طوابير المتعطلين إذ تزحف نحو العاصمة .. !!!


لم تفلح إستراتيجيات وخطط التشغيل على مدى العقدين الماضيين في زيادة معدلات التشغيل وخفض نسب البطالة، لا بل شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعات لافتة في هذه النسب، الكثيرون يرجعون أسباب ذلك إلى الزيادة المضطردة في عدد السكان والأخفاق في تحقيق معدلات نمو حقيقي في الاقتصاد، وعودة أعداد كبيرة من المغتربين من دول الخليج بسبب موجة الركود التي تعصف بالمنطقة برمتها، وبغض النظر عن الاسباب الحقيقية لذلك فقد غدت الظاهرة مقلقة للغاية لأن الفشل في وضع حلول عملية ناجعة وقابلة للتطبيق قد ينذر بعواقب وخيمة تتجاوز البعد الإقتصادي للمشكلة لتعصف بالسلم المجتمعي للوطن بأكمله.

يمثل مشهد العشرات من المتعطلين عن العمل من أبناء العقبة وهم يتوجهون سيرا على الأقدام إلى العاصمة عمان، إحتجاجاً على عدم توفير الدولة لهم فرصاً للعمل أحدث مظاهر الأزمة بل أكثرها لفتاً للانظار على الإطلاق، وبالرغم من التحرك السريع للجهات المعنية للحوار معهم وثنيهم عن الإستمرار في المسيرة، إلا أن ذلك لم يمنعهم عن متابعة السير شمالا لعدم قناعتهم بما عرضه المتدخلون عليهم، فهم يطلبون وظائف في مؤسسات أو شركات حكومية بعينها، وأن يتم إتخاذ قرار توظيفهم بشكل فوري، فهم غير معنيون بفرص عمل في القطاع الخاص قد تكون ذات رواتب أقل وتفتقر للأمان الوظيفي الذي يطمحون إليه، وبصرف النظر عن منطقية أو عدم منطقية ما يطالب به المحتجون، تعكس الظاهرة عمق الازمة التي يعاني منها البلد، وتؤكد للمرة المليون عقم السياسات الحكومية ليس في مجال التشغيل وخلق فرص العمل فقط، وإنما في مجمل السياسات الإقتصادية والإجتماعية والتربوية التي راكمت في الوعي الفردي والجمعي على السواء "الدور الرعوي" للدولة، إضافة للممارسات التي خلقت إنطباعاً عاماً لا بل قناعة راسخة لدى الكثيرين بغياب العدل والمساواة بين مختلف فئات المجتمع خاصة في مجال التعيين والتوظيف.

"تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها ...." هذا ما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة السادسة من الدستور الاردني، وهذا لا يعني قطعاً أن تلتزم الحكومة بتعيين الجميع موظفين لديها، فهذا فوق قدرتها بل فوق قدرة أية حكومة في العالم، فدور الحكومة هو خلق البيئة المناسبة للعمل والإنتاج بما يوفر الوظائف وفرص العمل للجميع، فعندما تصبح الوظيفة الحكومية أكثر جاذبية للباحثين عن العمل من الفرص التي يعرضها القطاع الخاص، فهذا مؤشر واضح على خلل وقصور في اداء الإقتصاد بشكل عام.

ما زال الإقتصاد الاردني بالرغم من صغر حجمه وضعف موارده يوفر مئات الآلاف من فرص العمل للعمالة الوافدة، لا بل إن قطاعات بأكملها كالقطاع الزراعي وقطاع الإنشاءات تعتمد إلى حد كبير على هذه العمالة، والتي يعزف الأردنيون عن العمل بها على الرغم من أن كثيراً من المهن التي يوفرها هذين القطاعين تحقق مردودا مالياً يفوق رواتب الكثير من الوظائف الحكومية، ولم تنجح السياسات الحكومية الرامية إلى إحلال العمالة المحلية محل العمالة الوافدة في تحقيق أي إختراق ملموس في هذا المجال، والمفارقة هنا أن المشاركين في يوم العمل الذي عقده منتدى الإستراتيجيات الاردني في التاسع من الشهر الحالي حول "الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضمن مبادرات خطة العمل الحكومي" وشارك فيه رئيس الوزراء والفريق الحكومي قد أوصى بضرورة "إتباع سياسة عمل مرنة تسهل دخول العمالة الاجنبية الماهرة ....."، وهنا نتساءل أين نتيجة الجهود الحكومية الرامية لتوفير العمالة الاردنية الماهرة، ما الذي تفعله مؤسسة التدريب المهني والشركة الوطنية للتدريب والتشغيل وغيرهما من المؤسسات ....؟؟؟؟!!!!

نكتب هذا المقال وما زالت مسيرة المتعطلين من أبناء العقبة بإتجاه عمان مستمرة، العقبة التي يفترض أن توفر فرص العمل ليس لأبناءها فقط وإنما للآلاف من أبناء المناطق الأخرى من المملكة، وهذا بحد ذاته خلل كبير يستوجب المراجعة والتحليل وإستخلاص الدروس والعبر، لا نتفق كثيرا مع المحتجين ولكننا نتعاطف معهم بالتأكيد، ونشفق كثيراً على الوطن الذي تحاصره الأزمات والمشاكل من كل جانب، ونتمنى أن تسوى هذه القضية بأقل الخسائر وأن تتخذ إجراءات سريعة لمعالجة موضوع التشغيل على المستوى الوطني فمسيرات مشابهة من مناطق أخرى سيكون لها تداعيات يصعب التنبؤ بمآلاتها.

حمى الله الوطن وجنبه كل مكروه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات