عن التخطيط الذي "تُخَطِطُهُ" وزارة التخطيط .. !!! 


بعد ردود الفعل المختلفة على تصريح وزيرة التخطيط والتعاون الدولي مؤخراً عن التوجه لإعادة تعريف المواطن بالدولة، يطفو الى السطح مجدداً التساؤل عن الدور الذي تلعبه الوزارة في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن، الناتجة عن التردي غير المسبوق في الاوضاع الاقتصادية للدولة وللمواطنين على حد سواء، والذي هو نتيجة طبيعية للتخطيط غير الرشيد أو لغياب عملية التخطيط تماماً، فجل ما نراه ونسمعه من وسائل الإعلام عما تقوم به الوزارة تعكسه صور لمصافحات وإبتسامات عريضة تحتفل بإتفاقيات تفاقم المديونية الهائلة التي نرزح جميعا تحت أعبائها الثقيلة، اجتماعات لا تنقطع مع وفود أجنبية نستقبلهم أحيانا هنا "معزبين" أو نقصدهم غالباً في عقر دارهم زائرين، وأنشطة كثيرة لا علاقة لمعظمها بقضية التخطيط من بعيد أو قريب، والنتيجة هي ما نراه من أوضاع اقتصادية لا تغيظ عدوا ولا تسر صديق. 

ما تقوم به وزارة التخطيط في مجال التخطيط والمتابعة لا يتجاوز تجميع خطط وبرامج الوزارات المختلفة ضمن وثيقة واحدة، وفي متابعات شكلية للتنفيذ، علماً بأن أحدث تقرير للمتابعة يعود لأكثر من خمس سنوات حسب ما يبينه موقع الوزارة الإلكتروني. 

واضح تماماً أن وزارة التخطيط قد تخلت عملياً عن مهمة التخطيط والتي تمثل المبرر الأول والرئيس لوجودها، لصالح مهمة أخرى هي التعاون الدولي وهي مهمة ناعمة فيها الكثير من الظهور والبرستيج والسفر، مهمة سهلة نسبياً خاصة وأن جلالة الملك المعظم بجهوده ومثابرته المستمرة وحضوره الدولي هو من يمهد السبل ويسهل حصول المملكة على المساعدات من الدول المانحة، فيما تنهمك الوزارة بإدارة هذا الملف واستكمال الإجراءات التنفيذية اللازمة، وتهمل ملف التخطيط الأكثر أهمية والأكثر صعوبة في هذه المرحلة وفي المراحل كافة، مفسحة المجال لظهور مؤسسات وكيانات أخرى للقيام بذلك مثل مجلس السياسات الوطنية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من المؤسسات التي تم إنشاؤها لتقوم بكثير من مهام الوزارة الواردة في قانون التخطيط رقم 68 لسنة 1971، ونذكر في هذا المجال تقرير "حالة البلاد" الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤخراً والذي يمثل تقييماُ للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تم تنفيذها خلال العقدين الماضيين، وهي مهمة تقييمية بإمتياز ومن صلب المهام التي استنكفت الوزارة عنها فتصدى لتنفيذها المجلس الاقتصادي والاجتماعي. 

لا تشغل وزارة التخطيط نفسها فقط بملف التعاون الدولي هروباً من مهمة التخطيط والمتابعة الشاقة والشائكة في آن معاً، فهي تتولى أيضا إدارة تنفيذ برامج ومشاريع للتنمية ومكافحة الفقر بموازانات كبيرة نسبياً، لن نتوقف هنا عند جدوى وتأثير وفعالية هذه البرامج والمشاريع فهذا موضوع آخر لا يتسع المقام للخوض فيه، ما يهمنا هنا هو دخول الوزارة على مهام بعيدة عن مهامها المحددة في القانون الذي يحكم عملها، وفي "تعديها" على مجالات عمل وزارات ومؤسسات حكومية أخرى، بدلا من التركيز على مهامها وواجباتها الاساسية، وقد يتساءل الكثيرون لماذا تقحم الوزارة نفسها بأنشطة خارج نطاق اختصاصها والجواب بسيط للغاية، فموازنات هذه البرامج ومواردها تعطي الوزارة سلطة وأهمية Power تعض عليها بالنواجذ ولا يمكن ان تفرط بها بسهولة. 

لا ندعوا الى إلغاء وزارة التخطيط أو تحجيمها بل على العكس من ذلك تماماً فالحاجة الى وجودها غدت ملحة أكثر من أي وقت مضى، كوزارة مسؤولة عن وضع وتنسيق الخطط ومتابعة تنفيذها وتقييمها، أما ملف التعاون الدولي فبرغم أهميته الفائقة فإنه لا يستلزم لوحده وجود وزارة مستقلة، علماً بان كثيراً من الحكومات السابقة كانت تفكر جدياً في ضم وزارة التخطيط الى وزارة المالية لأسباب ومبررات كثيرة، وقد كان ذلك على وشك الحدوث حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت الإعلان عن تشكيل حكومة دولة نادر الذهبي في عام 2007.

وزارة التخطيط وزارة أنيقة ورشيقة فيها الكثير من الكفاءات المتميزة قضيت فيها سنوات طويلة أعتبرها الاجمل في حياتي، تحتاج فقط إلى إعادة ترتيب الأولويات والعودة للتركيز على المهام الاساسية المبرِرَة لوجودها والتخلي عن الحمولة الزائدة من أنشطة وبرامج الآخرين، لتعود الوزارة إلى الصورة المشرقة البهية التي نحب، فلا يمكن لأي كان الادعاء حالياً بأن وضع التخطيط لدينا في حالة جيدة في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من أسوء حالاته على الإطلاق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات