التعليم: رؤية تطويرية وتقاسم أدوار وإثراء !!


بناء له ركائز راسخة بنتائج البحوث التربوية والنفسية، والنظريات المفسرة له، والفلسفة التي تضفي عليه الشرعية، وتمنحه المسوغات العلمية. وفي ظل الثورة المعرفة والعلمية الهائلة التي تشهدها الساحة التربوية في هذا العصر- عصر الانفجار المعلوماتي الضخم والمتجدد- باتت الضرورة ملحة في إيجاد إطار جديد، يرسم متطلبات التدريس، وملامحه بمنظور حديث، ويجري بها توظيف ذلك واستثماره في إنجاح عملية التدريس؛ إذ أن نجاح العملية التعليمية برمتها، متوقف بشكل أساس على عملية التدريس الصادرة عن المدرّس، ودوره في التأثير الإيجابي، وقدرته على توصيل المعرفة، وإكساب المهارة لطلبته، ومدى كفاءته في مواجهة التحديات والصعوبات في الميدان.

ولمهنة التعليم مكانةٌ مرموقةٌ في المجتمع بشكل عام، والمجتمع التربوي بشكل خاص، فقد حُظيت بقدر كبير من اهتمام صناع القرار في السياسيات التربوية، بتسليط الضوء على التعليم، والكشف عن أسراره، وبدل الجهود من أجل الرقي بممارساته التي تعود بالنفع على المجتمع. بجعله مجتمعاً معرفياً قوياً قادراً على مواجهة التحديات، وعاملاً من عوامل رِفعة الوطن.

والتعليم موقف أو فكر ينطلق منه المدرس في أدائه لعملية التدريس، وهو محصلة خبراته، وما يتاح له في أثناء مرحلة الإعداد والتدريب، فضلاً عن اتجاهاته، والقيمة الحاكمة لسلوكه التدريسي.

إن أفضل من يؤدي عملية التعليم بشكل علمي وفني هو المدرس المحيط بالفكر التربوي والتعليمي، المحب لمهنته والمطلع على نظريات التدريس.

ولا بد من امتلاك الكفايات، ففيها يصبح المدرس قادراً على الأداء، وحل المشكلات في الغرفة الصفية. وفي التعليم تجري عملية أداء فعل معقد بنشاط معين على نحو متقن، والمدرس هنا يؤدي معًا مهارات حركية ولفظية وعقلية، موظفًا الاستراتيجيات والطرائق المختلفة. وإن التعليم بعد ذلك هو حقيقة، وتعزيز، وتغذية راجعة، وتقنيات، وفكر تربوي، وتنمية مستدامة، وقيم، و الذكاءات متعددة، أهمها الذكاء العاطفي.

و ينظر التربويون إلى المدرس بأنه الشخص المؤهل تربويًا، والمتمكن معرفياً من تخصصه، والماهر في توصيل المعرفة بكل كفاءة وقدرة، والمتسلح بالمهارات الذاتية من الاتصال والتواصل، وأنه يمارس أدواره الجديدة بكل اقتدار. وعلى كاهل المدرس واجب اتجاه المسؤولية الملقاة عليه، وهي بذل الجهد في معرفة المتطلبات، والتسلح بالمعرفة العلمية، وكيفية الوصول إلى الطريقة التي تجعل من ممارساته التعليمية ناجحةً تخدم التطلعات، وتحقق الآمال المرجوة منه. وهنالك مسؤولية اتجاه المدرس من التربويين تتمثل في تدريبه وتأهيله، من أجل امتلاك المهارات الجديدة في ضوء هذه المتطلبات.

إن المدرس المؤهل يُنجِح العملية التعليمية، ويذلل الصعوبات والتحديات التي يمكن أن تواجهه؛ لأنه يُعد حلقة الوصل بين المنهاج الذي يضم في ثناياه المادة الدراسية من معلومات ومهارات، وبين الطلاب، وهو المترجم للمادة النظرية، باستخدام المناسب للطلبة من استراتيجيات وطرائق وأساليب. فضلاً عن أن المدرس هو الركيزة الأساسية في بناء الصرح التربوي، والروح التي تمنح الحياة لجسد التربية، إذ لا فائدة مرجوة من أي تطوير للعملية التعليمية، ما لم يكن المدرس قادراً على ترجمة هذه التطلعات من برامج ومناهج وممارسات إلى أرض الواقع في الغرفة الصفية.

ومن هنا وجب تمكين المدرس برفع كفاياته، وتحسين مهاراته التدريسية. فقد يمتلك المدرس ذكاءً عاليًا ومؤهلات علمية عليا، وشهادات ودورات مختلفة، ولكن لا يمتلك التطبيق الصحيح لمهارة التفاعل الجاذبة مع طلبته، وتكوين علاقات إيجابية نشطة معهم، ومع ذويهم.

لذلك تأتي من هنا أهمية الممارسات التعليمية الحديثة، التي تنتج مدرسًا متميزًا مبدعًا متفردًا في حصته المتفاعلة الممتعة، وأنشطته المختلفة، وطرائق تدريسه الجاذبة، ومن أجل ذلك لا يكتفي المدرس بتطوير أدائه فحسب، بل أن يطور قدرته على التأثير في طلابه.

و ينظر إلى التعليم بمفهومه الحديث، بأنه الممارسات التدريسية التفاعلية التي تجعل من الطالب محورًا للعملية، نشطًا متفاعلًا، وهذا يشير إلى نوعية وكفاءة العملية التدريسية، ويقال بأن التعليم الفعال، يعلم المتعلمين مهاجمة الأفكار لا مهاجمة الأشخاص، وهذا يعني أن التعليم الفعال يحول العملية التعليمية - التعلمية إلى شراكة بين المدرس والمتعلم، بهدف توفير المعرفة والمهارة وتعميق الوجدان والخبرة، لتنمية شخصية الطالب بكل جوانبها.

و يستخدم المدرس المبدع الحواس والإيماءات والتمثيلات غير اللغوية والإشارات وحركات الجسد، ويوظفها في ممارساته التدريسية، وفي هذه الحالة يصبح الاتصال أكثر فاعليةً وترسيخًا وثباتًا عند الطالب، مما يؤدي إلى تدريس فعال، يُحسن من تعلم الطالب، ويعالج الخلل في اعتماد الطالب على حاسة دون أخرى، إذ يستطيع أن يطبق المدرس استراتيجيات متنوعة تخدم ذلك في ضوء معايير الجودة.

وهنالك ثغرة أخرى- من وجهة نظري- تكمن في ضعف المعرفة العلمية الصحيحة في التعليم، والمصطلحات المتعلقة به، وما ينبثق عنها من نظريات ومتطلبات، والتعرف إلى طبيعته. وما هي الممارسات التدريسية المرغوب فيها، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار والثبات في الإجماع والاتفاق على مدلولات التعليم ومصطلحاته، بالرغم من كثرة الكتب والمؤلفات التربوية في هذا الحقل، فنجد تخبطًا واضحًا في تحديد معالم التعليم لفظيًا، وتمييز مصطلحاته، ومعرفة أبعاده بطريقة سليمة. مما يترك ثغرةً معرفيةً مهمةً في هذا الجانب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات