الشباب الساعي للعمل


يجب التفريق بين التشغيل والتوظيف؛ القوى العاملة في كل مجتمعات واقتصاديات العالم لا تذهب للوظيفة بل لسوق العمل التي تشكل الوظيفة – خاصة الرسمية – الجزء القليل منه، أما باقي الأيدي العاملة فتذهب لجميع الأعمال الأخرى متباينة الدخول والميزات. السعي للوظيفة كان سببه سابقا الأمان الوظيفي والدخل المجزي. أما الآن، فالدخل من العمل الخاص لا يقل بل يزيد في معظم الأحيان عن دخل الوظيفة الرسمية، والأمان الوظيفي يتحقق من خلال منظومة الضمان الاجتماعي التي تتيح للمشتغلين بصفتهم الفردية الاشتراك بالضمان.

مطلوب من الجميع التذكير مرارا وتكرارا أن الأردن ليس دولة بنهر لا ينضب من الموارد ولا يستطيع القطاع العام توظيف كامل القوى العاملة في المجتمع، وأن بلدنا فيه مئات الآلاف من العمالة الوافدة التي لا تعمل بالوظائف وتحصل على أجور مجزية هي بالتأكيد أفضل من الوظيفة، خاصة في قطاعات الخدمات والزراعة والمقاولات. الوظيفة ليست فقط محدودة الأجر، ولكنها ببساطة غير متاحة لأن القطاع العام في الأردن متخم، ونسبيا كبير جدا مقارنة بباقي الدول، الأمر الذي رتب أعباء كبيرة على الخزينة لسد حاجة النفقات الجارية من رواتب. لا يمكن لأي دولة أن تجد لجميع أبنائها وظائف، فحتى دول الخليج تغادر هذا النموذج المستنزف اقتصاديا.

قطعنا شوطا مهما في التغلب على ثقافة العيب، لكنها ما تزال موجودة. نشهد بشكل مستمر قصص نجاح للتغلب على هذه الثقافة؛ فثمة من “تضمّن” صيانة وتنظيف العمارات مشغلا عددا من العمال الوافدين والأردنيين في شركته بدلا من أن يعمل حارس عمارة، وآخر “يتضمن” المزارع وبأجور مجزية مشتغلا ومشغلا عددا من العمال معه، وثالث يؤسس شركة خدمات لصيانة وتنظيف البيوت عائدها مربح ومجزي. نظام المهن المنزلية أتاح المجال لمئات من ربات البيوت للعمل والمساهمة في زيادة دخول أسرهن. مثل هذه الأمثلة عشرات أخرى لمبادرات تغلبت على ثقافة العيب في بعض المهن التي ما تزال تعاني من ذلك. الخلاصة أن الراغب والمصمم على العمل سيجده، وسيبدع فيه، ولا ضرورة لانتظار الوظيفة التي قد لا تأتي أبدا.

كما من حق شبابنا المطالبة بالوظيفة، والواجب عليهم أن يفرقوا بين الوظيفة وفرص العمل من غير الوظيفة، وواجبهم أيضا الابتكار في التغلب على ثقافة العيب والانخراط بسوق العمل بتصميم وإرادة. ثقافتنا وقيمنا كانت دائما تعلي من قيمة العمل، وكنا دائما نسمع مقولة إن “الشغل مش عيب” وكانت مسلمة اجتماعية. العيب في قيمنا هو أن ينتظر شاب في مقتبل العمر، وهو في قمة طاقته وعطائه، وظيفة قد لا تأتي، أو أن يهدر وقته وطاقته في محاولات التوسط للحصول عليها.

الجميع مطالب بالحديث مع الشباب، وتوجيههم للعمل بدلا من السير لأيام للمطالبة بالوظائف غير المتوفرة، وعلى الجهات ذات العلاقة الإعلان بشكل مكثف عن القطاعات التي تبحث وتعاني من قلة الأيدي العاملة، وأن يتم الإعلان عن شواغر دوائر العمل المنتشرة على لوحات إلكترونية ضخمة على سقوف مبانيها، وليصمم تطبيق إلكتروني يوضح بسهولة ويسر المعروض في سوق العمل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات