قمة تونس: لا حياة لمن تنادي


ليس ثمة شيء يمكن الرهان عليه في قمة تونس بقدر السوء الذي كانت عليه الأوضاع العربية في قمم سابقة، إلا ان الحالة الراهنة هي الأسوأ على الإطلاق.

مسودة البيان الختامي للقمة وإعلان تونس يعطيان الانطباع بأن هنالك اتفاقا عربيا وافيا وشاملا على الأولويات، وتطابقا في المواقف. لكن ذلك في الحقيقة على الورق فقط، أما في الواقع فالخلافات والتباينات في المواقف هي الحقيقة الثابتة.

المستجدات على المسرح الدولي والإقليمي كانت تستدعي قمة عربية بمنهجية مختلفة وقرارات تتجاوز الأسلوب التقليدي المتبع في قمم سابقة، غير أن الانقسامات الحاصلة في الجسم العربي، والانشغال في الأزمات يربك الجميع ويحول دون بناء مواقف صلبة ومتماسكة.

تنعقد القمة قبيل أيام من انتخابات إسرائيلية تعد بعودة قوية لليمين المتطرف، وبعد أيام على قرار أميركي يعترف بضم الجولان السوري لدولة الكيان الصهيوني، وعلى مشارف صفقة أميركية موعودة لتسوية القضية الفلسطينية وفق مصالح إسرائيل وخلافا لقرارات الشرعية الدولية.

دول عربية قليلة تستشعر هذه الأخطار في مقدمتها الأردن الذي بذل في الآونة الأخيرة جهودا دبلوماسية جبارة لحشد عناصر القوة العربية في مواجهة الأخطار الداهمة، دفاعا عن ثوابت الحل العادل وعروبة القدس، لكن صيحات الأردن كأنها في صحراء لا يسكنها أحد.

دول العالم العربي في معظمها تعاني من أزمات وحروب وصراعات، لكنها اليوم أكثر ارتباكا من أي وقت مضى. فبينما تلتئم القمة في تونس تخوض الجارة الجزائر صراعا داخليا مريرا ربما يتحول إلى أزمة كبرى لدول المغرب العربي إذا لم تتمكن القوى الحية في الجزائر من إدارة المرحلة الانتقالية على نحو صحيح يجنب البلاد والمنطقة سنوات من الدم والخراب. يضاف إلى ذلك جرح ليبيا المفتوح وسط عجز الجراحين الدوليين والعرب عن مداواته.

الخليج العربي يمر بحالة غير مسبوقة من عدم اليقين. حرب اليمن الدامية والأزمة المستفحلة مع قطر، والمواجهة المفتوحة مع إيران، وفوقها أزمة السعودية على خلفية مقتل الخاشقجي، تترك دول “التعاون الخليجي” بلا دليل.

الإصرار على استبعاد سورية من منظومة العمل العربي، يضعف الدور العربي مستقبلا لصالح أدوار قوى اجنبية وإقليمية استثمرت في الأزمة لسنوات، وتستعد للاستثمار في الحل لعقود مقبلة.

بالكاد تسير دولة مثل السودان أعمالها، وفي موازاة أزمتها الداخلية، نذر أزمة مزمنة مع مصر تصعد وتهبط وفقا لمقياس حلايب الحدودي.

سادت قناعة في الأعوام الماضية بأن التعاون الاقتصادي والتكامل بين الدول العربية كفيل بتعويض الأمة عن خلافاتها السياسية. لكن نتائج القمم الاقتصادية جاءت متواضعة، والنية تتجه لدمجها بالقمة العربية الدورية لتضاف إلى رصيدنا من الفشل.

كيف سيواجه العرب صفقة القرن وعنجهية اليمين الصهيوني بهذا المستوى المتدني من اللياقة السياسية؟ وأي دور محتمل لهم في تثبيت الاستقرار السوري، وسط غياب في التواصل بين العواصم المعنية؟

كيف لدولة مواجهة مثل الأردن أن تصمد في وجه الضغوط وتتحدى سياسات قوى عظمى، وهي لا تجد من العرب من يساندها لعبور أزماتها؟

وكيف للشعب الفلسطيني أن يصمد على أرضه وسط حصار اقتصادي ومالي؟

لن تحمل قمة تونس إجابات على هذه الأسئلة وغيرها من اسئلة الوضع الراهن العربي.هذا ما عودتنا عليه القمم العربية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات