عن "جناعة" وأخواتها !!!


وأخيرا تم حل مشكلة أراضي حي جناعة وهو أحد أحياء مدينة الزرقاء الفقيرة الذي أنشئ قبل سبعين عاما على أثر نكبة عام 1948 على أراض معظمها مملوك للدولة والبقية ملكية خاصة لأشخاص عاديين ولجمعية خيرية، وقد طفت المشكلة على السطح إثر صدور قرار قضائي قطعي بإخلاء قطعة الأرض المملوكة ملكية خاصة وتسليمها لمالكيها مما يعني تشريد العشرات من الاسر التي تقطنها، وقد تمثل حل المشكلة بتفويض أراضي الحي المملوكة للخزينة لقاطنيها مقابل دفع بدل المثل، ومفاوضة مالكي القطع المملوكة ملكية خاصة لمنحهم قطع أراضي خزينة تعادل قيمتها قيمة أراضيهم.

يعكس تدخل الحكومة لحل هذه المشكلة الاحترام التام للملكيات الخاصة بغض النظر عن أي خلفيات سياسية أو إجتماعية مهما كانت، كما يعكس شعورها العالي بالمسؤولية للحيلولة دون تشريد عشرات من الأسر الفقيرة من بيوتهم التي ولدوا وترعرعوا فيها، خاصة وأن الدولة ممثلة بحكوماتها المتعاقبة كانت شاهدا على إنشاء هذا الحي الذي أقيم تحت سمعها وبصرها وقامت بتزويده بالخدمات الاساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي.

لم تكن مشكلة حي جناعة وعددا آخر من أحياء مدينة الزرقاء والرصيفة والعاصمة عمان مجرد إعتداء على أراضي للغير وإنشاء المساكن عليها بشكل عشوائي كما هو الحال في الكثير من مدن وعواصم العالم، فالموضوع ذو بعد سياسي حساس لكون غالبية هذه الأحياء قد ظهر للوجود نتيجة اللجوء الذي أعقب حربي 1948 و 1967، وقد أحجمت الحكومات المتعاقبة عن الإقتراب من مشكلة الأراضي التي قامت عليها هذه الأحياء درءا لشبهة التوطين بالرغم من قيام هذه الحكومات بإنفاق ملايين الدنانير على توفير الخدمات لهذه الإحياء لتحسين الظروف المعيشية لقاطنيها، وذلك كما حصل ضمن ما عرف ببرنامج حزمة الأمان الإجتماعي الذي نفذته الحكومة قبل عشرين عاماً وشمل أحياء ومواقع النظيف والقيسية ووادي عبدون وحي الطفايله ووادي القطار ووادي الحدادة وسفح النزهة وسفح الهاشمي واللوزية والمصدار وأبو صياح ضمن مدينة عمان، وأحياء جناعة والمشيرفه والزواهرة في الزرقاء والرصيفة.

يتزامن حل مشكلة حي جناعة مع تفاقم مشكلة مشابهة أكثر تعقيداً تتعلق بحي المحطة أو ما يعرف بمخيم المحطة، حيث صدر حكم قضائي مشابه بإخلاء أرض الحي الذي يسكنه أكثر من 50 ألف نسمة، حيث تعكف الجهات المعنية وخاصة أمانة عمان الكبرى على إيجاد لحل لهذه المشكلة خاصة وأن كافة أراضي الحي مملوكة ملكية خاصة إضافة إلى ارتفاع قيمة هذه الأراضي نظرا لموقعها المتميز ولكون جزء كبير منها منظم بإستعمالات تجارية، إلا أنه وبالرغم من أن قيمة هذه الأراضي تبلغ ملايين الدنانير وبالرغم من قلة البدائل المتاحة، فليس من المتوقع تنفيذ الحكم القضائي بإخلاء الموقع من سكانه لما لذلك من أبعاد وكلف إنسانية باهظة، لا يسمح النظام السياسي ولا حتى الرأي العام للشارع الإردني بها، فذلك سوف يصور على إنه نكبة ثانية حلت بسكان هذا الحي والذين هم في معظمهم مواطنون أردنيون.

يتساءل الكثيرون لماذا سكت أصحاب الأراضي الأصليين كل هذه السنين عن أراضيهم واستيقظوا الآن، والجواب بسيط جدا فالقيمة المادية لهذه الأراضي وقت إنشاء هذه الأحياء كانت قليلة جدا، إضافة إلى حالة التعاطف الكبير الذي أبداه هؤلاء المالكين وقتها مع أناس تعرضوا لنكبة وظلم فادح، فسمحوا لهم عن طيب خاطر بالإقامة فيها وقبل ذلك فتحوا لهم البيوت والقلوب، إضافة إلى شعور الجميع بأن هذه الإقامة مؤقتة وأن العودة حتمية لا بل وقريبة جدا، تأخرت العودة كثيرا ..... وعاد مالكو الاراضي الى بارئهم ..... ولم يعد المهجرون إلى بيوتهم، وتغيرت الوقائع والمعطيات وظهر الورثة الذين شعروا بالظلم الشديد من عدم تمكنهم من الاستفادة من اراضيهم والتي غدت قيمها بالملايين فكان اللجوء إلى القضاء.

نأمل ويأمل الكثيرون بإيجاد حل سريع لمشكلة أهالي مخيم المحطة لإنقاذهم مما يتهددهم، علماً أن حل مشكلة الارضي لمخيم المحطة ولغيره من المواقع لن ينهي معاناة قاطنيها فستبقى مناطق يسودها البؤس والفقر وضيق الحياة كما ضيق الشوارع والأزقة، وستبقى شاهدا على أفدح ظلم لحق بشعب في التاريخ المعاصر، ولن تحول تسوية قضية الأرض من "العودة".... حين تقرع أجراسها ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات