ما بعد المفاوضات المباشرة!


  ذكر أكثر من محلل سياسي أن عملية الانتقال مما يسمى المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة لم تستند حتى لمرجعيات اتفاقية أوسلو أو محادثات مدريد أو مبادرة السلام العربية أو حتى مؤتمر أنابوليس.   وليس هذا بمستغربٍ أبداً، فقرار 242 المذكور في ديباجة تلك الاتفاقيات أو المحادثات كان مجرد درجة في سلالم الاعتراف ب"إسرائيل"، تلتها درجات أدنى منها مثل كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وصولاً إلى درجة التفاوض من أجل التفاوض اليوم، بدون مرجعيات، ولا إيقاف للاستيطان، وبغطاء رسمي عربي. 
 
وهو تسلسل طبيعي جداً مقدمته دوماً الاعتراف بمشروعية التواجد اليهودي في فلسطين.  وبعد عشرين عاماً، بات من الواضح أن تبني السلام ك"خيار" إستراتيجي يحول المفاوض العربي والفلسطيني إلى "مخلل" في المرطبان الصهيوني...
 
لن نقول كفانا تفاوضاً وهزلاً، لأن سخف الموقف يعبر عن نفسه بوضع نتنياهو للشروط على المفاوضات المباشرة، وعلى رأسها الاعتراف بيهودية الدولة، وبالترتيبات الأمنية، وإعلان إنهاء النزاع...  بعد أن كانت السلطة الفلسطينية والجامعة العربية هما اللتان تضعان الشروط. 
 
السؤال الحقيقي يبقى: إلى أين يذهب نتنياهو في النهاية؟  يعني من الواضح أن حكومة نتنياهو-ليبرمان-باراك - وباراك من حزب العمل (المعتدل؟) لمن غاب عنه ذلك بالمناسبة -  تريد أن تفرض الوقائع على الأرض، وأن تجعل "الأمن الصهيوني" على رأس أجندة أي طرف يريد مجرد العيش في المنطقة، ولو تحت البسطار "الإسرائيلي"...  لكن إلى أين يتجه اليمين الصهيوني بالنسبة للعلاقة مع الفلسطينيين على المدى البعيد؟  هذا هو السؤال.  هل صحيح أن سياسة حكومة نتنياهو-ليبرمان تمليها لا عقلانية جمهورٍ يهوديٍ يزداد أصوليةً وتشدداً ويفتقد لأي إستراتيجية سياسية حقيقية، كما يذهب البعض؟  أم ماذا؟
 
بالرغم من حديث نتنياهو عن ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة، وبالإجراءات الأمنية، كأساسين للمفاوضات، فقد مرر أصدقاءٌ مقالة مهمة جداً للصحافي البريطاني جوناثان كوك نشرت على عدة مواقع على الإنترنت في 21/7/2010 يلخص فيها ميل الليكود المتزايد لتبني مقولة "الدولة الواحدة"، كحل نهائي للصراع.  وانتبه، رجاء، فالحديث يدور هنا عن الليكود، وليس عن "اليسار" الصهيوني مثلاً الذي يصر على فكرة الفصل ما بين الشعبين وحل الدولتين. 
 
"الدولة الواحدة" باتت تتبلور إذن كطُعُمٍ ليكودي يا أنصارها العرب!  ويشير جوناثان كوك هنا لعدة قيادات ليكودية تؤيد فكرة "الدولة الواحدة" مثل موشيه أرينز، وزير الحرب ثم الخارجية الصهيوني الأسبق، وأحد قيادات الليكود، ومثل الناطق باسم الكنيست روفن ريفلين، ومثل الدكتورة تسيبي هوتوفيلي، إحدى أبرز نواب الليكود... وغيرهم.
 
هؤلاء المعتنقون الجدد لفكرة "الدولة الواحدة" يريدونها ديموقراطية ولكافة مواطنيها أيضاً بالمناسبة، والأهم أنهم يرونها مخرجاً مما يراه المجتمع الدولي احتلالاً للضفة والقدس والجولان، يتيح ل"إسرائيل" في الوقت نفسه أن تحتفظ بالأراضي التي تريدها للتوسع والحفاظ على أمنها (غور الأردن مثلاً)، دون أن تضطر للتخلي عن شيء فعلياً، في الوقت الذي تتمكن فيه من دفع تهمة "العنصرية" عن نفسها، ما دامت تلك النقطة هي التي يتم التركيز عليها، قبل الاحتلال!!! 
 
وقبل أن يتلقى قيادات الليكود المذكورين دعوات لحضور المؤتمرات واللقاءات المناصرة ل "الدولة الواحدة"، التي سيتضح للجميع يوماً ما أنها "مقلب" أكبر من مقلب "الدولة الفلسطينية"، لا بد من الإيضاح أيضاً أن "الدولة الواحدة" عند أنصارها الليكوديين الجدد مربوطة بالمحافظة على أغلبية يهودية فيها عن طريق ما يلي: 1) لا عودة للفلسطينيين من الخارج، 2) تحويل حياة فلسطينيي الضفة والقدس وال48 إلى جحيم لكي يرحل أكبر عدد منهم من تلقاء نفسه، 3) لا يُقبل الغزيون كمواطنين في "الدولة الواحدة"، 4) الوجود الفلسطيني في "الدولة الواحدة" يخضع لشروط أمنية صارمة.  وبعد ذلك تتنازل "إسرائيل" عن "يهودية الدولة" وتقبل "الدولة الواحدة"!  أهلاً...
 
ومن يقبل ب"الدولة الواحدة" كمبدأ، كمن يقبل التسوية كمبدأ، عليه أن يفاوض على شروطها حسب ميزان القوى، لا حسب مزاجه الشخصي.  ولذلك سيقبل أنصار "الدولة الواحدة" بشروطها الليكودية، ثم سيقولون لنا: نناضل من الداخل، الخ... ألم يقل لنا أنصار "الدويلة" من قبل: نأخذها ونضحك عليهم لنحولها لقاعدة لتحرير بقية فلسطين؟! فإذا كان أنصار "الدويلة" قد مرروا الاعتراف المبدئي تحت هذا الشعار، فإن أنصار "الواحدة" سيمررون التعايش تحت شعارهم الجديد. 
 
alloush100@yahoo.com
 

السبيل 26/8/2010
 
http://freearabvoice.org/?p=553
 



تعليقات القراء

Doctor
كلام منطقي د.إبراهيم . وليس هناك مبررا للمفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني، وخاصة أنهم بالبداية كانوا يطالبون بأن تكون المفاوضات غير مشروطة من قبل الفلسطينين، ولكن في هذه المرحلة نجد الكيان الصهيوني المارق يضع الشروط لتلك المفاوضات المباشرة.
26-08-2010 02:11 PM
ابو ثائر/زرقاوي
السؤال الذي يفرض نفسه ما هو دور المقاومة الفلسطينية كل في حفز مشروع الدولة الى حيز الوجود ؟؟؟
انا شخصيا لا اوومن بالمفاوضات صواريخ المقاومة هي من اخرجت الطغاة من غزة الصمود
26-08-2010 02:57 PM
غزاوي واهوى الصمود
شكرا يا جراسا على اختيار هذا المقال التحليلي الواسع الدقة وفرصة ان اطلب منكم ان ترحمونا من اشباه الكتّاب
26-08-2010 03:03 PM
د. منير غوشة/فلسطين
اريد ان اعرف يا دكتور هل فعلا تنتظر الدولة الاسرائيلية اعتراف بها من قبل فصيل او تنظيم اسلامي (حماس)على وجه الحقيقة ام هي بروبوغاندا امريكوصهيونية؟؟؟؟؟
26-08-2010 03:05 PM
واحد بيفهم
ما بعد المفاوضات ولا ما بعد الحادي عشر من سبتمبر
26-08-2010 03:32 PM
بحب سوريا وبكره اسرائيل
ما في مثل سوريا ما عندها مفاوضات على حساب مصالحها املت شروطها وهي الان سيدة الموقف
26-08-2010 04:21 PM
اردني قح
جراسا : نعتذر .. والمنبر هنا ليس لفحص الـ DNA للوقوف على منابت الاردنيين .. نرجو الالتزام والا سيصار الى شطب اسمك من قائمة التعليقات
26-08-2010 05:43 PM
هانيبال
أصبت بتحليلك دكتور علوش والى الامام يا جراسا بكتابنا المذهلين
26-08-2010 05:46 PM
مانيدلا الاردن/فاعوري
في هذا الشهر الفضيل ما يهمنا ان نكون مسلمين حقيقيين وان ندعو لاهلنا في فلسطين يا اردني قح من دون ان اعرف ما هو تعليقك المشطوب
26-08-2010 05:47 PM
صاحب الوعد
يجعلوننا نضيع في متاهات و مصائد و مسميات فلكية ,, و في الأثناء هم يفعلون ما يريدون ...
لا نامت أعين الجبناء
27-08-2010 01:28 AM
رانيا علوووووووووووووووووووووش
كلام حلو كتير
27-08-2010 06:24 PM
ابن جلا
تحية - شكرا للكاتب ، و أختلف معه في نقاط عديدة - من يطرح شيء و يرفضه ، عليه تفديم البديل الأفض أو الموازي ، ترى ما هو البديل لدى السيد الكاتب ، ابن جلا
27-08-2010 11:03 PM
دكتور إبراهيم علوش والى الامام
في البداية احيي الكتاب والصحفيين والاعلاميين والادباء اللذين جاهدوا وقارعوا الظلم والظالمين واظهروا الحقائق من خلال اقلامهم التي من المفروض على كل قارىء ان يقف اجلالا واكراما لهم والى المجهود الذي يقدمونه من اجل ايقافنا على الحلول التي طالما عجزنا عنها لا الذين باعوا ضمائرهم بكتابة المديح فيمن لا يستحقه ولكن رغم كل هذا بقيت دائما افكر في كل موضوع اقرئه ودائما اجد الكلمات هي الكلمات دائما تتردد في جميع تلك المقالات التي قرئتها ارغب في يوم ان اقرأ جديدا ياتي بكلمات تميزه عن الاخر وكثيرا م اسمع عن بعض الصحف انها لا توافق على نشر مقالا الا من مجموعة من الكتاب الخاصين بها هنا ياخذني الاستغراب وتاخذني عبرة لاني اجد في هذا استغلالا واحباط مسلط على هؤولاء اللذين يمكن لهم ان يغيروا هذه المنهاج و ياتوا لنا بكلمات جديده لم نكن قد سمعناها من قبل ونكون بذلك قد وفرنا فرصا لمن لايجد لما يكتبه مكانا بين الكتاب.
27-08-2010 11:24 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات