"وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا"


" وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ " (‏‏فاطر‏:27).

هذه الآية الكريمة جاءت في نهاية الثلث الثاني من سورة فاطر‏,‏ وهي سورة مكية، استهلت بحمد الله ـ تعالى ـ فاطر السماوات والأرض‏ ـ‏ أي خالقهما على غير مثال سابق‏ ـ وجاعل الملائكة رسلاً إلى أنبيائه ورسله خاصة وإلى بقية عباده‏ بصفة عامة‏ .‏ والملائكة خلق متعددو الأجنحة‏ .

واستعرضت السورة عدداً من صفات الله وأسمائه، ومنها‏ أنه ـ تعالى ـ الخالق‏,‏ الرازق‏,‏ القادر‏,‏ القدير‏,‏ العزيز‏,‏ الحكيم‏,‏ المنعم‏,‏ الحليم‏,‏ العليم‏,‏ الغفور‏,‏ البصير‏,‏ الشكور‏,‏ الخبير‏,‏ الواحد‏,‏ الأحد‏,‏ الفرد‏,‏ الصمد‏,‏ صاحب الرحمات الواسعة‏,‏ الذي يفتح للناس منها ما لا يمكن لأحد أن يغلقه‏,‏ ويغلق ما لا يمكن لأحد أن يفتحه ‏.

وتذكر السورة الكريمة الناس بنعم الله ـ تعالى ـ عليهم‏,‏ وتستنكر جحودهم لها‏,‏ وتثبِّت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مواجهة تكذيب الكافرين لنبوَّته بتقرير أن الرسل من قبل قد كُذِّبوا‏,‏ على الرغم من أنهم جاءوا أممهم بالمعجزات الواضحات، والوحي المُنزَّل بالهداية الربانية‏,‏ فأخذهم الله أخذاً شديداً ، عقاباً لهم على كفرهم‏,‏ وأن الأمور كلها مردها إلى الله ـ تعالى ـ فيجازي كلاً بما يستحق‏ .‏

وتؤكد سورة فاطر أن وعد الله حق‏,‏ وعليه فلا يجوز للخلق أن يغترُّوا بالدنيا فتلهيهم عن الاخرة‏,‏ ولا أن ينخدعوا بالشيطان ـ وهو عدو لهم ـ فيثنيهم عن اتباع الهداية الربانية‏,‏ ويمنيهم بالمغفرة مع الإغراق في معاصي الله‏,‏ ومن ثم فلابد من مقابلة الشيطان بالعداوة التي يستحقها‏؛‏ لأنه من خبثه وعداوته للإنسان يحرص على تزيين سوء عمله له حتى يراه حسناً، فيقوده بذلك إلى النار‏ .‏

وتؤكد السورة كذلك على أن العزة لله‏,‏ فمن أرادها فسوف يجدها في طاعة الله‏,‏ وأن الذين كفروا سوف يلقون عذاباً شديدا‏ًً,‏ وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم من الله مغفرة وأجر كبير‏,‏ وأن الله ـ تعالى ـ يضل من يشاء ممن ارتضوا الضلال سبيلا‏ًً,‏ ويهدي من يشاء ممن اختاروا الهداية سبيلاً‏,‏ وتضرب السورة الامثال للناس من حياتهم‏,‏ وتوصي الرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألا يحزن على مصير الضالين؛ لأن الله ـ تعالى ـ عليم بما يصنعون‏ .‏

وتحذر سورة فاطر من الشرك بالله‏,‏ وتؤكد عجز الشركاء المزعومين‏,‏ وحاجتهم‏‏ ـ بل وحاجة الخلق جميعاً ـ إلى الله ، وأنه سبحانه غني عن العالمين .‏ ومن قبيل التقريع تذكر المشركين بالله بأن شركاءهم لا يستطيعون خلق شيء في الأرض‏,‏ وليست لهم أدنى شراكة في السماوات‏,‏ وأنهم لم يتلقوا تفويضاً من الله ـ تعالى ـ بذلك‏,‏ وعلى الرغم من ادعائهم‏,‏ وقسمهم كذباً بالله أنهم إذا جاءهم نذير فسوف يكونون أهدى من غيرهم من الأمم‏,‏ فإنهم لما جاءهم النذير ازدادوا نفوراً من الحق‏,‏ وأن هؤلاء الظالمين لا يَعُدُ بعضهم بعضاً الا ظناً كاذبا‏ًً,‏ وقد استمرأوا الخروج على منهج الله استكباراً في الأرض‏,‏ ومكراً سيئاً بأهلها‏,‏ والمكر السيء لا يحيق الا بأهله‏,‏ ولم يعتبروا بما حدث للأمم السابقة عليهم‏,‏ والتي كانت قد سارعت بالكفر‏,‏ وعاجلهم الله ـ تعالى ـ بالعقاب على كفرهم، وقد كانوا أكثر قوة منهم‏,‏ وهي سنة من سنن الله التي لا تبديل لها‏,‏ ولا تغيير فيها‏ .‏

وتؤكد السورة الكريمة أن الله ـ تعالى ـ قادر على استبدال الخلائق بغيرهم‏.‏ وما أيسر ذلك عليه ـ سبحانه ـ‏,‏ وأن كل نفس مسئولة عن عملها‏,‏ وأنها لا تحمل وزر غيرها‏,‏ وأن الرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مطالب بإنذار الذين يخشون ربهم بالغيب فيعبدوه بما أمر‏,‏ وأن من يسعي إلى تزكية نفسه فإن فضل ذلك مردود عليه‏,‏ وأن مصائر الخلق جميعا إلى الله ـ تعالى ـ فيجازي كلا بما هو أهل له‏,‏ وأن الأضداد لا يستوون أبدا‏..,‏ وأن هذا النبي والرسول الخاتم قد أرسل بالحق الذي أرسل به الأنبياء والمرسلون من قبل لأن عدل الله ـ تعالى ـ يقتضي ألا يحاسب الخلائق بغير إنذار مسبق ‏.‏

وتمتدح السورة الكريمة الذين يتلون كتاب الله‏,‏ ويقيمون الصلاة‏,‏ وينفقون مما رزقهم الله سرا وعلانية رجاء رحمة الله الذي يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله‏.‏

وتؤكد السورة في ختامها أن خطايا الناس كثيرة‏,‏ ولكن الله يؤخرهم إلى أجل مسمى‏، وهو ـ تعالى ـ البصير بهم ‏.‏

وبالإضافة إلى التأكيد في أكثر من موضع من سورة فاطر أن الله ـ تعالى ـ عليم بكل شيء‏,‏ ومحيط بكل شيء، فإن السورة تستشهد بعدد كبير من الآيات الكونية على صدق القضايا التي أوردتها‏,‏ ومن ذلك ‏:‏ تصريف الرياح‏,‏ وإرسال السحاب‏,‏ وإنزال المطر‏,‏ وإحياء موات الأرض‏,‏ وخلق البشر من تراب‏,‏ ثم من نطفة‏,‏ وجعل الزوجين منها‏,‏ واختلاط البحرين دون امتزاج كامل‏,‏ وإخراج بعض ما يؤكل وما يتزين به منهما‏,‏ وجري السفن فيهما‏,‏ وولوج كلٍ من الليل والنهار في الآخر، وتسخير كلٍ من الشمس والقمر‏,‏ واختلاف ألوان كلٍ من الثمار‏,‏ والجُدَد القاطعة لصخور الجبال‏,‏ والناس‏,‏ والدواب‏,‏ والأنعام‏,‏ والإمساك بالسماوات والأرض أن تزولا‏,‏ وبكل ما هو في ملك الله ـ تعالى ـ‏‏ وكل شيء ملكه، فهو ـ تعالى ـ رب كل شيء ومليكه‏,‏ وغيره لا يملك شيئا‏ًً,‏ وأن الذين يعلمون شيئاً من ذلك من عباد الله هم الذين يخشون ربهم بالغيب‏ .

وهذه الآيات الكونية تحتاج إلى مجلدات في دراستها‏,‏ وإظهار جوانب الاعجاز العلمي فيها‏,‏ إلى جانب ما تحمله من الدلالات المنطقية المقنعة على طلاقة القدرة إلالهية في إبداع الخلق‏,‏ ولذلك سوف أقتصر هنا على آية واحدة فقط منها، وهي آية اختلاف ألوان الجدد القاطعة لصخور الجبال‏ .

وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض الدلالات اللغوية لألفاظ الآية الكريمة، ولأقوال المفسرين فيها، ألا وهي قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : "‏ وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ " . (‏‏فاطر‏:27) .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات