أبشع من جريمة قتل نيبال


مرتكب جريمة قتل الطفلة نيبال، بكل ما فيها من خسة وبشاعة، لا يمثل قيم مجتمعنا، فمثله كثيرون في دول العالم؛ أشخاص مرضى ومنحرفون، وتجار أطفال يرتكبون جرائم بحق الأبرياء الصغار تهز الوجدان الإنساني.

لكننا بالرغم من إقرارنا بهذه الحقيقة، تبقى في نفوسنا حسرة على مجتمعنا الذي عشنا فيه لعقود طويلة وتربينا على قيم المحبة والألفة الاجتماعية. الحارة الصغيرة كانت مصدر قوة واعتزاز ونخوة، يهب كبارها لمساعدة صغارها عندما يواجهون موقفا عدائيا أو يطلبون خدمة ورعاية.

التحولات الاجتماعية الاقتصادية الهائلة بدلت الواقع، ولم يعد ممكنا الركون لتقاليد الماضي وقيمه، وتلك مسؤولية تقع على عاتق الأسرة لتأمين الحماية الدائمة لأطفالها، وتوفير بيئة آمنة لهم في كل الظروف.

الأهمال الأسري يعد السبب الرئيسي لحالات فقدان الأطفال ووقوعهم في أيدي المنحرفين، أو استغلالهم جنسيا وتوريطهم في قضايا المخدرات وهم في سن المراهقة.

وفي حادثة قتل الطفلة نيبال سجلت ممارسات اجتماعية مقلقة، كان ميدانها وسائل التواصل الاجتماعي سيئة الصيت، تمثلت بالاستهانة العجيبة بمشاعر عائلة الطفلة ونشر معلومات وتفاصيل تتسم بالخصوصية، ناهيك عن محاولة تضليل الأجهزة الأمنية بمعلومات كاذبة، وترويج الإشاعات عن عمليات خطف متكررة للأطفال، دفعت بمدير إحدى مديريات التربية إلى إصدار تحذير مبالغ فيه للأهالي جلب ردود فعل معاكسة للهدف المنشود.

ما كان لوسائل الإعلام من صحف ومحطات تلفزة أن تنشر صورة الطفلة الضحية لولا أن عائلتها بادرت إلى نشرها أولا، لكن بعض المنصات والمواقع لم تتردد في كسر الأعراف المهنية والأخلاقية بنشرها صورا للطفلة متوفاة. هذا انتهاك صارخ لحقوق الضحايا والأطفال والتي تحظر على وسائل الاعلام نشر صورهم في القضايا الجنائية دون موافقة الأهل.

يمكنني تصنيف هذه السلوكيات بوصفها عملية سطو إعلامي على مكانة الضحايا وأسرهم وحياتهم، واستهانة بمشاعر المقربين،وتحريض على ارتكاب أعمال انتقامية تجر مزيدا من الجرائم، وهذا ما حصل من ردود فعل عشائرية بعد الكشف عن جريمة القتل.

المجتمعات المتقدمة تواجه مثل هذه الجرائم البشعة بحملات تضامن مع أسر الضحايا، وتقديم الدعم المعنوي والنفسي، وتخليد ذكرى الأطفال الضحايا بطرق حضارية، تساهم في تعميق الوعي الاجتماعي لمنع تكرار مثل هذه الجرائم، والضغط على السلطات لوضع برامج مراقبة لمرتكبي الجرائم خارج السجون، واخضاعهم لبرامج علاجية، وإخضاع سلوكهم للفحص المستمر.

والحادثة مناسبة أيضا لتنظيم حملات توعية للأهالي والكوادر التعليمية في المدارس، لتأمين وسائل حماية دائمة للأطفال تجنبهم خطر المنحرفين والمتنمرين وأصحاب السوابق المرضى ومتعاطي المخدرات.

يصاب المرء بالدوار وهو يطالع تفاصيل الجريمة التي وقعت للطفلة البريئة والجميلة نيبال، ويتساءل في قرارة نفسه، أي نفس بشرية تقدم على بشاعة كهذه. إن مشهد طفل يبكي في الشارع قد يدفع الواحد منا للبكاء أحيانا من شدة التأثر، فكيف لبني آدم أن يقدم على ضربه وقتله والأدهى من ذلك التفكير بارتكاب جريمة اشنع بحقه.

نعجز كأناس عاديين عن فهم هذا السلوك لكن العلم قدم إجابات وافية عن هذه الفئة الخارجة عن طور البشرية. وما يحصل حولنا من تغيرات اجتماعية متسارعة يفسر الكثير من السلوكيات غير المألوفة والصادمة. الدنيا من حولنا تغيرت للأسوأ.



تعليقات القراء

عبسي
من اصحاب الاسبقيات
الاهمال وعدم متابعته سبب ويتحمل ذلك كل شخص كان بامكانه ان يمنع هذه الجريمة
03-04-2019 03:00 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات