الذكرى العاشرة لإختفاء طائرة الشهداء "الهوكر هنتر" الأردنية


مقدمة مؤلمة:-
معسكر العبدلي : لقد سُميت منطقة العبدلي تكريما للملك عبدالله الأول ابن الحسين مؤسس الأردن . حيث قامت القيادة العامة للجيش العربي بشراء أرض في هذه المنطقة ليتم فيها بناء القيادة العامة الجديدة للجيش العربي بالإضافة إلى إنشاء مركز للتدريب . علما بأن القيادة القديمة كانت تقع في أول طلوع جبل عمان ( طلعة الحايك) . وقبل ذلك كانت القيادة العامة تقع في منطقة سوق اليمنية في شارع الملك طلال في وسط البلد .

معسكر الزرقاء : بتاريخ 14أيار 1948 توجهت كتائب الجيش العربي من معسكر الزرقاء لتصل إلى منطقة قريبة من الشونة الجنوبية حيث استقبلهم الملك عبد الله الأول إبن الحسين وألقى بهم كلمات مؤثرة لإنقاذ فلسطين والقدس ومع فجر 15 أيار 1948 اجتازت الكتائب الأردنية جسر اللنبي ( الملك حسين) إلى داخل فلسطين . حيث تسلم اللواء 1 مسؤولية الدفاع عن قطاع نابلس . وتسلم اللواء 3 مواقع دفاعية في منطقة رام الله على بعد عشرة أميال شمال القدس .

طائرة الهوكر هنتر : كانت طائرة الشهداء " الهوكر هنتر " تربض بإباء وشمم على تلة بالقرب من صرح الشهيد في عمان . تحكي قصة الشهداء وقصة الأبطال من صقور الأردن بدءاً بالشهيد الطيار موفق بدر السلطي الذي استشهد في معركة السموع وهو يقفز بالمظلة من طائرته الهوكر هنتر بعد إصابتها . والشهيد الطيار فراس العجلوني قائد سرب طائرات "الهوكر هنتر" في قاعدة الملك حسين في المفرق . وهو من سجل أول إختراق عربي لأجواء العدو الإسرائيلي عام 1967 وضرب أهدافا في العمق الإسرائيلي . وبعد أن أدى مهمته الأولى عاد إلى قاعدة الملك حسين في المفرق من أجل التزود بالوقود والذخيرة لاستكمال مهمته القتالية التالية ومع بدء التحليق على المدرج في بداية الإقلاع تمكنت طائرات العدو الإسرائيلي من إصابة طائرته واستشهد أول الشهداء من الصقور الأردنية في حرب 1967 في طائرته التي أحبها طائرة الهوكر هنتر الأردنية فداء لله والوطن .

هذه الطائرة التي شاركت في التصدي لسلاح الجو الإسرائيلي عام 1967 وتمكن الصقور الأردنيون وأخوانهم صقور العراق الغر الميامين من إلحاق أكبر إصابات وقعت في صفوف سلاح الجو الإسرائيلي .

هذه الطائرة التي تحكي أكثر من حكاية فكانت مهد الشهداء وكانت سلاح الشجعان كانت تحكي حكاية البطولة لسلاح الجو الملكي الأردني فكانت المداد تروي حقيقة الحقبة المشرفة من حقب التاريخ المشرف لكل أردني يفخر أن يكون من الذين شرفهم الله والوطن كي يرتدوا شعار الجيش العربي فوق الجباه الحرة الأبية .

في غفلة من الزمن وفي ظلمة الليل تم إقتلاع هذه الطائرة من موقعها في محاولة لإقتلاع ومحو التاريخ المشرف للصقور الشهداء الذين باعوا أنفساً تموت غداً بأنفس لا تموت أبدا . والأبطال الأحياء الذين عايشوا تاريخ هذه الطائرة وكتبوا بتضحياتهم وبطولاتهم صفحة مشرفة من النضال العربي والعقيدة الإسلامية في وجه إسرائيل. تماما كما حاولوا محو التاريخ العسكري المشرف لمعسكر الزرقاء ومعسكر العبدلي .

فمن هي الجهة التي أمرت بإقتلاع هذه الطائرة هذا الرمز الوطني ومن هي الجهة التي نفذت هذا الأمر.
ولعل الأهم الآن أن نتساءل من هي الجهة التي ستقوم بإعادة هذه الطائرة في كنف صرح الشهيد حفاظا على شهداء الأردن من الطيارين وحفاظا على شهداء معركة السموع وحفاظا على الشهداء الذين صعدوا إلى السماء وهم يحلقون بهذه الطائرة وتقديرا ووفاء إلى ألأبطال ألذين أسقطوا بواسطة هذه الطائرة طائرات العدو الإسرائيلي عام 1966 وعام 1967. وتقديرا لشهداء وأبطال لواء حطين

معركة السموع :
في الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم الأحد 13/11/1966 اجتاز الإسرائيليون خطوط الهدنة برتلين من الدبابات تساندهما عدة أسراب من الطائرات المقاتلة . تحرك أحدهما باتجاه بلدة السموع والآخر باتجاه مدينة يطا بهدف التضليل.

ولقد اصدر قائد لواء المشاة حطين العقيد بهجت المحيسن أوامره بالتصدي وتحركت قوتان باتجاه السموع بطريقين مختلفين الأولى عن طريق "الظاهرية" والثانية عن طريق " يطا " تحت قصف الطيران الإسرائيلي المركز.
في هذه الأثناء دوت صفارات الإنذار في قاعدة الحسين الجوية وانطلق أربعة من صقور سلاح الجو الملكي من السرب الأول المقاتل لمساندة قوات لواء حطين وأقلع تشكيلان يتكونان من أربع طائرات هوكر هنتر مقاتلة قائد التشكيل الأول الملازم الأول الطيار موفق السلطي والطيار المساند له الملازم الأول الطيار إحسان شردم والتشكيل الثاني بقيادة الملازم أول الطيار جاسر زياد والطيار المساند له الملازم الطيار فاروق عابدين. واتجه الصقور إلى سماء المعركة على ارتفاع منخفض (50) قدم فوق سطح الأرض وبسرعة (600) عقدة جوية وتسلق التشكيل الأول مرتفعا في سماء المعركة فوق السموع واشتبك فوراً مع أربع طائرات إسرائيلية وبعدها بدقيقتين ارتفع التشكيل الثاني للحاق بأربع طائرات معادية كانت تقصف قوات حطين في يطا والظاهرية .

بعد ثلاثة عقود اعترفت إسرائيل بسقوط طائرتي ميراج والتي كانت في تلك الأوقات الأحدث في العالم من حيث التقنية الفنية وتفوق سرعتها سرعة الصوت بضعفين ومقدرتها على التسلق لإرتفاعات عليا وتجهيزها برادارات جوية تستطيع كشف طائرات الهوكر هنتر الأردنية عن بعد دون مساعدة الرادارات الأرضية وكانت مجهزة بصواريخ جو- جو حرارية من نوع ماترا (550) ومدفعين من عيار (30 ملم) طويلي المدى . يقابلها طائرة " الهوكر هنتر " القديمة ذات السرعة الأقل من سرعة الصوت لا تملك أي نوع من التقنيات الحديثة ولا تحمل أي نوع من صواريخ جو- جو وليس بها رادار ولا أجهزة ملاحة جوية ولكنها مزودة بأربعة مدافع عيار (30) ملم قصيرة المدى. ويقودها أسود أردنيون عقيدتهم القتالية واضحة لا لبس فيها ولا جدال فهم يطلبون الشهادة أكثر من طلبهم الحياة ويطلبون الآخرة أكثر من الدنيا.

وبعد اشتباك مباشر في أجواء السموع تمكن الطيار فاروق عابدين من إصابة طائرة إسرائيلية في جناحها الأيسر حيث قذف الطيار الإسرائيلي نفسه بواسطة المظلة مخلفا وراءه غطاء غرفة الطيار في أرض المعركة وتم نقل هذا الغطاء بناء على طلب السفير المصري إلى جمهورية مصر العربية ليتم عرضه على القوة الجوية المصرية.
وبعد قرب نفاذ الوقود تم التخطيط لعملية الإنسحاب والعودة الى قاعدة الحسين في هذه الأثناء نادى الطيار موفق السلطي على الجهاز اللاسلكي بأنه أطلق النار على طائرة إسرائيلية ولكنه لم يؤكد سقوطها ولم تتمكن الطائرات الإسرائيلية من إسقاط أي طائرة أردنية أثناء الإشتباك . وأن الطيار الشهيد موفق السلطي قد استشهد أثناء عملية ألإنسحاب غرب البحر الميت " كما يذكر الطيار فاروق عابدين " بعد أن تمت متابعته من قبل طائرة إسرائيلية أطلقت عليه مدافعها فأصابته في الجناح الأيسر . وانحرفت طائرة الشهيد موفق السلطي إلى اليسار وبشكل أفقي وتم قذف موفق من الطائرة ولم يكتمل إنفتاح المظلة نظراً لوضع الطائرة الأفقي ولقلة الإرتفاع فارتطم شهيدنا رحمه الله بالأرض وتوفاه الله بواسع رحمته.

بعد مرور ثلاثة عقود اعترفت إسرائيل بسقوط طائرتين مقاتلتين لها في معركة السموع أُسقطت الأولى في أرض المعركة أما الثانية فكانت مصابة إصابة شديدة أثناء اشتباكها فعادت إلى قاعدتها ولم يتمكن قائدها من السيطرة عليها وتحطمت بالقرب من قاعدتها الجوية . وبالعودة إلى نداء الشهيد موفق السلطي أثناء انسحابه بأنه أطلق النار على طائرة إسرائيلية يتبين بأنها من نصيبه قبل استشهاده رحمه الله.

أما على الأرض فلقد كانت القوات الإسرائيلية تضم في جنباتها اللواء المدرع الإسرائيلي السابع بالإضافة إلى كتيبة مدرعة يقارب تعدادهم 400 جندي و10 دبابات و40 نصف مجنزرة حاملة جنود وعدة أسراب من الطائرات يقابلهم لواء المشاة حطين المكون من 100 جندي و20 شاحنة وبعد معركة باسلة تمكن من خلالها تأمين خروج أهالي القرية بأقل الخسائر وتم أنسحاب القوات الإسرائيلية وكانت نتائج هذه المعركة إصابة قائد اللواء بهجت المحيسن واستشهاد الرائد محمد ضيف الله الهباهبه والجندي حمدان عبد الرحمن كرم الخليفات والجندي سالم عليان سليمان العموش والجندي راجي مقبول سالم الشموط والجندي أحمد سعيد موسى العثامين والجندي عبد القادر عبد الجواد عودة الحروب والجندي مفلح محمد سليمان الختاتلة والجندي ابراهيم حسن يوسف مصلح والجندي يونس حسين مسلم العريقات والجندي عبد القادر شاكر محمد صدقه والجندي عطا الله علي متروك العوران والجندي احمد عبد الكريم محمد السويطي والجندي عبد الرحيم عبد الله مسلم محفوظ والجندي محمد احمد حمد دار عودة كما استشهد من المدنيين من جراء القصف الإسرائيلي كل من عيسى أحمد أبو يوسف واسماعيل حرز الله المحاريق ورغم أن إسرائيل لم تصرح عن عدد قتلاها إلا أنها أعلنت عن مقتل العقيد يواف شاهام قائد اللواء المدرع الإسرائيلي السابع.

وفي تصريحات رئيس الوزراء في ذلك الوقت الشهيد وصفي التل أعلن أن معركة السموع بوجهها العربي كانت اختبارا للقيادة العربية الموحدة. وأننا في معركة السموع كنا نريد أن يؤمن لنا الغطاء الجوي فوق السموع من قبل الجمهورية العربية المتحدة لأن الغطاء الجوي لجنوب القدس هي من مسؤوليتهم ولو قامت الجبهات العربية بفتح النار جديا أو بشكل محدود لخف الضغط على الأردن أثناء هذه المعركة.

طائرة الهوكر هنتر في حرب 1967
في صبيحة الخامس من حزيران 1967 خرج الصقور الأشاوس في طائراتهم الهوكر هنتر من قاعدة الملك حسين في المفرق وكانت طائرة الهوكر هنتر أول طائرة عربية تخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتصل أعماق الأجواء الإسرائيلية وتغير على الأهداف العسكرية بالقرب من مطار اللد وكان يتولى شرف قيادة هذه الغارة الأولى هو قائد سرب الهوكر هنتر الرائد الطيار فراس العجلوني وعاد السرب الملكي إلى قاعدته الجوية قاعدة الملك الحسين في المفرق للتزود بالوقود وبالذخيرة . ويشاء القدر أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بالإغارة على قاعدة الملك الحسين الجوية بينما كان الشهيد الطيار المقاتل في نهاية المدرج في بداية الإقلاع أصابته الطائرات الإسرائيلية وفي لحظات القدر استشهد صقر الأردن أول شهيد طيار في حرب 1967 وأول طيار اخترق الأجواء الإسرائيلية المعادية وتحطمت معه الطائرة التي أحب والتي أخلص لها وأخلصت له وغطت جبل اللويبدة غيمة سوداء كبيرة حين نزلت الدمعة الأولى من عيني والدته . كان والده المناضل محمد علي العجلوني "أحد أبطال معركة معان إبان الثورة العربية الكبرى وأحد أبطال معركة ميسلون ضد الإستعمار الفرنسي " في ذلك الوقت في مدينة أريحا حين تلقى نبأ استشهاد فلذة كبده ورفض أن يعود إلى عمان وقرر أن يبقى هناك ليقاتل اليهود .
وقامت الطائرات الإسرائيلية بشن غاراتها على القواعد الجوية العسكرية في محاولة لتدمير الطائرات المقاتلة الأردنية وتدمير كافة المدرجات ومقاومات الطائرات وأجهزة الرادار.
ولقد تعرضت قاعدة (H 3) إلى غارات جوية إسرائيلية يومي 5 و6 حزيران

وبتاريخ 6/6/1967 تم نقل الطيارين الأردنيين إلى القاعدة الجوية العراقية ( H 3) على الحدود الأردنية العراقية ومن ثم تم نقلهم إلى مطار الحبانية وفور وصولهم وفرت لهم القوات الجوية العراقية عددا كافيا من طائرات الهوكر هنتر.

وفي يوم 7/6/1967 أرسلت إسرائيل أربع قاذفات قنابل فوتور وأربع مقاتلات ميراج لتشتبك مع سلاح الجو العراقي وتكبد الطيران الإسرائيلي أكبر خسائره فداحة في حرب 1967 فقد تم إسقاط طائرة فوتور إسرائيلية وطائرتي ميراج وخسر الطيران العراقي طائرة ميغ 21 وطائرتي هوكر هنتر . وقد تمكن طياران إسرائيليان من القفز بالمظلة وتم إلقاء القبض عليهما ليتم في وقت لاحق تبادلهم مقابل عدد من أسرى الحرب الأردنيين.
وفي مقال للسيد فيصل عبد محسن تحت عنوان " بطولات منسية في حرب حزيران " في جريدة البينة الجديدة نقتطف الفقرة التالية

في يوم 7 حزيران تم إقلاع أربع طائرات هنتر هنتر يتكون التشكيل من
أ: النقيب الطيار الأردني إحسان شردم
ب: النقيب الطيار الباكستاني سيف الدين الأعظم الذي كان يعمل ضمن السرب الأردني
ج: ملازم أول طيار سمير يوسف زينل
د: ملازم طيار غالب القيسي

واشتبكوا فوق قاعدة ( H 3) مع تشكيل إسرائيلي يتكون من أربع طائرات ميراج وكان نتيجة هذا الإشتباك أن النقيب الطيار إحسان شردم أسقط طائرة ميراج أسر قائدها وأصاب طائرة أخرى أما النقيب الطيار سيف الدين أعظم فقد أسقط طائرة ميراج وقد تم أسر قائدها وأسقط الطيار سمير زينل طائرة فوتور وقد قتل قائدها ومساعده وقد تم تبادل الجثث والأسرى مع الأسرى الأردنيين

وبتاريخ 4/7/1967 صدر مرسوم جمهوري بمنح الضباط المدرجة أسماؤهم نوط الشجاعة تقديراً لشجاعتهم الفائقة وبطولتهم النادرة وتضحياتهم الفريدة التي أبدوها في المعارك الجوية ضد العصابات الصهيونية النقيب الطيار الأردني إحسان شردم والنقيب الطيار الأردني سيف الدين أعظم ( لم يذكر أنه باكستاني) والشهيد الملازم الأول الطيار محمد عبد الوهاب والشهيد الملازم ألأول الطيار غالب القيسي والملازم الأول الطيار سمير يوسف زينل

وعند سؤال الفريق الركن الطيار ( متقاعد) إحسان شردم عن إزالة طائرة الهوكر هنتر قال إن هذه الطائرة يجب أن تعود إلى موقعها في فناء صرح الشهيد لأنها ترمز إلى تاريخ سلاح الجو الملكي الأردني والشهداء الأبطال الذين عانقوا السماء وضحوا بأرواحهم فداء الأردن الوطن الأغلى والأمة العربية والإسلامية وإلى نضال القوات المسلحة وتضحياتهم في سبيل فلسطين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات