فوضى سوق الاسمنت .. من المسؤول ؟!


عبر مقاولون ومستثمرون في قطاع الانشاءات بشكل عام وقطاع الإسكان بالتحديد عن رفضهم واستغرابهم من الارتفاع الأخير في أسعار مادة الأسمنت والذي بلغ حوالي خمسة دنانير للطن الواحد، والذي عزاه متابعون إلى القرار الذي إتخذته الحكومة الاسبوع الماضي بوقف منح تصاريح استعمال التربة الزراعية في صناعة الإسمنت والإستعاضة عنها بمادة الكاولين، وبصرف النظر عن الأسباب الفعلية التي أدت إلى ذلك، يعود إلى الواجهة مجددا السؤال الكبير عمن يحدد أسعار هذه المادة المهمة للمستثمرين والمقاولين والمواطنين العاديين على السواء، هل هي عوامل السوق المتمثلة بتفاعل العرض والطلب، أم المصانع المنتجة أم وزارة الصناعة والتجارة والتموين. 


هيمنت شركة واحدة على سوق الاسمنت المحلية لعقود طويلة هي شركة مصانع الإسمنت الاردنية، إلا أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي شهدتها المملكة والمنطقة خلال العقدين الماضيين وما نتج عنها من ارتفاع كبير في الطلب على مادة الاسمنت قد أدى الى دخول آخرين الى هذا القطاع منهم مستثمرون عرب واجانب، بحيث ارتفع عدد مصانع الاسمنت في المملكة الى خمسة مصانع بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي ثمانية ملايين طن سنويا أي ما يعادل ضعف الاستهلاك المحلي السنوي، بحيث يتم تصدير الفائض من الانتاج الى الدول المجاورة، إلا أن تراجع الطلب المحلي على هذه المادة وفقدان الاسواق الخارجية قد خلق وضعا حرجا لمصانع الاسمنت وألحق بها خسائر فادحة وهي التي تستثمر مئات الملايين من الدنانير، وترفد الخزينة بالكثير من العوائد والرسوم، مما دفع وزارة الصناعة والتجارة إلى حظر استيراد هذه المادة بهدف المحافظة على هذه المصانع، والحيلولة دون إغلاقها وتسريح الآلاف من العاملين فيها من مهندسين وفنيين وعمال عاديين.

لم تفلح إجراءات وزارة الصناعة والتجارة والإجراءات الداخلية التي قامت بها المصانع نفسها في حل المشكلة، مما أدى إلى دخول المصانع في النصف الأول من العام الماضي في مضاربات أدت إلى انهيار الأسعار إلى مستوى غير مسبوق بلغ حوالي 35 دينار للطن الواحد وهو سعر لا يغطي كلفة الإنتاج الفعلية، ولم تمض شهور قليلة حتى ارتفعت الأسعار بشكل فوري ومفاجئ إلى ما يزيد عن 80 دينارا للطن الواحد، وهو أمر فسره الكثيرون في حينه إلى توصل المصانع الخمسة إلى إتفاق لتحديد سعر بيع الطن الواحد من الإسمنت خلافا للمادة الخامسة من قانون المنافسة الاردني رقم 33 لسنة 2004 وتعديلاته والتي تنص على "يحظر تحت طائلة المسؤولية أي ممارسات أو تحالفات صريحة أو ضمنية تشكل إخلالا بالمنافسة أو الحد منها أو منعها وبخاصة ما يكون موضوعها أو الهدف منها تحديد أسعار السلع ..... أو تحديد كميات الإنتاج .....".

نتفهم قيام وزارة الصناعة والتجارة والتموين بحظر إستيراد الاسمنت من الخارج حماية للصناعة المحلية، ولكن ما لا نفهمه ولا نتفهمه ترك تحديد أسعار هذه المادة بيد الجهات المنتجة لوحدها مما يمثل إضرارا بمصالح الأطراف الأخرى من المعادلة من مستثمرين ومقاولين ومواطنين، فإما يترك الأمر بقضه وقضيضه لقوى السوق مع فتح باب الاستيراد، وإما تتولى وزارة الصناعة والتجارة والتموين إدارة الموضوع من خلال تحديد سوف سعرية تراعي مصالح كافة الأطراف بعدالة، فالمستهلك في النهاية ليس مسؤولا عن أية قرارات استثمارية متعجلة وغير مدروسة، ولا يعقل أن نلزمه بشراء طن الاسمنت الواحد بتسعين دينارا في حين لا تزيد أسعاره عن خمسين دولارا فقط في كثير من الدول المجاورة، وعلى المصانع إعادة هيكلة عملياتها وإيجاد الحلول المبتكرة لمعالجة مشاكلها من خلال تخفيض كلف الانتاج وزيادة الكفاءة والفاعلية، بعيدا عن تحميل المواطن نتائج قرارات لم يكن شريكا في اتخاذها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات