كلنا ذلك الفاسد !!


أظن ان الأردنيين من أكثر الشعوب تبرماً من حكوماتهم, وشكوى منها, وشتماً لها. ولهذا أسباب عديدة أولها: ان تشكيل الحكومات في بلدنا يتم على غير أسس واضحة, ومعايير محددة يمكن الاحتكام إليها, والمحاسبة على أساسها.


ومثلما تؤلف الحكومة على مزاج وهوى ومقاييس الرئيس المكلف, في اغلب الأحيان. ومن معارفه وشركائه وأنسبائه وأقربائه, فان محاكمتها والحكم على أدائها, وأداء أعضائها, لا يتم وفق معايير عامة وجماعية تم التوافق عليها. إنما يتم وفق مزاج وهوى ومصالح كل أردني وأردنية, خاصة ان كل واحد من هؤلاء جميعا, صار يظن أنه يصلح أن يكون عضواً في مجلس الوزراء. في ظل غياب المعايير والمقاييس لاختيار الوزراء وفي ظل هذا الغياب صار وزيراً من لا يصلح لأن يكون خفيراً. وصار وزيراً من لم يكن يحلم بأن يصبح مديراً في يوم من الأيام أيضاً.


ليس هذا وحده سبب تبرم الأردنيين من حكوماتهم المتعاقبة, وشتمهم لها. فهناك أسباب كثيرة أخرى, ليس هذا مجال ذكرها. لكننا نحب هنا ان نسأل: هل الذين يشتمون الحكومات في بلدنا أفضل من أعضائها؟ وما هو سر هذا العثار الحكومي المتواصل, خاصة وان عدد الوزراء في الأردن يفوق عدده في أي بلد آخر قياساً إلى نسبة السكان؟ بعد أن جربنا ما يسمى بالتكنوقراط فكان الفشل من نصيبهم. وجربنا من نسميهم الليبراليين الجدد فكان الحصاد مراً. وجربنا بقايا الحزبيين فلم يكن الحصاد أفضل. وجربنا أهل الثقة فلم يكونوا بحجمها. وهؤلاء جميعا هم من أبناء شعبنا, ومن أفراز تجربته. فلم نسمع اننا استوردنا رؤساء أو وزراء من خارج حدود الوطن. وان كانت علامة الاستفهام تدور حول ولاء بعضهم وانتمائهم لبلدنا ونظامنا السياسي, ولهذا حديث آخر. لكن المؤكد انهم جميعا من أفراز الشعب الأردني, ومن بين صفوفه, فأين الخلل إذاً؟ هل يكمن الخلل في مجمل منظومتنا السياسية, وفي أدوات هذه المنظومة لفرز القيادات والكفاءات التي تتولى الأمر في مفاصل الدولة؟ لعل هذا سبب من أسباب ما نحن فيه من عثار, لكنه ليس كل الأسباب.


هل يكمن السبب في حالة الازدواجية التي يعيشها شعبنا الذي صار في غالبيته يتحدث حديثين, ويتخذ موقفين. ففي أحاديثه السرية والجانبية, وفي غرفه المغلقة تمارس غالبية شعبنا شتم الحكومات, وانتقادها واتخاذ مواقف معادية منها. حتى إذا ما صار الحديث علنيا, والمواقف معلنة, صار الثناء والمديح من نصيب الحكومة, وصار التأييد لها واجباً, وصارت مقولة "أعطِ القوس باريها" من نصيب كل وزير فيها.


لعل هذه الازدواجية التي يعيشها شعبنا, هي سر ازدواجية المسؤولين, وخاصة السياسيين في بلدنا. فهؤلاء يقولون وهم في خارج موقع المسؤولية كلاما جميلا ويتخذون مواقف حادة رافضة لكل ما يجري. ويرفعون شعارات جميلة عن الإصلاح والمشاركة والحرية والديمقراطية. ويشهرون سيوفهم في وجه الفساد بكل أشكاله الإداري والمالي والسياسي, حتى إذا ما صاروا في موقع المسؤولية والقرار, لحسوا كل كلامهم الجميل. ونسوا كل مواقفهم. وصاروا جزءاً من منظومة الفساد التي كانوا يشتمونها. والشواهد الحسية على ذلك متوفرة عندي بكثرة وبالأسماء. وهذا يجعلني أقول بأن الكثيرين منا إنما يعارضون الحكومات, ويشتمون الفساد ليس رفضا منهم للفساد, وإنما غضبا منهم على ضياع حصتهم من كعكة الفساد. لذلك يكفون عن الشتم عندما تأتيهم فرصة الحصول على حصتهم من هذه الكعكة. وهذه بحد ذاتها كارثة, لأنها تعني ان كل واحدٍ منا يحمل في أعماقه فاسداً, لا يتورع عن ممارسة الفساد, عندما تحين الفرصة. بدليل هذا التدافع من قبل كل من "هب ودب" للترشح للانتخابات النيابية حتى من أناس لم يكن معروفا عنهم مشاركتهم في الحياة العامة, أو الاقتراب من هموم الناس, خاصة فقراءهم والمحتاجين منهم. وإنما يندفع هؤلاء لترشيح أنفسهم سعيا منهم لتحقيق مكاسب شخصية, أولها تحسين أوضاعهم المالية أو الحصول على موقع تفاوضي أفضل في مجال الصفقات.


ومثل تدافع الفاسدين لترشيح أنفسهم كذلك تدافع الكثير من الناخبين لبيع أصواتهم في الانتخابات لمن يدفع أكثر. وهؤلاء شهود زور يبيعون ضمائرهم علنا, ومع ذلك يجدون من يشتري. ويدفع. في تواطؤ مكشوف على ممارسة الفساد. فأي مجلس نواب ستفرزه عملية الفساد والتواطؤ على الفساد هذه التي تجري في بلدنا.


ان مظاهر الفساد التي يمارسها كل واحد منا لا تعد ولا تحصى. ابتداء من السعي لتأمين الواسطة لكل معاملة من معاملاتنا. وهي الواسطة التي يتم من خلالها الاعتداء على حقوق الآخرين وهو الاعتداء الذين نمارسه جميعا. فيعتدي كل منا على الاخر. في عملية اشتباك مستمرة بيننا. وصولاً إلى عدم تردد أي منا أفرادا أو جماعات في دفع الرشوة أو قبولها وكلها تؤكد ان اختلافاتنا وخلافاتنا التي تأتي في إطارها مواقفنا من الحكومات ليس على الوطن. بل على حصتنا من هذا الوطن. وهذا ناقوس خطر كبير لأنه يعني انه ليس لدينا مشروع إصلاح لأوضاعنا. بل حرص على نصيبنا من الكعكة.

 


 



تعليقات القراء

قلم ساخر...USA....
رغم هذا التشابه في أسس تشكيل الحكومات نستطيع أن نستخلص ونستنبط أن الأسباب الظاهرية من أجل إرساء أسس الديمقراطية الحقة في بلداننا التي لم تر نور الديمقراطية بعد! على رواد الديمقراطية ومناصريها أن ينتبهوا الى ضرورة توعية شعوبهم بأسس الديمقراطية الصحيحة وأن ينشروا مبادىء ثقافة الديمقراطية كي لا تنخدع تلك الشعوب وتقع فريسة سهلة بين براثن المتطرفين والمتشددين أو الفئويين وعشاق الذات. ولكي لا تصبح الدكتاتورية المرّة العنيدة أبهى وأنسب من الديمقراطية الهشة الجديدة فيضيع الخيط والعصفور وتخرج الشعوب المتعبة من صحراء الدكتاتورية الجافة لتدخل في نار الديمقراطية الحارقة ويصح عندها المثل القائل: كالمستجير من الرمضاء بالنار....!
24-08-2010 12:29 PM
حسام البطيخي .
دعني أقول لك بأن لا يوجد أنسان على وجه الارض ليس له محبين وبغضين الكمال لله وحده .... ولكن أقول عن نفسي أنا ولماذا موقفي من دولة السيد سمير الرفاعي الافخم ومن بعض موظفين الديوان الملكي وخصوصآ ما حصل في 3/9/2000 من ظلم أتمنى بأن يقال ما عندي أمامهم وعلى الهواء مباشر أمام 6 مليون مواطن وهم يحكمون ضميرهم بعد ذالك ................... على فكرة صعب جدآ ارضاء الجميع من قبل أي مسؤل .. ولكن الاصعب من ذالك هو دعس الفقير بالمقابل وضع الغني مكانه ومع العلم ممكن تكون شهادة الفقير أكبر من الغني أو أبن المحسوب عليهم .............. والشاهد على ما اقول هو الله عزة وجل ومن ثم معالي السيد عون خصاونة الاكرم كونه رئيس الديوان الملكي أنا ذاك .....................................................؟؟؟؟؟؟؟
24-08-2010 12:33 PM
دكتور ساخر...USA....
المفارقات التي تتميّز بها الحالة العربية في الوقت الراهن هو عدم نضوج مفهوم الديمقراطية في عقول ونفوس بعض السياسيين العرب. فظاهرة "شبق السلطة" وحب الأنا وعدم التسليم بالرأي الآخر، وبناء هيكل الديمقراطية على أسس دكتاتورية أي نشوء حالة الـ " الدكتوقراطيّة"، إن صحّ التعبير، وقلة الوعي الديمقراطي بشكل خاص والوعي الإجتماعي بشكل عام، كلّ ذلك يجعل تأزم الحالة في تفاقم مستمر. فالذي يراقب الحالة العربية عن كثب قد يصعب عليه أن يرى سيناريوهات مثالية تصنع من الوضع الحالي دول مستقرة موحدة آمنة في ظل التشرذم السياسي الداخلي للدول العربية
24-08-2010 12:36 PM
أبو عنتر...USA.......USA....
عن زاد الاردن ..!. الشرطة الإسرائيلية توصي بمحاكمة أولمرت ومسؤولين سابقين بتهمة الرشوة ,,,تعليق من ساخر عربي....USA,,ووووهه ووووهه ووووهه بالله عليكم بصير عندنا?هذا القول يدلّ على فهم عميق لوظيفة سيادة القانون وهذا هو الوضع الطّبيعيّ الّذي يضع فيه القانون فوق مصالح المسؤلين.,,الثلاثاء, 24 آب 2010 زاد الاردن
24-08-2010 12:54 PM
اقتراح
ما دام مقر مجلس الوزراء في عمان فالامور ستبقى على ما هي عليه. عند الاقتراج التالي.
لماذا لا يتم مقر مجلس الوزراء الى المحافظات سنة وراء سنة، يعني السنة الاولى في العقبة وا لثانية في معان وهكذا الى عمان والى اربد، طبعا المقر يجب ان ينتقل الى جميع المحافظات، وان لايتم اقامة اي بناء جديد بل يتم استئجار شقة نظيفة باجار لا يتجاوز 1000 دينار شهريا. وتتم ادارة امور الاردن من هذا المقر المتنقل.
الجزء الثاني من الاقتراح واذا ثبت اخلاص مجلس الوزراء ان لا يتم تغييره لمده 20 سنة قادمة، يتم خلالها وضع مخخط الاردن عام 2030.
يتم صرف سيارات كيا سيفيا لكادر مجلس الوزراء و300 دينار بدل بنزين .
هذا الاقتراح لان الوزراء ممكن صاروا مثل السمك اذا طلعوا من عمان بموتوا فبدنا وزراء تلفح وجوههم شمس المفرق ومعان ويعانوا من العواصف الرملية وجور الشوارع ومطباتها ومن قلة المياه.
المقترح اذا استمريت فيه فهو طويل ولكن لهنا كفاية / فهل من وزير يترشح ضمن هذا العرض لخدمة الاردن كله وليس لخدمة نفسه وعمان فقط. وسلامتكم
26-08-2010 08:36 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات