نريد وزراء ساسة محترفين لا كبار موظفين تنفيذيين


قال رسول الله صل الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال (إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) .

ويقول المفكر الأمريكي الحر نعوم تشومسكي ( لا يوجد شيئ اسمه بلد فقير بل يوجد وزراء ومسؤولون سارقون أو فاشلون في إدارة موارد البلد ) .

بداية من هو الوزير وما ذا نريد منه ما وظيفته هل هي سياسية أم تقنية تكنوقراط أم خدماتية ثم من يأتي بالوزير وكيف يُختار وهل يوجد عندنا برلمانً حقيقيً يُمثل الأحزاب السياسية التي يجب أن يتشكل منها الطاقم الوزاري كحكومة برلمانية من المؤسف انه وبعد 29 سنة من عودة الحياة الديمقراطية لا يوجد لدينا أحزاب بمعنى الكلمة ضمن المشهد السياسي القائم وبالتالي يستمر اختيار الوزراء بصورة فردية وشخصية غير مبنية على رؤية شمولية تتعلق بالوطن فإذا أردنا وزيراً سياسياً عندها نتكلم عن قيادة وقائد سياسي يقود مؤسسة سياسية يجب ان يكون له كاريزما وتأثير في المؤسسة التي يقودها وفي المجتمع وليس مطلوباً منه أن يُنفذ برامج خدامتيه لكن إذا كانت القضية تقنية " تكنوقراط " فالأمر مختلف تماماً فيجب أن يكون الوزير صاحب خطة واضحة ومعروفة لمجلس النواب والمجتمع وعندنا لو سألت أي وزير عُيِّن حديثاُ أو سابقاً هل لديك خطة عمل لإدارة وزارتك ستفاجئ بجواب النفي ولا يوجد لدينا معايير مؤسسية ثابتة لاختيار الوزراء وأحيانا يوضع الرجل غير المناسب في مكان لا يناسبه مع التذكير بان بعض الوزراء تعاملوا مع الوطن على انه شركة خاصة ولسنا بحاجة إلى وزراء أو مسؤولين لا يعرفون إلا الشكوى والسفر والاحتماء والاختباء وراء مؤسسة العرش و خلف عباءة الملك في كل صغيرة وكبيرة وفي أكثر من مرة طالب جلالة الملك وهو صاحب الصلاحيات الدستورية بتغيير الحكومات ان يكون الوزراء أصحاب قرار او ان يجلسوا في بيوتهم يخلدون للراحة فالوطن ليس ألعوبة ولا حقل تجارب ولا هو مدرسة أغرار ومستجدين نريد رجال دولة ذوي السوّية الفريدة الذين لم تحرقهم السلطة ولم يندرجوا في الاصطفافات الخلافية ولم تتلوث أيديهم وسمعتهم بالموبقات السياسية أو المالية أو الأخلاقية .

الأصل أن تجري تعيينات الوزراء او الحكومة بشكل عام على أساس برامج العمل وهذا ما هو معمول به في الدول المتقدمة ذات المكونات السياسية الحزبية ومع التعديل الوزاري الثاني على حكومة الرزاز والذي لم يُلبي طموحات الأردنيين وكأنه جاء ليُسكت بعض الأصوات ويُرضي البعض الآخر حيث لا زالت الأمور تسير بعكس الاتجاه المطلوب وان معظم التعديلات والتعينات التي تجري على الحكومات الاردنية تتم في صالونات مغلقة او خلوات ضيقة وضمن مشاورات محدودة بين مجموعة من الأشخاص القياديين مع رئيس الوزراء المُكلَّف ومع أكثر من جهة أخرى وللعلاقات الشخصية دور كبير جدا في التشكيلات الحكومية وهذه الطريقة لا تخدم الوطن والأمر ليس مسألة مُحاصصة سياسية أو قضية تنفيعات وترضيات تحددها مراكز القوى داخل السُلطة لمن جاء او ذهب وان طريقة اختيار الوزراء والمسؤولين يجب أن يُعاد النظر فيها وأننا لا نرى اي جديد يذكر في التعديل الحكومي الأخير ولا ما قد سبقه سوى تدوير وتغيير لأشخاص يسيرون على نفس النهج والأسلوب والثابت الوحيد في كل تعديلات الحكومات هو أنها لا تعمر طويلا بحيث ان إشاعات التغيير او التعديل تلاحق أية حكومة بعد أدائها اليمين القانونية مباشرة وهو ما يجعل الانجاز المشهود متواضعا بالنظر إلى الطموحات والتحديات التي تواجه الوطن على جميع المستويات ولازالت المشكلات والظروف والتحديات قبل وبعد كل تعديل وزاري هي نفسها نسبة الفقر في تزايد والبطالة تؤرق الجميع والهموم والضيق الاقتصادي والبطالة والكُلف الهائلة في زيادة الأسعار سواء ضرائب أو سلع تتصاعد بشكل جنوني ونلاحظ دائما أن معظم أعضاء الحكومات لا علاقة لهم البتة بالسياسة أو إدارة الدولة ورسم السياسات العامة ويعتبرون أن القرارات الإدارية الروتينية وتسيير شؤون وزاراتهم اليومي هي إنجازٌات عظيمٌة لهم يجب أن يشكروا عليها والوطن خارج كل حسابات بعدما أصبح وأمسى مثقلاً بالأعباء والديون متأزماً بالضرائب والرسوم يئن من غلاء المعيشة ويرزح تحت وطأة الفساد والفاسدين ويعيش ويتحرك على وقع وإيقاع المعونات والمنح الخارجية .

ومن حق الشعب الذي يبني الوطن يد بيد مع ملك البلاد إن يتعلم من دروس الماضي ويضع خارطة طريق لمستقبل أفضل غير مضطرب وزاريا ودعونا نستفيق من خرافة عشعشت في عقولنا بان اختيار الوزراء لدينا يتم على أساس الأهلية والكفاءة والجدارة والنزاهة لان فيها مبالغة كبيرة جدا وغير حقيقية وليست واقعية او عملية ولم يعد يؤمن يها الكثير من الأردنيين ولا بد من الاعتراف بان معظم التعيينات تخضع لاعتبارات غير موضوعية يصعب قياسها وما يقال عن نزاهة الشخص ودماثته وسجله الأمني ونفوذ عائلته ومناسبته للمرحلة وعلاقاته الشخصية مع أولي الأمر هي التي تشكل أهم معايير الاختيار للمواقع السياسية والوزارية وما تبقى يأتي في إطار رأب الصدع وإعلان النوايا الحسنة وملامسة نبض الشارع نظرا لحب الناس لمفهوم النزاهة والعدالة والشفافية والمساواة وشعورهم بأن اعتماد الحكومات لمعيار الكفاءة سوف يخلصهم مما يعانوه من ظلم المحاصصة والواسطة والمحسوبية والاهم من ذلك أن الشارع الأردني لم يعد يهتم أو يكترث لتشكيل حكومة جديدة أو تعديل وزاري مرتقب بعدما ترسخت لديه قناعات طوال السنوات بأن هذه التغييرات لن تحدث فرقا في حياته المعيشية وإنما سوف ترتب عليه أعباء مالية واسعة في جدول الموازنة العامة للدولة التي تعاني من عجز متصاعد في المديونية وأبعد من ذلك يرى كثير من المواطنين أن تشكيل الحكومات وتغيير الشخصيات الوزارية تعتبر فرصة مواتية من جديد لتداور المناصب بين النخب السياسية وهي تكريس متجدد لسياسة التنفيع والعطايا وتوارث المناصب لرؤساء حكومات ووزراء من عائلات وعشائر محددة صاحية نفوذ محصن وحظوة مستمرة عبر تاريخ الأردن القديم والحديث .

وتذكرون بعد ان تم اختيار أربع وزراء نقل وإقالتهم في عام ونصف في الحكومة الضعيفة التي شكلها هاني الملقي حيث قيل في حينها ان الوزراء فرضوا عليه من قبل جهات عدة لكل مصلحته وكم من وزير نقل لم يكن صالح للحركة وللنقل والحكومة الحالية للرزاز عاشت ولا زالت تعيش في بيئة من الاضطراب غير قادرة على القيام بالأعمال المنوطة بها في غياب واضح لمفهوم الحكومة الوطنية وعدم فعالية التخطيط ان لم يكن غائبا أصلا والتخبط في القرارات وخيارات تعيين وطرد وإقالة الوزراء وتعيين إخوة النواب وأقارب المسؤولين بعشوائية مطلقة مما انعكس على الأداء في مؤسسات و وزارات مختلفة وللحقيقة نحن فى أمس الحاجة إلى سياسة حكومة وفق رؤية واضحة لمعالجة الأزمات والمشاكل التى تواجهنا تكون لديها رؤية إستراتيجية للنهوض بالبلاد وليس مجرد تغيير بعض الوزراء كل عدة أشهر لأن المسألة أكبر وأعمق بكثير جدا من تغيير الأشخاص بحيث لا تبقى الأمور ماشية بالبركة ونتعامل في أحيان كثيرة مع الأزمات والمشكلات يوم بيوم وكل وزير يقول كلام ثم نسمع عكسه تماما من وزير آخر في نفس المشكلة والأمثلة كثيرة وصارخة مما يضطر رئيس الحكومة للتدخل بنفسه فى كثير من القضايا والملفات ليصدر بيانا أو بلاغا ليحسمها بينهم .

ورغم أن حكومة الرزاز قد استُقبلت في البداية بتفاؤل شعبي نوعي وترحيب بشخص رئيسها الذي حظي باحترام فئات كبيرة من المجتمع الأردني إبان توليه منصب وزارة التربية والتعليم العالي إلا أن شعبية حكومته تهاوت بدرجة أكبر من المتوقع وفي وقت قياسي لا يتعدى بضعة أشهر لأسباب جوهرية عديدة في مقدمتها حادثة البحر الميت والتي أسفرت عن هزة حكومية أفضت إلى استقالة وزيري التعليم والسياحة بعد مطالبات شعبية وبرلمانية صاخبة بذلك ثم مشكلة المشاكل قانون ضريبة الدخل حين تم الإبقاء على المواد التي أثارت غضب الشارع من قبل مع قليل من الماكياج والتعديل الخارجي الذي لا لم يلامس الجوهر .

ولا زال جلالة الملك يأمل في إحداث نقلة نوعية منهجية في الحكم يؤسس لسلالة جديدة أصيلة من "خيل السلطة التنفيذية " ذو الحجم والشكل المتميز القادرة على تبني مشروع دولة في تداول للسلطة التنفيذية بناء على برامج انتخابية في اختيار وتعيين الوزراء مع الاهتمام بخلفياتهم ودرجة ذكائهم السياسي و التفاوضي ومعرفة حجم انجازاتهم و قدراتهم على التعامل مع العالم المتحضر وإمكانية تقديمهم حلول للوجع الشعبي وتواصلهم مع العولمة و ثقافة الغير وشفافيتهم وخبراتهم في تأمين الاستثمارات و مأسسة العمل و الحوكمة الرشيدة و استدامة الدولة و غيرها من الأمور وان يكون رئيس الحكومة المستقبلية قائدا ومفكرا ذو اعتمادية سوقية و مرجعية دولية وان تحمل الحكومات القادمة مشروع واضح للدولة المدنية الديمقراطية بالإضافة إلى وجود برنامج إصلاح سياسي ديمقراطي جذري وشامل وإقرار سياسات اقتصادية عادلة اجتماعياً ومتوائمة مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية .

ومن المعروف انه في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية يختار المواطنون باعتبارهم مصدر السلطات جميعاً الحكومات بناء على توجهاتها العامة وبرامجها التي تلتزم بتنفيذها عندما تكون في السُلطة وإلا فقدت ثقة المواطنين ودور الوزراء في الحكومات يكون قيادي باعتبارهم " قادة الدولة " وساسة محترفين وليسوا كبار موظفين تنفيذيين وفي الدول الديمقراطية لا يتم اللجوء إلى الوزراء " التكنوقراط " إلا في حالات محدودة جداً بشرط التزامهم بسياسة الحزب الحاكم وبرنامجه وذلك لأن العمل الحكومي هو عمل سياسي في الأساس لا عمل فني ومع استمرارية الواقع بعلته المرضية المتفاقمة سنبقى في حالة انغماس طويل داخل مختبر إمراض السياسة المزمنة وتقرحاتها المؤلمة على الساحة السياسية الداخلية نتيجة الأخطاء المتكررة لبعض الحكومات السابقة و" مستشاري الغفلة " وغياب استراتيجيات بعيدة المدى والمملكة تتقدم آمنة مطمئنة بقيادة ملكية مؤسسية قوامها الدستور ويجب ان يكون الأردن لكل الأردنيين غير محصورا على فئة او ملة او طائفة أو عشيرة .

واليوم يمثل جلالة الملك عبد الله الثاني بما يحمله من فكر و رؤية واضحة جيلا من الإنقاذ و حلما أردنيا واجب التنفيذ يؤمن به الشعب وينتظره بعد عجز الولاية العامة وترهلها وتغول الفساد في أركانها وزواياها وسيطرة المحسوبية وانتشار سطوة الشللية ولوبيات القنص الانتهازي والاغتيال المنظم وتخبط سياسات بعض الحكومات وتقصيرها عن فهم أهداف ومضامين كتب التكليف السامي الواضحة والمتكررة بل وعمل البعض ضدها او عكسها مرات كثيرة .

وبعد كل هذا العناء والاحتمال والضياع الشعبي الاردني يتوجب تطبيق نظرية " الاحتراف السياسي " في تشكيل الحكومات واختيار الوزراء علي أساس الكفاءة أوعلى الاقل تطبيق نظرية " الاحتراف الكروي " عند الأندية الرياضية في تشكيل الفرق الوطنية واختيار اللاعبين وفق معايير الجدارة والأهلية أو ان يترك المنصب للانتخاب مستقبلا لكي نصل إلى مرحلة نكون فيها مهيئين لأن يتولى " زعيم الأغلبية " في مجلس النواب تشكيل الحكومة من حزبه او من تحالفات حزبية وشخصيات وطنية ومؤسسية ذات كفاءة مجربة يتم اختيارها على أعلى المستويات وينتهي تماما من موضوع توريث السلطة وتبادلها المقيت ونرغب في المحصلة ان نرى حكومة أردنية في أطر غير تقليدية تديرها وجوه جديدة قادرة ومؤهلة على إحداث التغيير بعيدو عن حسابات التوازنات وقوى الضغط واللوبيات والعصابات التي تفرز لنا نسخا مشوهة عن حكومات كل إنجازاتها محصورة في مضاعفة الديون ورفع الضرائب والحصول على معونات وادهالنا في متاهات ودوامات اللعبة السياسية التي لا يعرفون فيها سوى كم يحققون من مساحة للنفوذ وكم كرسياً او منصباً سياسيا يستحوذون لنبقى اسري لإرادتهم لا نمتلك حرية القرار وأننا لا نزال ننتظر ذبك اليوم الذي يكون فيه كتل نيابية وأحزاب ذات برامج واضحة تمثل جميع الأردنيين وتنطلق من واقع الناس وهمومهم وما يتطلب ذلك من ضرورة تطوير للقوانين الناظمة للحياة السياسية وخاصة قانون الانتخاب الذي يشكل داعما مهما لتطوير الحياة السياسية والحزبية إضافة إلى تعزيز الحوار والوعي المجتمعي .

وأخيرا : لابد أن يفهم جيدا ان منصب رئيس الوزراء او الوزير او المسؤول هو أمانة عظيمة في عنق صاحبها لا يجوز خيانتها بأي حال عن طريق ترشيح من لا يستحق وظيفة "مندوب مبيعات" لمنصب وزاري أو لموقع قيادي متقدم ولا يجوز استمرار بعض رؤساء الحكومات باستخدام صلاحياتهم القصوى وطاقاتهم الكلية لتزكية جماعاتهم وأقاربهم ومحاسيبهم ولفوفتهم لمنع خروج السلطة من بين أيدي "اللوبي" الخاص بهم فتصبح الوزارات كلها دائرة واحدة متصلة كأنها قلاع محصنة يصعب اختراقها من أصحاب الحق والنزاهة والكفاءة والأمانة والتأهيل .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات