعات لتحسين الاقتصاد الفلسطيني فإن السلام الاقتصادي لا يزال مشروع غير واقعي في المقابل فان الأمم والأشخاص الذين يتعرضون للاحتلال والقمع ويعانون من التمييز بسبب الاحتلال ومصادرة الأراضي والمستوطنات والقتل والقهر لديهم أيضا تطلعات وطنية وأمل بالحرية ينبغي ان يأخذ في الحسبان حتى لا تتحول تلك الاماني والتطلعات الى مقاومة مسلحة من جديد .

ومن الضروري الفهم بان التنمية الاقتصادية اللازمة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن تتحقق دون ( حلول سياسية عادلة ) مقبولة للفلسطينيين ولن تتوفر ايضا دون توفر حلول سياسية عادلة لقضايا شعوب المنطقة كاملة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ووفق إطار يرتضيه الشعب الفلسطيني يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة على حدود 1967وعاصمتها القدس الشرقية بالإضافة إلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وان البحث عن تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين وهو من حقهم كأي شعب يريد حياة الرفاه والأمان عملية لا يمكن أن تتم بمعزل عن مشروعهم الوطني وطموحهم السياسي في نيل حقوقهم المشروعة ولكن للأسف هذا ما لا تريد امريكا ترامب فهمه ومؤسف أكثر أن يسايرها فيه حاليا بعض العرب إما بتبعية غباء او نفاق ورياء وخوف وان ورشة البحرين ستسعّر التنازلات وستدشن بداية انطلاقة للصفقة المشؤومة و في تقديرنا انه من المشكوك فيه إلى حد كبير أن يحدث أي تطور دراماتيكي كبير في مؤتمر البحرين أو المؤتمرات المماثلة التي ستليه وان محصلة هذا المؤتمر ستكون محدودة ولن تتجاوز ما وصل إليه مؤتمر وارسو الذي عقد قبل أشهر .

اختم حديثي بقول الشاعر الكبير أمل دنقل في قصيدته الشهيرة ( لا تصالح ) حيث يقول أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟ إذا هنالك أشياء لا تباع ولا تشترى مهما غلى الثمن وهكذا هي فلسطين الأرض والقضية التي افشل شعبها ببسالة مقاومته وصموده الأسطوري كل الخيانات والمؤامرات على مدار 71 عام وهم يتحدون إرهاب وإجرام الاحتلال والمخططات ألاثمة .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات