أفكار للنقاش


في الثلاثين عاما الأخيرة تشكلت في الأردن ثلاث لجان ملكية بمراحل مفصلية. في بداية العشرية الأخيرة من القرن الماضي شكل الملك الراحل الحسين لجنة الميثاق الوطني، التي انجزت اتفاق مصالحة تاريخيا بين النظام السياسي والمعارضة، وأسست لمرحلة التحول الديمقراطي.

في العشرية الأولى من القرن الجديد، شكل الملك عبدالله الثاني لجنة الأجندة الوطنية. ورغم انتكاسة مشروعها على يد قوى معارضة لبرنامجها، إلا أن مخرجاتها شكلت مرجعية لخطط العمل الحكومي لسنوات لاحقة.

في العشرية الثانية، ومع اندلاع موجة التغيير الشعبي في العالم العربي، تشكلت لجنة ملكية ثالثة حملت اسم لجنة الحوار الوطني، وتكفلت بوضع حزمة من الاصلاحات الدستورية والتشريعية، طالت قوانين الانتخاب والأحزاب، وانبثق من وحي توصياتها فكرة تعديل الدستور.

اللجان الثلاث ضمت ممثلين لقوى سياسية واجتماعية واسعة، إلى الحد الذي يمكن اعتبارها لجانا ممثلة للمجتمع الأردني بكل مكوناته. لكنها في نهاية المطاف لجان نخبوية كان لكل واحدة منها قيمة واهمية في سياق اللحظة التاريخية.

في المرحلة الحالية ليس لدينا نخب ممثلة بالمعنى الفعلي. التحولات الجارية في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” جرفت النخب، وهزت أركان التمثيل السابقة، وأفرزت تيارات حراكية واجتماعية لا تنتمي للتصنيفات السابقة في الحياة الحزبية.

الدولة تواجه اليوم إشكالية علاقة مع المجتمع، فالقوى التقليدية وقائمة الوجهاء والأعيان والنواب، لم تعد بالثقل الذي كانت عليه. وبتنا أمام حالة فريدة من المواجهة المباشرة والمكشوفة بين مؤسسات حكم وقواعد اجتماعية، دون قوى وسيطة وازنة ومؤثرة.

ما تحتاج إليه الدولة في هذه المرحلة هو بناء نخب جديدة تشكل جسرا مع القواعد الاجتماعية، وهذا الهدف لن يتحقق قبل صياغة برنامج عمل وطني جديد كليا يشكل قاسما مشتركا بين الطرفين، وتلتقي عليه مصالح الدولة والشعب.

لا نتحدث هنا عن تعديل دستور أو عقد اجتماعي جديد، إنما عن برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي للعشرية المقبلة، وعن نخب اجتماعية جديدة ترتقي سلم العمل السياسي، تنتمي إلى التشكيلات الاجتماعية الأصيلة، وترتبط معها بعلاقات مباشرة وميدانية، وعن سياسات حكومية تلبي تطلعات أوسع قاعدة شعبية، وتحاكي مصالح الدولة العليا، وحاجتها الماسة للتغيير في ظل تحولات إقليمية ودولية كبرى.

وقبل هذا وذاك، نخبة تجدد بناء الشرعية للمؤسسات، وتردم فجوة الثقة المستفحلة، وتبعد شبح الفوضى عن البلاد.

يتطلب انجاز هذه المهمات عملية حوار أوسع؛ منظم وممنهج بين القواعد الاجتماعية للدولة بذاتها، دون وصاية من النخب، تديره لجان مناطقية وتشرف عليه هيئة ممثلة للمحافظات كافة.

كنت قد كتبت قبل أيام مقالا بعنوان “النقاش الكبير في الأردن” يحمل تصورا مستوحى من التجربة الفرنسية. وهنا أحاول أن أطور الفكرة لتراعي الخصوصية الوطنية، والحالة الأردنية، والاستفادة من خبراتنا السابقة وتجاربنا الممتدة لعقود في الحوار والتشبيك لتجاوز المحطات الصعبة والمراحل المفصلية. قد لا يجد البعض الفكرة ملائمة، لكن علينا أن نتفق بأننا في حاجة ماسة لمقاربة جميع الخيارات والأفكار لمساعدة مملكتنا على التقدم والاستجابة لتحديات الزمن الصعب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات