الذوق العام


عدة جرائم قتل هزّت كيان المجتمع الأردني في بدايات هذا الشهر الفضيل، وليس بالضرورة أن يكون وقوعها مرتبطاً بالصيام، الذي من المفترض أن يهذّب النفوس ويعزّز صلة الرحم بين أفراد العائلة والمجتمع الواحد، ويشيع ثقافة التسامح والمحبة والتكافل، الا أن هذه الجرائم تتكرر في كل عام في رمضان وغيره من الشهور، ومن المؤسف أننا نشهد الكثير من السلوكيات السلبيّة اليومية والعامة والتي تتعارض مع ديننا الحنيف وفطرتنا الانسانية، وفي غالب الأحيان تكون هي الشرارة التي تقود الى مشكلة وربما جريمة قتل، بسبب هشاشة القوانين وضعف ثقة الناس بتحصيل حقوقهم عبرها. 

هناك قصور مخيف في الدور التوجيهي والتربوي الذي تقوم به المؤسسات التعليمية والاجتماعية، ابتداءً من الأسرة ومروراً بالمدرسة والجامعات والمساجد ومؤسسات الأعلام، وانتهاء بالأماكن العامة. قليلون هم اولياء الأمور الذين يراعون الذوق العام في خطابهم سواء داخل بيوتهم او مع اصدقائهم وزملاء العمل أو مع بقية الناس في المجتمع، وبالتالي يشكّلون مثلاً عُليا سلبية لأبناءهم، وقليلون هم الأئمة الذين يحرصون على تربية النشئ من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد أو عبر وسائل الأعلام؛ بسبب تواضع مستوى الغالبية منهم الفكري والعلمي، وقليلون هم أساتذة الجامعات وقادة المؤسسات والمجتمع ممن يضعون أهمية قصوى لمستوى خطابهم العام ومناسبته للذوق العام، والأمثلة على ذلك كثيرة ومؤسفة وتجدها في اللقاءات التلفزيونية الحوارية، وفي جلسات النواب التشريعية والرقابية، أو حتى في المحاضرات والندوات الثقافية والأدبية والأجتماعات العامّة. كل هذا الذي سبق شاهدٌ قوي ودليلٌ مخيف على فشل تامّ لمؤسسات الدولة التربوية والاجتماعية والاعلاميّة والدينية، فالثقافة السائدة هي ثقافة الشارع، وهي التي تحدّد معايير الذوق العام، مع وجود بعض القوانين التي تم سنّها قبل عشرات السنين، وما زال بعضها صامداً حتى الآن لتنظيم حياة الناس. 

إن من حق المواطن العادي أن يسير مع اسرته في الأماكن العامة آمناً دون أن يتعرّض لسماع ألفاظ أو مناظر خادشة للحياء العام من قبل شبان او بالغين مستهترين، ومن حقه أيضاً أن يقود سيارته وأن يشعر بالامان ضمن ضوابط قانون السير، الذي يجب تفعيله واستخدام الكاميرات في الاماكن العامة ليس فقط للجباية، ولكن لحماية حقوق كافة الناس - سائقين ومشاة، وللحضّ على القيادة الآمنة ومراقبة ضوابط الذوق العام. كذلك من حق الناس أن يذهبوا الى أماكن الترفيه والخدمات العامة والأسواق دون أن يتعرضوا الى أي تلوث سمعي أو بصري يؤذي مشاعرهم ومشاعر أطفالهم وأسرهم. ان من أهم مكونات المجتمع الناجح والصحي هو حفظ واحترام حقوق الناس، عن طريق دولة مؤسسات تسنّ القوانين وتطبقها بحرفية عالية، ويعيش فيها الناس آمنين على حياتهم ومحفوظة لهم كراماتهم وحقوقهم، فهل من مراجعة للذات؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات