سقوط الولاية العامة واشكالية الوضع الاردني الى اين


تطور خطير برز في الحياه السياسية الاردنية مؤخرا تمثل بتوجه موجات عفوية من المتعطلين عن العمل من شتى المحافظات نحو الديوان الملكي، وهو ما ينذر بخطر داهم اذا ما تواصلت الاعتصامات امام الديوان وازداد عدد المشاركين بها ، وانتقل من المئات الى الالاف او ربما عشرات الالاف، وذلك بتجاوز واضح لوجود الحكومة ، او دورها الدستوري كسلطة تنفيذية، وبما يوحي بفقدان الامل بالولاية العامة للحكومة، والتي اجهز عليها تماما الدكتور عمر الرزاز ، والذي بدا خارج النص الوطني، وهو يدير عملية الحكم ليس كربان للسفينة، وكقائد تتجمع لديه القرارات والسياسات التي تخص حياة ملايين البشر، وانما كمنظر راح يتعامل مع عملية الحكم كحالة ترفية من خلال تغريداته الوعظية على التوتير، واخضع القضايا العامة للتنظير بدلا من استخدام السلطة في حلها. وقد اجهز على روح التفاعل والايجابية التي تتولد لدى الاجيال بفعل السلطة، وذلك من خلال سلسلة من الاخفاقات والخيبات التي سدت ابواب الامل والرجاء في وجوه الشباب، وافقدتهم الثقة بالمستقبل.

ومشكلة هذا الرئيس انه اقحم الى دائرة الحكم ، وهو يخلو من اية تجربة عملية وحقيقية في القيادة على هذا المستوى، وجاء خالي الوفاض من اي برنامج في الحكم، ولا يملك رؤية تنموية هذا مع ان شرعية واساس عملية الحكم تتركز في التنمية، وقد واصل مسيرة الجباية التي اسسها الذين من قبله، و التي افضت الى تدمير القطاعات المنتجة في الدولة، وادت الى انحسار الفرص في وجه الشباب، وحولت المحافظات الى بؤر للإحباط والتذمر، وهو بفشله في احداث التنمية قضى على روح الانتاج والعطاء لدى شتى القطاعات الاقتصادية.

وراح يحاكي دور الحكواتي، ويعيش في عالم افتراضي غير الاردن ، ويبتعد كثيرا عن واقع الاردنيين الصعب، وعميق الازمة الاقتصادية التي تواجه البلاد في ظل انعدام تام للثقة بمؤسسات الدولة، وفقدان لمصداقية الخطاب الرسمي.

وهذا الخطر الداهم يزداد اذا استمر تضاؤل وانحسار دور المؤسسات الدستورية في الاردن، وخاصة مع ما يرافقه من تطور في الشعور والوعي العام بعودة المسؤولية عن السياسات التي تدير الداخل الاردني على القصر، وهو ما يضع العرش في دائرة المسؤولية وينزع الغطاء الدستوري عنه. وهذا الحال يتطلب التوقف عن المجاملة، وان يصار الى التنبيه الى خطورة ما يجري وتداعياته المستقبلية على الشارع الاردني.

ونحن في الاردن نملك هياكل الدولة السياسية، وتكتمل لدينا المؤسسات الدستورية، والهيئات الشعبية التي نشأت بموجب احكام الدستور الذي بالقدر الذي يؤسس فيه لمؤسسات الحكم فهو يوجد هيئات المجتمع المدني حيث الدستور لمؤسسات الحكم والمعارضة معا ، ولا يبقى سوى تفعيل الدور الدستوري لهذه الهياكل كي تتكون لدينا عملية سياسية حقيقية تخرج القصر من دائرة المسؤولية ، وتبقيه كمظلة عامة للعملية السياسية، وتحافظ على الملك كرمز للدولة.

وانا ادعو حماية لمستقبل الدولة الاردنية الى اطلاق عملية سياسية شاملة تدار من خلال المؤسسات الدستورية بحيث يصار بسرعة الى تشريع قانون انتخاب يمكن قوى المجتمع المدني من تشكيل البرلمان القادم، وتمكين الاغلبية النيابية فيه من تشكيل الحكومة ، وان يتداول الحكم على قاعدة الاغلبية والاقلية البرلمانية على ان تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة، وتعتمد مبدأ تمثيل الارادة الشعبية الحقيقية.

وعندما تكون الحكومة ممثلة للأغلبية الشعبية فستظهر كوحدة اساسية وقوية في البناء السياسي الاردني، وستحظى بثقة الاردنيين، ولن تضطر الى تقديم التنازلات للنواب في اطار شللي كي تحصل على الثقة مما يؤدي في النهاية الى سقوطهما شعبيا ، وبالمقابل تكون ثقة الاغلبية البرلمانية المتحصلة هي ثقة شعبية حقيقية وقبول بالسياسيات التي تجترحها الحكومة الحائزة على الثقة، وتتحول الاقلية البرلمانية الى معارضة تلقائية، وحكومة ظل تمارس دور الرقابة، ويعود البرلمان الى دوره الدستوري في الرقابة والتشريع.

وسيكون رئيس الحكومة واجهة سياسية حقيقية في البلاد، ولديه اغلبية في الشارع، وقد انتخب على اساس برنامج سياسي، ورئيس البرلمان له امتداد جماهيري، والنواب عناوين سياسية واجتماعية في المجتمع، والوزراء شخصيات سياسية موثوقة، ،وبالتالي تصبح الحكومة والبرلمان مؤسسات دستورية حقيقية، ومقنعة للشعب الاردني. وتتطور التجربة السياسية الى درجة الشعور بالمشاركة السياسية ،وتنتهي بذلك حالة الاضطراب والتنديد بمؤسسات الحكم المتواصلة منذ سنوات.

وهذه الحكومة المتولدة في البرلمان تظل مدعومة بثقة حقيقية مما يجنبها الابتزاز، وقد شهدنا مؤخرا ازمة تعيين اشقاء النواب في مواقع قيادية واثرها على الحكومة ، وهي تأتي في سياق شبكة مصالح وتنفيعات متبادلة تنشأ بسبب تسليف الثقة ، وتفضي في النهاية الى اسقاط الحكومة التي لا تجد لها نصيرا في الشارع ، وذلك عندنا تكون الاغلبية التي منحتها الثقة اغلبية مصلحية وبحيث تفتقر للشعبية ولا تمثل الارادة الشعبية على الوجه الحقيقي، وهكذا يظل البرلمان والحكومة في دائرة السخط الشعبي وصولا الى السقوط المريع في الشارع وفشل عملية الحكم، وهو ما نجم عنه في الآونة الاخيرة للأسف سقوط مؤسسة الحكم من حسابات الاردنيين، والتوجه بالمطالب العامة الى القصر .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات