أزمة "بلاك بيري" .. بين طمع المخابرات وترويض المجتمعات


جراسا -

كتب رائد العابد  - بقدرة قادر انتبهت أجهزة الأمن العربية إلى خطورة جهاز "بلاك بيري" الذي بقي لفترة طويلة معشوق المديرين التنفيذيين والسياسيين، بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، والآن أصبح مستهدفا بسبب خدماته المشفرة للبريد الإلكتروني والتراسل الفوري بإدعاء أنه يشكل خطرا على "الأمن الوطني".

ليس هناك من أدنى شك أن الإنترنت وخاصة تطبيقاتها على أجهزة الهواتف النقالة أصبحت تشكل تحديا كبيرا للأجهزة الأمنية التي اعتادت أن تحتكر "أنفاس" مواطنيها ما بالك إذا استطاع مواطنوها والمقيمون على أراضيها استخدام  هاتف "بلاك بيري" الذي تحتفظ الشركة الأم "أر أي إم ريل موشن" الكندية بكامل خوادمها  "سيرفرز" في كندا، وترفض نشر خوادم في دول أخرى للحفاظ على خصوصية وأمن زبائنها باستثناء بعض الخوادم المرحلية.

كما أنه معلوم لدى السلطات المختصة في الدول العربية أن شركات الاتصالات المحلية تعمل فقط كخادم لشركة "بلاك بيري" وتنحصر مهمتها في جمع البيانات المشفرة وإرسالها إلى مركز "أر أي إم" التي بدورها  تعمل على فك الشيفرات وتخزين الرسائل في خادماتها الخاصة.

تعلم ايضا الأجهزة الأمنية وأجهزة مكافحة الإرهاب ، وليس مكافحة المخدرات أو الفساد أو الجريمة مثلا، في الدول العربية أنه: لا يحق لأحد الاطلاع على البيانات الصادرة أو الواردة المشفرة من أجهز"بلاك بيري" إلا من قبل شركة "أر أي إم" ففك الشيفرات المعقدة التركيب تملكها الشركة وحدها.

فالشركة الأم تملك وحدها الحق القانوني والأخلاقي في تفحص البيانات والرسائل في حال الشك بها عن طريق إخضاعها لقائمة مفردات ورموز متفق عليها عالميا وتتماشى مع قاموس ضخم مستوحى من هواجس "مكافحة الإرهاب".

لذلك فإن المخاوف من هواتف "بلاك بيري" تستخدم للتجسس على مصالح حيوية وتهدد الأمن القومي لبعض الدول وأنها تعد وسيلة سرية بين التنظيمات الإرهابية لتنفيذ مخططتاها ، كلام يراد منه الضغط على الشركة لأن تلك الدول عجزت عن "التجسس" و"السيطرة" على بعض خدمات "بلاك بيري" لأنها خارجة عن نطاق سيطرتها.

ألا تعلم الأجهزة الأمنية في الدول العربية بأن جميع البيانات التي ترسل عبر هواتف "بلاك بيري" لا بد أن تمر عبر خوادم مرحلية موجودة في وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وهو ما يعطي لأجهزة المخابرات في تلك الدول إمكانية التجسس عليها والحصول على معلومات خصوصا أنها تملك الإمكانيات التكنولوجية لذلك؟

هل نحن نعيش في كوكب آخر؟ وهل أجهزة المخابرات الغربية بحاجة لجهاز مثل "بلاك بيري" للتجسس علينا؟ اذا كانت كل التكنولوجيا التي نملك في العالم العربي غربية وإذا كانت خادمات الإنترنت نفسها تحتكرها الولايات المتحدة مع بعض الفتات للدول الغربية الأخرى، وإذا كان تعطل "كيبل" أسفل البحر المتوسط يقطع خدمات الإنترنت عن آسيا وإفريقيا، فهل زلتم تعتقدون أنهم لا يتجسسون علينا؟؟

ناهيك طبعا عن التعاون الاستخباري الإجباري لمكافحة ما يسمى بـ"الإرهاب" والذي يتطلب كشف كل أوراقنا الشخصية والوطنية والاقتصادية وحتى كواليس غرف نومنا.

المضحك في قضية "بلاك بيري" أن دولا عربية تتهم "الجهاز"  بالمساس بأمنها الاجتماعي، بمعنى أنه يساعد على نشر الشائعات وتهييج الشارع مما يجعله "عدوا للأمن الاجتماعي". والمبكي في الموضوع أن الاتهامات  لـ"الجهاز" وصلت الى مخاطر تمس "منظومة القيم الإجتماعية" خاصة في ظل ولع الشباب والمراهقين  باستخدامه واتصالهم مع أشخاص من "ثقافات وأخلاق" تختلف عن "قيمنا العربية والإسلامية" مما يؤدي الى خلق مشاكل أخلاقية خطيرة في ظل ضعف الرقابة الأسرية نتيجة جهل الآباء لمخاطر هذا "الجهاز"!

لا أدري صراحة من وضع هذه الكلمات المكررة والبالية والتي تستخدمها الحكومات العربية كلما أرادت أن تكتم أنفاسنا. اذا كان جهاز يستخدمه النخبة يثير كل هذه المشاكل، فما رأي حكوماتنا الرشيدة بما يجري على هواء الفضائيات ويشاهده كل بيت تقريبا وبتمويلها أحيانا؟! ماذا تسمي زيادة نسبة الإدمان على المخدرات وارتفاع معدلات الجريمة؟!

ما زالت الحكومات العربية تعيش عصر الأمية الديمقراطية والمصطلحات البالية ولا تريد التسليم بواقع يفرض علينا تجديد الخطاب والتكيف مع ثقافة أن العالم "قرية صغيرة".

فلم يعد هناك مجال للسيطرة على أفكار ومعتقدات الناس وتحصين المجتمعات من أي خروقات مسيئة لقيمها وثوابتها بالتجسس عليها فقط. بل يتم ذلك بالاستثمار في مقدراتها وبنائها وتهيئتها لتنافس المجتمعات الأخرى، لا باستيراد ثقافات وتكنولوجيا الآخرين وطمس كفاءة مواطنيها ثم التعامل معهم على أنهم "رعاع" يجب الاستمرار في تربيتهم وتوجيههم وتكميمهم.

لماذا مثلا ما زلنا نعتمد كل الاعتماد على "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها للتعبير عن أنفسنا سياسيا واجتماعيا، مع أننا نعلم أن هذه المواقع مخترقة من كل أجهزة المخابرات الغربية؟!

لماذا خدمات "جوجل" تتصدر القائمة في الوطن العربي؟ ولماذا جميع خدمات الدردشة غربية ويدمن عليها صغارنا وكبارنا؟ لماذا جميع خدمات البريد الإلكتروني التي نستخدمها أمريكية؟

وفوق ذلك كله لم نصنع هاتفا نقالا واحدا؟ ولا حتى كمبيوترا واحد؟ ألا تعلم الحكومات العربية أن جميع خوادم الإنترنت "سيرفرز" غربية؟ وأنها مفتوحة للتجسس حتى لو كانت في أوطاننا؟

لماذا تشجع حكوماتنا فضائيات العري ومسلسلات "الهبل" ولا تدعم اختراعا عربيا أو إسلاميا واحدا؟!
 

اذا كان مراهق نمساوي لم يتجاوز الثامنة عشر استطاع اختراق خوادم البنتاجون وسرق خزانة المعلومات السرية الأمريكية ، هل تظنون أن العالم في مأمن؟! وهل تعتقدون أننا لا نملك ألف مراهق مثله وأفضل؟!

 

نعم، وأفضل. إذا وفرتم "الكباب" وأوقفتم مسخرة "مكافحة الإرهاب"، لأن توفير لقمة العيش والحرية يصنع جيلا مبدعا والأنظمة البوليسية تفرخ جيلا متمردا.


شبكة الإعلام العربية "محيط"




تعليقات القراء

قلم ساخر....USA....
أفيقي يا خير امة أخرجت للناس ، أفيقي من سباتك العميق ، وتفاخري بما تفاخر به الأمم. فكيف لأمة أن تنهض والتفاهة تعشعش في عقولها ، وأحقر الأمور تتحكم في جل شؤؤنها.ابني أيتها الأمة سلالما من العزة والشموخ لتصعدي عليه من بئر الجهالة والتخلف.إصنعي مجدا يفاخر به أبناؤك على مر الزمان..ابني .ابني .ابني
16-08-2010 06:53 AM
الكنج
والله صح لسانك
حكوماتنا العربية مازالوا في سكرتهم يعمهون
16-08-2010 09:59 AM
خريويش الطوز كلانا
اجهزة المخابرات مش بس عربيا عالميا هي اجهزة مفيدة لامن اوطانها بس من كل عشر رجال مخابرات رجل مخابرات وطني وصالح بكون....وفي تسعة متسلقين اذا ما لقه حد يكتب تقرير فيه بكتب بامه وطبعا رجال المخابرات هم يلي بتحكموا بكل السياسين في العالم عن طريق الابتزاز والتنصت والتجسس على كل شي بمشي على رجلتين ثنتين ..
يعني بمعظم الدول العربنجيه من رئيس الوزراء وجر نازل الكل بده رضى رئيس جهاز المخابرات..يعني الكل بده يكتب وينح تقارير بشكل يومي والشاطر يلي بده يفرجي انه خطه احلى من الثاني ..
الغريب مدراء اجهزة المخابرات والاجهزة الامنيه كافة بعد ما ينهي خدمته ويترك منصبه ..بتم ادراجه بخانه المليونيريه واصحاب الثروات والاستثمارات الكبيرة والمزارع والشركات ..ليش لانه كان بعرف ارقام خزنة علي بابا و من اين تاكل الكتف ومعه كل مفاتيح البلد وبعرف كل واحد وشو مفتاحه لانه مافي واحد صاحب قرار او مسؤول الا وفي اله عنده ملف وبعرف من اي ايد يمسكه ..فطلباته بتكون اومر حتى لو ترك المنصب ..اه ونسنا انه اولاده كلهم بكونوا وزراء وسفراء ومسؤولين وحتى نواب .
16-08-2010 01:57 PM
رائد العابد
جراسا نيوز : الاخ الزميل رائد العابد نعتذر لهذا الخطأ وتم تصحيحة ونشكر لك اهتمامك.
18-08-2010 03:16 AM
زعلان من الدنيا
بتعرف المشكله انه احنا عارفين الصح وساكتين
ما تلوموه الحكومات العربيه على الي بتعمله فينا لانه احنا بنستاهل اكتر من هيك لانه ما في حدا بيقدر يوقف وقفه رجال ويحكي انا انا ما بدي الحومه او الرئيس بعدين الحكومه مبسوطه لانه لقت شعب جبان واخرس واخدت راحتها بالسرقه والنهب في مقوله بتجسد الوضع الي احنا فيه
(كما تكونوه يولى عليكم) يعني طول ما احنا هيك راح انضل تحت رحمه الحرميه والعملاء ولكن لو اخدنا موقف راح يتغير كل شي لانه البدايه من عندنا وشكرا
24-09-2010 04:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات