السودان والجزائر


درسان رئيسيان نستخلصهما مما حصل في السودان والجزائر. الدرس الاول هو ان تحدي غياب الحوكمة الرشيدة في اغلب اجزاء الوطن العربي ما يزال ماثلا و بقوة، و ان كافة الحروب والاضطرابات التي حلت بالمنطقة منذ العام 2011 لم تقنع الناس بعدم تكرار النزول للشارع. فحين لا يتم معالجة السبب الرئيسي وراء الثورات العربية منذ العام 2011، وهو عدم الانتباه لضرورة بناء دول عصرية فيها مؤسسات راسخة وتعتمد الحاكمية الرشيدة واشراك الناس في صنع القرار، فان التعبير الشعبي الغاضب يمكن تأجيله فقط وليس تجاوزه. اشفق اليوم على كل من بشرنا بأننا تجاوزنا مرحلة “الربيع العربي” الى غير عودة.

أما الدرس الثاني و الذي لا يقل أهمية عن الاول فهو إن غياب المؤسسات الفاعلة في الوطن العربي، وهو نتيجة مباشرة لعدم وجود الإرادة السياسية لتطوير هذه المؤسسات، يعني عمليا أن البديل الوحيد في معظم الاحيان لتغيير القيادات السابقة هو المؤسسة العسكرية، التي يبدو انها المؤسسة الوحيدة التي يتم التركيز على بنائها، و التي لم يعرف عنها الايمان بالتعددية و الديمقراطية وبناء المؤسسات. وهي قادرة على الحكم فقط بسبب قوة السلاح. و بالتالي فإن التغيرات التي شهدناها في السودان والجزائر وقبلهما مصر، لا تغير في الواقع شيئا، ولا تعني إلا استبدال سلطوية بسلطوية، و بالتالي لا تعالج أيا من المشاكل التي دفعت الناس للنزول إلى الشارع بالدرجة الاولى.

إلى متى نبقى دافنين لرؤوسنا في الرمل؟ وإلى متى نعزو الثورات العربية تارة لمؤامرات خارجية وتارة لقوى متطرفة، و الحقيقة ماثلة أمامنا وواضحة وضوح الشمس.إنها نتيجة مباشرة لغياب الحاكمية.

من الطبيعي في غياب الاطر السياسية والمؤسسات الفاعلة ان يعبر الناس بوضوح عما لا يريدون دون ان يتمكنوا من تأطير ما هم بحاجة اليه. غياب هذا التأطير يعني بقاءنا في دوامة السلطوية التي تتبعها احتجاجات شعبية التي تتلوها سلطوية اخرى.

لقد بات واضحا ان القبضة الأمنية لم تنجح لا في ابقاء الناس في بيوتها و لا في حل مشاكلها اليومية. و بالرغم من ذلك هناك عناد كبير من الانظمة الحاكمة في العالم العربي ضد فتح المجال السياسي وبناء دول عصرية يقابله احتقان شعبي اخذ بالتزايد ولم يعد بالامكان تجاهله. تكبر الفجوة بين الحاكم والمحكوم و ليس هناك من إرادة حقيقية لمعالجة هذا الاختلال المخيف.

وحدها تونس من استوعبت الدرس وباشرت، وان لم تصل لبر الأمان بعد، بالتأسيس لدولة عصرية عن طريق دستور جديد وضع بالتوافق بين كافة مكونات المجتمع، دستور يضمن حقوق كافة المكونات والأفراد،ويحقق درجة عالية من المساواة بين المواطنين بما في ذلك المساواة بين المرأة و الرجل— بينما ننكر نحن حقوق المرأة صباح مساء. لقد صرف باقي العالم العربي جهدا كبيرا في “إفهامنا” ان للحالة التونسية خصوصية لا يمكن تكرارها اكثر بكثير فيما صرف لدراسة “الخصوصيات” الاخرى و بدء الانتقال المنهجي لدولة المؤسسات.

لن يتحقق الاستقرار في السودان و الجزائر لمجرد تغيير اسم الحاكم، و ما لم يتغير نهج ادارة الدولة، ستبقى هاتان الدولتان، بل اغلب دول المنطقة، في دوامة لن تجلب الا مزيدا من عدم الاستقرار والأزمات الاقتصادية والسياسية . و يبقى العالم العربي يحاول تطبيق نفس الأساليب القديمة و يتوقع نتائج مختلفة. وتبقى الحقيقة التي ما نفتأ نحاول إنكارها: اما ان نبني دولة المؤسسات، او يبتلعنا الفراغ الناتج عن غياب المؤسسات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات