كيف أعادت إسرائيل رفات أحد جنودها من سوريا ؟


بعد عمليات استخباراتية وإستراتيجية مكثفة وطويلة المدى سرية ومعقدة وبعيدة كليا عما عرفناه من صفقات لتبادل الأسرى والجثث تمت بمساعدة دولة ثالثة عظمى قيل أنها روسيا حيث سبق لإسرائيل أن ناشدتها بمساعدتها في العثور على رفات جنودها الموجودين في مناطق محددة في سوريا وقد شارك في العملية شعبة الاستخبارات العسكرية ووحدة الأشخاص المفقودين في الجيش الإسرائيلي " إيتان " التي شكلت عام 2002 وأجهزة استخبارات إسرائيلية أخرى وأطلق على العملية اسم زيمر نوغي أي " أنشودة حزينة " استطاعت من خلالها إسرائيل استعادة رفات احد جنودها المفقودين بعد تحديد مدفنه في مقبرة مخيم اليرموك جنوب دمشق وهو الرقيب الأول زخاريا باومل بعد 37 عاما من فقدانه في معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع اللبناني قرب الحدود السورية في حزيران عام 1982 حيث كان يقود إحدى الدبابات الإسرائيلية وقد نقل رفات 10 جثث أخرى من المقبرة إلى إسرائيل وتم إجراء فحوصات عليها في معهد أبو كبير للطب العدلي وتبين أن أيا منها لا تعود إلى الجنديين يهودا كاتس أو تسيفي فلدمان المفقودين معه .

وقبل إتمام العملية بسبعة شهور تقريبا لمح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف في سياق حديثه حول حادثة تسبب إسرائيل بإسقاط الطائرة الروسية العسكرية فوق سواحل اللاذقية بأن بلاده تعمل على مساعدة إسرائيل في سوريا بخصوص قضية "إنسانية" غير أنه لم يوضح طبيعتها إلا أنه يبدو كان يتحدث عن رفات الجندي باومل وأكد أن ضباط مخابرات وقوات خاصة روسية بحثت خلال السنوات الثلاث الماضية منذ عام 2016 عن رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل واثنان من الجنود الإسرائيليين الآخرين المفقودين .

وفي مؤتمر صحفي سابق مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد في موسكو أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن جنود الجيش الروسي عثروا على مكان جثة الجندي الإسرائيلي بالتنسيق مع الجيش السوري مع تسريب حديث عن دور تركي أيضا غير مباشر في العملية وإن المساعدة الروسية سهلت المتطلبات اللوجستية بعد تفاهمات مع جهات محلية لنقل رفات الجندي ومقتنياته الشخصية ( بدلته وحذاءه العسكري) إلى إسرائيل في نعش مغطى بالعلم الإسرائيلي حيث نقل الرفات الى روسيا ثم الى إسرائيل على غرار ما حصل في قضية استعادة دبابة الطاقم المفقود والتي استولى عليها الجيش السوري حيث جلبها نتنياهو معه قبل ثلاث سنوات أثناء عودته من موسكو إلى تل أبيب .

وفي إطار عمليات البحث والرصد والتحري قامت الاستخبارات الإسرائيلية باعتقال عدداً من الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية على فترات مختلفة بعد قدومهم من سوريا وحققت معهم وحصلت على معلومات موثقة منهم بوجود رفات باومل في مقبرة مخيم اليرموك وقد اكتملت المعلومات الاستخبارية بشكل تام بعد عدة عمليات ميدانية أشرفت عليها وحدة كوماندوز خاصة تابعة لاستخبارات الجيش الإسرائيلي حيث ساعدت قوة أخرى تسمى "بالمرتزقة" التابعة للجيش الروسي وبمساعدة أشخاص "محليين" متواجدين على الأراضي السورية تم الوصول في نهاية المطاف إلى القبر الذي كانت رفات باومل موجودة فيه وكذلك معرفة مكان وجود حاجياته الشخصية وقد سبق للرئيس الراحل ياسر عرفات ان وعد الإسرائيليين بالمساعدة في الوصول إلى رفاته كما وعدت حركة حماس بعض الأطراف الأوروبية والإقليمية التي توسطت في صفقة وفاء الأحرار ( شاليط ) بالمساعدة في الوصول إلى الرفات واستعادتها إضافة إلى وعود حزب الله اللبناني للوسيط الألماني بالمساعدة في ذلك منذ سنوات عديدة ولكن لم يحدث أي تقدم على هذا الصعيد نتيجة تلك الوعود إلى أن جاء التقدم المتسارع في الأشهر الأخيرة حيث كثفت إسرائيل عملها وجهودها مستفيدة من حالة الفوضى في سوريا ووجود جهات محلية مرتزقة وعملاء وجواسيس .

وان الجهات " المحلية " التي ساعدت في تحديد القبر الذي يتواجد فيه رفات الجندي وكذلك مكان مقتنياته الشخصية عملت مقابل مساعدات مالية وأمنية وهي ذات صلة مباشرة ووثيقة بجماعة مسلحة كانت متواجدة قرب الحدود مع إسرائيل وقد وردت إنباء إعلامية متعددة قبل سيطرة الجيش السوري على جنوب البلاد في أيار من العام الماضي تفيد بأن تنظيمات داعش وجبهة النصرة والجيش الحر وبأمر من إسرائيل قامت بحفريات متكررة في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك بحثاً عن رفات الجنود الإسرائيليين الثلاثة المفقودين بعد معركة السلطان يعقوب .

ورغم الحديث المتواصل عن الاستثمار الانتخابي للعملية من قبل نتنياهو تحت عنوان ( بمساعدة الدراما الإنسانية نتن ياهو يحاول التغطية على إخفاقاته ) وتسألوا لماذا يكشف عن هذه العملية الآن قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية وماذا يعني ذهاب نتن ياهو في رحلة عاجلة إلى موسكو من أجل شكر الرئيس الروسي وبعض الشخصيات السياسية والعسكرية الأخرى على جهودهم في انجاز العملية وقد اعتبر بعض المراقبون إن زيارته في هذا السياق هي دعاية انتخابية بالدرجة الأولى بغض النظر عن المواضيع التقليدية التي سيناقشها في ما يتعلق بلجم إيران في سوريا وإخراج عناصرها المسلحة كلياً من هناك وكذلك الحال بالنسبة للمصنع الإيراني الجديد في لبنان ومحاولته استثمار الغضب الروسي على سوريا بسبب تقاعسها اتجاه الأنشطة الإيرانية في الأراضي السورية بهدف إخراج القوات الإيرانية والميليشيات التي تدور في فلكها من سوريا ضمن خطة عاجلة ومتكاملة .

وفيما يخص النظام السوري حول العملية لم يعرف ماذا كان دوره بالضبط والسؤل المطروح هل يمكن لروسيا أن تقدم على هذه الخطوة الحساسة دون التنسيق مع النظام السوري وللموضوعية والإنصاف وفي ضوء الواقع السوري المنشغل باستكمال إعادة هيبة الدولة ومقاومة الجماعات المسلحة إضافة إلى الهيمنة العسكرية والأمنية المطلقة للقوات الروسية في مختلف القطاعات والمواقع ربما يكون النظام السوري قد علم بالعملية في مرحلة متأخرة وبعد إتمام فصولها وأنه تم إبلاغه رسميا من قبل روسيا بأن الرفات تم العثور عليها وهي في طريقها إلى موسكو وهناك من يعتقد أكثر من ذلك بأن روسيا ربما لم تبلغ النظام السوري بالأمر منذ البداية وحتى النهاية .

وفي تغريدة لافته للزعيم الدرزي وليد جنبلاط على حسابه عبر تويتر نقلتها بعض المواقع العبرية لم تلقى ارتياح الكثيرين قال فيها " في لعبة الأمم بمصير الشعوب فإن تسليم رفات الجندي الإسرائيلي عبر وسطاء مجهولين هدية مجانية قيمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في انتخاباته " وختم تغريدته بسخرية "التحية كل التحية للنظام السوري رأس حربة الممانعة العربية والإقليمية والأممية " .

الا انه وللحقيقة المرة فان إسرائيل تعتبر من أوائل الدول في العالم التي تهتم بشكل كبير بحياة جنودها وأسراها واستعادة جثثهم أو رفاتهم ولنا في ذلك أمثلة عديدة عبر صفقات التبادل المتكررة والمخاطرة الكبيرة التي تتحملها من اجل إنقاذ أي جندي قتيل او جريح او أسير في ميدان المعركة او خارجها وهي دائما تحاول رفع معنويات الجنود القتالية بتعزيز الثقة فيهم بأن يعرفوا عند انضمامهم للجيش أن دولة إسرائيل ستفعل كل شيء ممكن في حال سقطوا في الأسر أو فُقدت آثارهم من أجل إعادتهم إلى الوطن حيث تعتبر استعادة رفات الجنود هي بمثابة الوفاء بعهد أخلاقي للمحاربين وأفراد عائلاتهم ولا تزال حتى الساعة تطالب بإعادة رفات الجاسوس ايلي كوهين ومعرفة مصير الطيار رون اراد واستعادة رفات الجنديين اللذين تحتجز حركة حماس جثمانيهما في غزة هدار غولدين وأورون شاؤول واستمرار البحث الرسمي على أعلى المستويات وبكافة الوسائل عن 176جندي مفقودين منذ عام 1948تم العثور على ثلاثة منهم الجندي ليفكا شيفر الذي قُتل في عام 1948 الملازم ياكير نافيه الذي تحطمت طائرته في بحيرة طبريا في عام 1962 والآن باومل وهي تأكيد واستمرارية لعهد إسرائيل أنها لا تنسى جنودها مهما طال الزمن .

وأخير
تجدر الإشارة إلى أن زخاريا باومل 21 عاما خدم برتبة رقيب أول في الكتيبة المدرعة 362 التابعة للواء 399 وقد تم إرسال وحدته في 10 حزيران 1982 إلى منطقة السلطان يعقوب وتمركزت في مواقع حول . قريتي كوكبا وحاصبيا في منطقة البقاع اللبناني قرب الحدود السورية لوضع حواجز عسكرية وفي صباح اليوم التالي أصدمت بوحدة الفرقة المدرعة الأولى التابعة للجيش السوري حيث تبع ذلك معركة شرسة ودامية مع نهايتها لقي20 جندي إسرائيلي مصرعهم وأصيب أكثر من 30 آخرين وتم الإعلان عن الجنود باومل وفلدمان وكاتس بأنهم مفقودين بشكل رسمي وقد أسر جنديين آخرين وتم التجول بهم في شوارع دمشق محمولين على ظهر دبابتهم التي تم الاستيلاء عليها وتم إعادتهما في وقت لاحق إلى إسرائيل في إطار صفقة تبادل أسرى وقد استولت القوات السورية أيضا على ثماني دبابات تم إحضار واحدة منها من لبنان إلى سوريا كجائزة ثم أرسلت إلى روسيا في عام 1982 حتى يسمح للجيش الروسي بفحص مركبة القيادة والتقنية الإلكترونية التي كانت في الدبابة الإسرائيلية وفي عام 2016 أعادت روسيا الدبابة لإسرائيل كما ذكرانا أن وفي الوقت الذي يبحث فيه نتن ياهو في كل مكان وزمان عن أشلاء ورفات ومصير جواسيسه وجنوده المحتلين والمعتدين الغاصبين يتسابق قادة العرب إلى محاربة بعضهم البعض وتدمير بلدانهم وقتل شعوبهم وقهرها وتمزيق وحدتهم وتفريق شملهم عوضا عن تحقيق التعاون والشراكة وبناء المستقبل الأمن والمزدهر مما يبقى ارض العرب بحدودها ووجودها ومواطنيها ارض مستباحة إمام الغرباء والغزاة والمحتلين الغاصبين إلى ان تصحو وتنهض الأمة من جديد .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات