تخفيض البطالة عملية متكاملة


ليس خفيا على احد ان التحدي الاكبر الذي يواجه الاقتصاد الأردني هو تخفيض معدل البطالة، اضافة بالطبع لضرورة تخفيض معدلات الدين وعجز الموازنة و زيادة نسبة النمو. وعلى الرغم من كل الاصلاحات الاقتصادية التي تمت عبر السنين الثلاثين الماضية، فقد ارتفعت البطالة من ١٣ الى ١٨،٧ ٪. بالتالي، فان اي خطة اقتصادية لا بد ان تضع نصب أعينها تخفيض البطالة كأولوية قصوى، منعا لتزايد الاحتقان الشعبي ووصوله الى درجات عالية.

تخفيض البطالة لا يمكن ان يتم اليوم عن طريق إطلاق الوعود للناس بتوظيفهم في القطاع العام. يندرج هذا ضمن اسلوب معالجة الأزمات بالطرق التقليدية التي لم تنجح في السابق. وان تم توظيف العشرات اليوم، فماذا عن باقي الناس الذين سيطالبون بالمعاملة بالمثل؟ كما ان خلق فرص عمل جديدة ليس مسؤولية وزارة العمل وحدها، و لن يتم بين ليلة و ضحاها، بل يحتاج لخطة متكاملة متوسطة المدى لمعالجة كافة جوانب الموضوع. ان نسبة البطالة في الاردن اليوم كفيلة لأن تسقط اي حكومة في العديد من دول العالم، و لكنها تذكر كإحصائية لدينا تكاد تمر مرور الكرام، دون ان تطلق نواقيس الخطر.

لقد حان الوقت لاعتماد خطة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية، اولها ان القطاع العام غير قادر اليوم على توظيف المزيد، و في نفس الوقت لا تستطيع الدولة ان تتجاهل الأعداد المتزايدة العاطلة عن العمل اليوم. ترجمة هذه العوامل واضحة: على القطاع الخاص ان يحل مكان القطاع العام في توفير الوظائف للناس. ولكن هذا الكلام سهل القول صعب التطبيق ان لم تعمل الدولة على خلق الظروف الملائمة كي يأخذ القطاع الخاص دوره الطبيعي في قيادة عملية الانتاج.

كي يتم ذلك، يجب ان تتوافر ظروف مختلفة تقع على عاتق الدولة، اولها تغيير البيئة التشريعية لاتاحة المجال لانشاء مؤسسات صغيرة و متوسطة قادرة على توظيف الناس. ولخلق مثل هذه المؤسسات، لا بد من تعديل الانظمة البنكية لتسهيل الحصول على تمويل بناء على نجاعة المشروع وليس توفر الموارد المالية للمقترض أصلا. توظف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاردن ثلث القوى العاملة فقط، ولا تولد سوى ربع الناتج المحلي الاجمالي، وهذا لا يكفي على الاطلاق لمعالجة فاعلة لموضوع البطالة.

لقد وصلنا لوضع لا يمكن فيه الاستمرار بوجود عمالة وافدة اكبر من حجم العاطلين عن العمل، واذا كانت ثقافة العمل لدى الأردنيين تقف مانعا امام قبول الأردنيين ببعض الوظائف، فلا بد من تعديل جذري لقانون العمل لمعالجة ذلك، فالاحتقان الشعبي بات اكبر من ان تستخدم ثقافة العمل ذريعة لعدم تطبيق خطة للإحلال التدريجي للعمالة الأردنية مكان الوافدة.

اما على المدى المتوسط، فإن كافة هذه الاجراءات التشريعية لن تكفي دون تغيير جذري في انظمتنا التربوية بشكل يهيئ النشء للتعامل مع مستجدات الحياة ويسلحه بمهارات التفكير النقدي والتحليل والتمحيص والبحث العلمي والاتصال وقبول الآراء المختلفة. ان كانت انظمتنا التربوية تهدف في السابق الى خلق اجيال مهادنة، فقد فشلت بقوة، وما لم نقبل ان نعلم النشء كيف ينتقدنا، لن ننجح في خلق مجتمعات مسالمة ومزدهرة.

انا لا آتي بجديد. لقد تم الحديث عن كل هذه الاجراءات سابقا، كما ان هناك سياسات عديدة اخرى لم أتطرق اليها. لكن هل هناك سياسة متكاملة للدولة تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب وتبدأ بمعالجة المشكلة بشكل منهجي تدرجي متكامل ومستدام، وينتج عنها نتائج محددة؟

اي إصلاح اقتصادي لا يؤدي الى تخفيض البطالة لا معنى له.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات