لا صوت يعلو على المطر


المجتمع الأردني غني ومتنوع وعريق.في طياته الكثير من القيم والمشاعر والممارسات. بعضها يظهر دون عناء والآخر يحتاج الى تأمل أو إلى مواقف واحداث كتلك التي ألمت بعمان خلال الايام الماضية. بجانب مشاهد الغضب الناجم عن الفيضانات التي اجتاحت الشوارع العتيقة والحقت الاضرار بأصحاب المتاجر تحرك الشارع الأردني ليترجم صورة الجسد الواحد الذي لا يتوانى عن اسناد المنكوبين وإعادة الأمل إلى نفوس اصحاب المحلات التي غرقت بمياه الامطار.

الحملة التي انطلقت تحت شعار “وسط البلد يجمعنا” استجابة نبيلة تتفوق على كل زيارات الرؤساء والمسؤولين ففيها من الصدق والنبل والعفوية ما يخفف من غضب المنكوبين ويلعق الجراح التي اصابت نفوسهم وهم يصارعون الفيضانات التي قالت امانة العاصمة في تصريحاتها انها على أهبة الاستعداد لمجابهتها.

إلى جانب الشباب والمواطنين الذين استجابوا لنداء الحملة الشعبية نظمت قناة رؤيا حملة ترويج ومساندة للتجار بعنوان “اشتروا من البلد”. خلال هذه الحملة تتنقل كاميرات القناة ومذيعوها بين الاسواق للتعريف بها وبمحتوياتها وشراء بعض الحاجيات منها. بالأمس ظهر الشيف نضال البريحي والشيف ايمان عماري من مطبخ رؤيا وهما يتسوقان من المتاجر المنكوبة في شارع قريش وليعلنا بأنهما سيشتريان كل مستلزمات الاطباق اليومية التي يعدنها من محلات المواد الغذائية المتضررة. هذه الخطوة وجه من اوجه التعبير المتنوعة التي ابتدعها ويبتدعها المجتمع للتعبير عن مفهوم التكافل الاجتماعي الذي ما يزال رئيس الحكومة يدرس صيغه وسياساته.

في جبال الشراة وسفوح مؤاب وشيحان وجرف الدراويش ما يزال في هطل المطر ذروة السعادة والفرح. فقد ظل الشعراء ينظمون قصائدهم واشعارهم ويرسمون الصور الذهنية الجميلة للارض وهي تستقبل نعم السماء وتنبت اجمل ازهار الاقحوان والحندقوق وشجيرات الشيح والعطرفان ومختلف النباتات التي تنتظرها الاغنام والابل ويحتاج لها البدوي للتداوي وتطييب مذاق الحياة التي يصنع اسبابها لحظة بلحظة. الصور التي يرسمها شعراء السامر للبرق والوسم المطري وجريان السيول وانواع الغيوم وبهجة الابل العائدة من المراعي لوحات فيها من الصدق والحس والجمال ما يغذي الروح ويأسر الالباب.

في التراث الذي صاغ وجدان اهالينا وتسلل لقلوبنا لا شيء يفرح البدوي كنزول المطر ولا احتفال يضاهي ترقب السماء واتجاه الرياح بانتظار المطر. في بوادينا واريافنا يستبشر الناس بتحول اتجاهات الرياح والتكاثف التدريجي للغيوم ولمعان البرق ونزول المطر وتشكل السيول وامتلاء القيعان والغدران.

جرش وعجلون والمفرق واربد والسلط تعيش اجمل الايام بعد ان تلقت نصيبها من نعم السماء فاخضرت الأرض وتفجرت الينابيع. على امتداد اراضي الشمال ، هناك فرح يملأ قلوب البدو والفلاحين فقد ارتوت الارض وتفجرت الينابيع وتوقف الانفاق على شراء الاعلاف بعد ان ازدادت حمولة المراعي لتكفي حاجات الاغنام والابقار والدواب التي اصبحت تكتفي بما نبت في محيط البيوت والمزارع دون الحاجة الى رحلات البحث اليومي عنه.

قبل ايام ابتهج اهالي جرش بتفجر عين الظاهر التي ظلت مؤشرا على جودة المواسم الزراعية تختفي عند شح الامطار وتعاود الجريان عند ارتفاع معدلات الهطل. النبع الذي يقع على مشارف سوف يعاود الجريان بعد ان اختفى منذ ما يزيد على عقدين.

عجلون هي الاخرى تعيش موسم الخصب هذا العام فقد قارب سد كفرنجة على الامتلاء وتفجرت عيون التنور وابو الجود والصالوص والفوار بعد ان انخفض منسوب جريانها في العقود السابقة. في الأردن ولدى الأردنيين لا كرم مثل كرم السماء ولا نعم مثل نعم الخالق ولا فرحة تعلو على فرحة الارض وهي تستقبل المطر وتبعث بكنوزها وخيراتها. في مثل هذه الاجواء تنتعش الآمال ويعم الخير ويتحسن المزاج العام الذي نحتاج له من اجل الامن والسلام والابداع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات