ماذا ينتظر فرنسا بعد خفوت حراك "السترات الصفراء"؟


جراسا -

يبدو أن قرار الحكومة الفرنسية العدول عن رفع الضرائب على الوقود الذي كان السبب المباشر في اندلاع حراك السترات الصفراء، وما تعهد به الرئيس إيمانويل ماكرون من إجراءات في خطابه الأخير يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري بهدف تعزيز القدرة الشرائية للفرنسيين، لم تفلح في تهدئة الخواطر وتجاوز عاصفة الاحتجاجات.

ويرجح متابعون للشأن الفرنسي أن الأزمة الحالية التي أعادت إلى الأذهان مشاهد عنف لم تشهدها فرنسا منذ ستينيات القرن الماضي، وعززت الشكوك في نجاعة النموذج الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي، لن تنتهي تداعياتها اللاحقة حتى لو استطاع ماكرون وكتيبته الحكومية نزع فتيل الأزمة.

ولا يعتبر ظهور "السترات الصفراء" -وهي حركة لا تربطها علاقات مباشرة بأية أحزاب سياسية أو منظمات غير حكومية أو نقابات- ظاهرة جديدة في فرنسا، لكنه يؤشر على أن قنوات التمثيل التقليدية فشلت في احتواء مسببات السخط الاجتماعي.

فقد ظهرت في السنوات الأخيرة حركات شعبية مماثلة، مثل "القبعات الحمراء" التي احتجت على فرض ضريبة على الشاحنات عام 2013، وحركة "ليلة وقوف" التي تظاهرت عام 2016 ضد إصلاحات في قانون العمل.

وغالبا ما يشكل هذا النوع من الحركات "تحديا مؤقتا" للحكومة الفرنسية، بحكم عدم امتلاكها قيادة وتنظيما واضحين. لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى مشكلة معقدة يصعب التعاطي معها بسبب عدم امتلاكها مرجعية واحدة يمكن للسلطات التفاوض معها. كما يمكنها أن تتصاعد بسرعة خاصة عبر تحريض مجموعات أخرى على الانضمام إلى الاحتجاجات، وهو ما حدث فعليا مع السترات الصفراء.


ماكرون خاطب الفرنسيين وتعهد بتنفيذ إجراءات عاجلة لتجاوز الأزمة (رويترز)

استغلال سياسي من المعارضين
سيحاول منافسو ماكرون -بما في ذلك الأحزاب اليمينية والحركات اليسارية والنقابات العمالية- استمالة السترات الصفراء واستخدام مطالبها لتحقيق مآربها السياسية. فقد أعلن مؤخرا الاتحاد العام للشغل انضمامه رسميا إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة. كما استغل التجمع الوطني اليميني -الجبهة الوطنية سابقا- وحزب "فرنسا الأبية" اليساري، مطالب السترات الصفراء للمطالبة باستقالة الحكومة.

وستشكل انتخابات العام القادم للبرلمان الأوروبي المقررة في مايو/أيار 2019، مؤشرا على مدى قدرة هذه الأحزاب على استغلال حالة السخط الاجتماعي المستمرة لصالحها.

تقويض إصلاحات ماكرون
كلما تراجعت شعبية ماكرون سيشعر خصومه بالثقة في إمكانية تقويض سياساته. ومع مرور الوقت، فإن تراجع شعبية الحكومة ومستويات النمو الاقتصادي المتواضعة، فضلا عن الاحتجاجات الاجتماعية واشتداد سطوة المعارضة، سيصعّب على الرئيس الفرنسي وحلفائه المضي قدمًا في برنامجهم الإصلاحي.

ورغم أن حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" يحظى بأغلبية مريحة في البرلمان تخوله أن يمرر إصلاحاته دون الحاجة إلى دعم الأحزاب الأخرى، فإن الاستياء الاجتماعي المستمر قد يجعل الحكومة أكثر حرصاً على تعزيز الإصلاحات الهيكلية، بينما سيكون المشرعون في الجمعية الوطنية (البرلمان) أكثر حذراً في دعمهم لماكرون. ونتيجة لذلك، قد يكون البرنامج الإصلاحي لماكرون معرضا للخطر.

سيكون التحدي الكبير المقبل للحكومة الفرنسية هو إصلاح معاشات الدولة، حيث تسعى إدارة ماكرون لاستبدال أنظمة التقاعد "المتعددة" بنظام واحد، وتغيير طريقة حساب مدفوعات المعاشات مما سيؤدي إلى تخفيضات في الدفع في بعض الحالات.

كما تريد الحكومة الفرنسية تقديم اقتراح رسمي لإصلاح نظام التقاعد منتصف العام القادم وإخضاعه للتصويت في البرلمان بحلول نهاية العام. وسيؤثر هذا الإصلاح على قطاعات عريضة من المجتمع الفرنسي، مما يعني أنه سيولد مقاومة قوية ويخلق ظروفا مواتية لمزيد من الاحتجاجات.

وتخطط الحكومة الفرنسية أيضًا العام المقبل لجعل الزيادات في التعويضات العائلية دون مستوى التضخم، وتشديد معايير الاستفادة من التأمين على البطالة، والحد من عدد الموظفين في القطاع العام. وهذا يعني أن المناخ سيظل مهيّأ للاضطرابات الاجتماعية العام المقبل أيضا بغض النظر عن مصير حراك السترات الصفراء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات