“أخت رجال” .. كل عام وأنت بخير


النضالات التي قادتها المرأة العربية نحو التحرر قديمة وصادقة. في مراحل مختلفة من تاريخ أمتنا كانت المرأة العربية حاضرة وفاعلة ومؤثرة فقد ظهرت قيادات نسوية في الفكر والسياسة والفروسية والحكمة. لأسباب ثقافية واجتماعية تراجعت أوضاع المرأة مرارا لتعود الى حيث كانت دون أن تحقق انجازات تراكمية واضحة. اليوم وبالرغم من كثرة الحديث عن المرأة وابداعاتها ومشاركاتها ما تزال هناك العديد من العوائق الثقافية والموضوعية التي تؤدي إلى اضعاف اسهاماتها في مسيرة المجتمعات. بعض هذه العوائق بسيطة وهامشية يمكن تجاوزها في حين ان أخرى متجذرة في الفكروالثقافة ونظام الحياة.

في بلادنا ما يزال التراث الشعبي يتحكم في النظرة التي نحملها للمرأة والطريقة التي نتعامل معها. في الاشعار والاغاني الشعبية والفلكلورية ما تزال صورة المرأة التابعة للرجل والمحمية من قبله هي الاكثر شيوعا. في مناسبات الفرح ومواسم الاحتفالات تبقى الاغاني تكرس صورتها باعتبارها ملكية للرجل سواء كان زوجا او أبا أو أخا أو خطيبا هي الاوسع قبولا وانتشارا “مرعية يا البنت مرعية.. مرعية والا بلا راعي”. الصورة لا تختلف عما قاله الشاعر العربي قبل قرون “على اثارنا بيض حسان.. نحاذر ان تقسم أو تهونا. يقتن جيادنا ويقلن لستم.. بعولتنا اذا لم تمنعونا”.

في مختلف مناسبات الافراح وتوقيع الكتب تنتهي الاحتفالات بأغان تكرس صورة المرأة كموضوع للحب والرعاية والغزل والعشق اكثر من كونها صاحبة قدرة وكفاءة وعزيمة “ردي شعراتك.. رده ع رده.. خلي شعراتك لراسي مخدة” مقطوعة تطرب النساء والرجال على حد سواء حتى وان كانت المناسبة مرتبطة بأدوار المرأة وتمكينها.

النساء حول العالم يحتفلن هذه الأيام بيوم المرأة العالمي باعتبارة مناسبة تستذكر الانجازات التي تحققت وتعبر عن اصرار المجتمعات في المضي على طريق المساواة الكاملة بين الجنسين. وكما في مجتمعات أخرى يستذكر الأردنيون آلاف النساء اللواتي يرتدين أرواب المحاماة وخوذ المهندسين ويجلسن في قمر قيادة الطائرات وفي غرف العمليات الحربية ومختبرات البحث ومنصات الخطابة الحزبية كإنجازات مهمة تحققت للمرأة والمجتمع، ومع ذلك فان ما طرأ على أدوار المرأة ومكانتها ما يزال محدودا رغم ظهور نساء في الوزارة والبرلمان والاعلام حيث تم ذلك لفعل الجراحة التجميلية للمجتمع لا بفعل النمو والتطور الطبيعي. في الأردن تجد المرأة صعوبة في الوصول الى المجالس المنتخبة بأعداد مناسبة دون الكوتا النسائية.

العقود القليلة الماضية دفعت بآلاف النساء نحو المواقع القيادية للدول والاحزاب والجيوش والجامعات ومختلف جوانب الحياة. في أوروبا تولت النساء مواقع الرئاسة والحكم وتسيير البلاد لتصبح اليزابيث ملكة بريطانيا الأقدم بين زعماء الدول وميركل المستشارة الالمانية الاقوى بين القادة الأوروبيين ونانسي بيلوسي النائب الاهم في الكونغرس الأميركي الى جانب المئات من الوزيرات والنواب في مختلف بلدان العالم.

بالتزامن مع احتفالات العالم بيوم المرأة تحاول العديد من مجتمعاتنا ان تتوقف عند المناسبة على استحياء. فيوجه الرجال كلمات الشكر والثناء لزوجاتهم ويكتب الطلبة اشعارا لأمهاتهم ويستعرض الساسة والمنظمات اعداد ونسب النساء اللواتي وصلن الى مواقع المسؤولية بفضل رعاية الحكام وتوجيههم، وينتهي الاحتفال لتعود المرأة الى ادوارها ومهامها حيث تسعى لأن تخطف اعترافا هنا وتقديرا هناك قد يأتي على هيئة “أخت محترمة” او “سيدة فاضلة” الى اقصى درجات الاعتراف التي يمكن ان ترد على هيئة “عفية عليها” والله إنها “اخت رجال”.

في ثقافتنا ما تزال المرأة حبيسة جملة من الادوار فهي مصدر للرعاية والحنان وشريكة الرجل في الحب والعشق يتوقع منها ان تدير الفضاء الخاص بالأسرة وأنشطتها وألا تتطلع كثيرا لأنشطة وادوار كبيرة في الفضاء العام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات