بقلم: الدكتورة مجد خليل القبالين*

الافراد يعيشون داخل مُجتمع بشري وهذا المُجتمع البشري يتكون من عدة افراد يختلفون في انماط الشخصية لديهم وهذا الاختلاف يرجع لعوامل وراثية واخرى عوامل مُكتسبة من الأُسرة نفسها والمُحيط الإجتماعي الذي نشأ فيه الفرد وخبرات الطفولة التي مر بها وتجارب الحياة ، وطبيعة الاشخاص الذين احتك بهم من خلال عملية التعلُم بالنمذجة ، فهُنالك الشخصية الحدية ، والشخصية الهستيرية ، والشخصية الانطوائية ، والشخصية الهادئة ، والشخصية العصبية ، والشخصية اللامُبالية ، والشخصية الدرامية ، والشخصية السيكوباثية ، وكُل نمط من انماط تلك الشخصيات استطاع عُلماء النفس فهمها وتمييزها ومعرفة ما يُمزيها عن غيرها ، باستثناء الشخصية الغامضة التي لا تزال مثيرة للجدل والفضول ومثيرة للريبة في نفس الوقت .

والمرأة الغامضة من الشخصيات الأكثر جدلاً والتي وصفها عُلماء النفس بأنها شخصية تميل للقوة والكتمان ، ولا تميل للتحدُث مع الأخرين إلا للضرورة فقط ، ولا تحُب ان تكون مُنقادة حتى لو كان هذا الانقياد للزوج ، وتُفضِل بناء العلاقات الاجتماعية بعيداً عن الإحتكاك المُباشر والمُستمر ؛ لأنها تشعُر بأن اغلب البشر منافقون ويتجملون امام بعضهم وهذه الصفة تتعارض مع المرأة الغامضة كونها امرأة واقعية ومنطقية ، ولا تحب الحديث على الهاتف بشكل مُستمر فتلجأ للانعزال وتجنُب الكلام بل والمُبالغة في السكوت ، لأنها تجد نفسها فقط بالعزلة ، ومن اهم صفات تلك المرأة الصمت لمُدة طويلة فمن الصعب سحب منها اي اعتراف او سر ، بالرغم من انها تبدو امرأة اجتماعية في المُناسبات الاجتماعية ولكن يبقى في داخلها شخصية اخرى غامضة.

قوة ودقة الملاحظة : فهي شخصية تقوم بالتركيز والتحليل بكل ما تراه او تسمعه او تقرأه وتربط الامور بشكل منطقي وذكي وغنية بالمعلومات حول المُحيط الاجتماعي الذي تعيش به وتحلل المعطيات بدرجة عالية من الدقة ، ولا تحتمل حالة الغموض المعرفي بأي موضوع يُعرض لها ولا يمر بسهولة وتبقى تفكر بكل ما هو غامض لحين جمع اجزاء الصورة لاكتمالها معاً وفك اللغز.

وتتسم بأنها شخصية مُتناقضة وتناقضها يصاحبه وضوح غير واضح ، وتتسم بالتناقض المتوازن وعدم الوضوح بالنوايا ، وهذا التناقض المتوازن هو ما يجعل البعض ينخدعون بها ويظنون انها امرأة واضحة ولكنها في الحقيقة تظهر التناقض بشكل متوازن للتغطية على غموضها الحقيقي لكي تبدو مُستصاغة اكثر بالنسبة للمُحيط الاجتماعي الذي تعيش به ، والبعض ينعتها بالمرأة غريبة الاطوار.

الشك : إن المرأة الغامضة دائمة الشك بكل ما هو حولها...... احداث ، اخبار ، اشخاص ، افكار ، ومن الصعب جدا ان تمنح الثقة بل تكتفي بأن تمنح الشعور بالثقة ولا تمنح الثقة نفسها لأنها لا تثق الا بنفسها فقط ، وتقوم ببناء كل قناعاتها وتصوراتها بناءً على مبدأ واحد فقط وهو عدم تصديق كل شيء بصورة مطلقة 100% ، وتضع كل الاحتمالات وتبدأ بالاحتمالات الاسوأ ؛ لأنها لا تقبل فكرة الفشل والهزيمة في قاموسها ، لكي تكون جاهزة لاسوا الاحتمالات.

عدم التعبير عن مشاعرها : وعدم التعبير عن كل ما يندرج تحت اطار الاحاسيس ، وعدم التعبير عن همومها ومشاكلها من منطلق الايمان بمبدأ واحد وهو اذا كان جرحك بيدك انت فلا احد سوف يشعر بألمه سواك فقط ، فلا ترى ان هنالك حاجة للتعبير عن الهموم والمشاكل او حتى الفضفضة ؛ لأنه مهما قالت لن يشعر المُقابل بما تشعر هي به ، اما بالنسبة للإعجاب والحب فهي لا تُصرح بهما الا نادراً جداً ، واحيانا قد تختلق سر من وحي خيالها وتقنع احدهم انه سر مهم بالنسبة لها وتبوح به فقط لتختبره وتتأكد انه من النوع الذي يؤتمن على سر ام لا.

المرأة الغامضة دائما تجعل الرجل تحت الاختبار لأنها امرأة بالأصل دائمة الشك بالنوايا وبالأشخاص وغير واثقة ، ومؤمنة انه لا يوجد انسان لا يتغير ولا يوجد انسان لا تغريه مُغريات الحياة سواءً كانت مادية او غيرها حتى انها تتعمد الابتعاد عن الرجل لترى اذا كان من النوع الذي يراعي ويقدر ظروفها ام لا ، او اذا كان سيتخذ من ابتعادها مبرر لها ليبتعد عنها.

المرأة الغامضة مهما ظننتم انها واضحة فهي غامضة واحياناً وضوحها بحد ذاته هو غموض ، والمرأة الغامضة بقدر غموضها فهي امرأة عملية جداً بالحياة تُحكم عقلها وليس قلبها ، ولديها القُدرة العالية على تحكيم عقلها في اكثر المواقف عاطفةً ، ولا تنجرف لعاطفتها حتى لو كلفها الثمن خسارة من تحب ، ولا تتقبل فكرة البقاء مع رجل تشم رائحة امرأة غيرها في حياته حتى لو كانت تحبه جدا وتعشقه فكرامتها فوق كل اعتبار، واذا شعرت بالنفور من الرجل من الصعب جداً بل يستحيل ان تعود له باي شكل من الأشكال.

انها امرأة لا تنتظر اهتماماً او حُباً ؛ لأنها هي تعشق نفسها وتهتم بنفسها ، وهي امرأة صفاتها تسبب لها العديد من المشاكل وتسبب سوء فهم الاخرين لها لمن لا يفهمها جيدا فحالة الانعزال والانطوائية لديها تجعلها في نظر البعض امرأة مُتكبرة ومغرورة وعنجهية.

وتبقى المرأة الغامضة بئراً عميق لا حدود له لأنها امرأة مبدعة ، ونظرتها ثاقبة للأمور ، وتشعر بهموم الآخرين ومشاكلهم لدرجة انها تشعر انها جُزءاً من الموقف نفسه ، ولديها القُدرة على ان تعيش حُزن غيرها وفرحة غيرها ، وهي شخصية قيادية وليست اتكالية ، ولا يغريها اي شيء ولا يثير دهشتها اي شيء او أي شخص.

كما انها امرأة تميل للرجل الذي يكون صعب المنال في الحب وتعشق الرجل الذي يدخلها في دهاليز وغموض كبيرين؛ لأنها ليست من مُريدي الوصول للأهداف سهلة المنال ومُتعتها الحقيقة ان تتعب جداً وتتعذب للوصول لهدفها.

وهي امرأة تكشف خيانة الآخر ولا تصارحه ليس خوفاً من المواجهة وانما لأنها تُفضل التظاهر امامه بأنها ساذجة وتُفضِل ان تترك المُقابِل يتصرف كما يريد ويتغابى كما يُحب ، هي امرأة تكشف العوج ولكنها تتظاهر بعدم رؤيته بالرغم من انها واعية ومُدرِكة لكُل شيء ، وهي امرأة طموحة وعنيدة جداً في تحقيق ما تطمح له مهما كلفها الامر، وامرأة لا تهتم لنظرة الاخرين لها مهما كانت سلبية لأنها تمتلك ثقة بنفسها مُنقطعة النظير.

إنها حقاً..........
امرأة تعيش داخل امبراطورية كاملة خاصة بها ومن صنعها هي.

دكتوراه علم اجتماع /علم الجريمة*